كانت الأعمال الوثائقية تُنتجُ حصرًا حتى تُعرض عبر شاشات التلفاز أو السينما، إلى أن جاء المد الرقمي وغيّر مفاهيم صناعة الوثائقيات، مقدمًا قالبًا جديدًا يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي وجماهيرها.
وبات بإمكان المنتجين الاستفادة من الفرص التي تقدمها منصات التواصل للوصول إلى جمهور أكبر وبطريقة أسرع، والتفاعل معه بشكل أفضل، الأمر الذي زاد تطور مجال صناعة الأفلام القصيرة عمومًا واتساع رقعة الأعمال المنتجة فضلًا عن تنوع مضامينها ما بين الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والرياضية وغيرها.
ونتيجة لطبيعة الجمهور المستهدف في الشبكات الاجتماعية والأدوات المستخدمة في النشر، نجد اختلافات بين الفيلم الوثائقي القصير المعد للتلفاز والفيلم الوثائقي القصير المصمم للمنصات الرقمية المتعددة، وأبرزها:
الوقت: يوفر التلفاز حيزًا زمنيًا لعرض الأفلام الوثائقية القصيرة بفترة تتراوح ما بين 30 دقيقة إلى ساعة وأكثر، بينما تكون الأفلام الوثائقية القصيرة المصممة للعرض على الشبكات الاجتماعية قصيرة جدًا، وتستهدف جمهورًا يفضل محتوى سريعًا ومختصرًا، وتكون غالباً أقلّ من دقيقة واحدة أو بضع دقائق.
وفي السياق ذاته، قد يجد صانع الفيلم الوثائقي القصير نفسه ملزمًا بمدة عرض تتلاءم مع قوانين المنصة، ففي الوقت الذي يتيح به فيسبوك لكافة المشتركين نشر فيديوهات لا حد زمنيًا لها، فإنّ منصة إكس تتيح للحسابات العادية تحميل فيديوهات تبلغ مدتها دقيقتين و20 ثانية.
هدف العرض: يهدف المحتوى الوثائقي التلفزيوني غالبًا إلى تقديم شروحات مفصلة وعميقة، بينما تزداد فرصة نجاح الفيلم في منصات التواصل كلما كان مباشرًا بالطرح وبدون إطالة.
المرونة: بالعادة يكون عرض الفيلم الوثائقي القصير مرتبطًا بزمان محدد، فلا يستطيع المتابع تأجيل أو اختيار وقت المشاهدة أو إعادة بعض اللقطات، عكس منصات التواصل التي تعطي مرونة عالية في تحديد وقت المشاهدة أو حفظ الفيلم في قائمة المواد المفضلة والرجوع له لاحقًا.
تكلفة الإنتاج: تُخصص للأفلام القصيرة التلفزيونية ميزانية كبيرة وفريق إنتاج محترف سعيًا لتقديم محتوى عالي الجودة يتوافق مع البث الفضائي، في حين بات بإمكان صانع المحتوى إنتاج فيلم وثائقي قصير بإمكانيات غير مكلفة وبميزانيات معقولة كصناعة فيلم بالهاتف المحمول وتطبيقاته المدفوعة أو المجانية.
السرعة: بفضل المرونة الإنتاجية من حيث الأدوات والتكلفة، فإنه بالإمكان إعداد الأفلام الوثائقية القصيرة المخصصة للمنصات الرقمية بسرعة أكبر مقارنة بالتلفاز الذي يتطلب مزيدًا من الوقت والجهد للتخطيط والإنتاج والتحرير.
الوصول والتفاعل: يتسم المحتوى الوثائقي القصير المعروض عبر التلفاز بأنه أحادي التأثير، فلا يمكن معرفة رد فعل الجمهور سريعًا أو قياس التفاعل مباشرةً، على عكس الفيلم الوثائقي المعد للشبكات الاجتماعية إذ يتيح نوافذ تفاعلية أكبر من خلال التعليقات والإعجاب وإعادة مشاركة المحتوى، مما يساعد في عمليات التطوير والتحسين مستقبلًا.
وحول المعايير الفنية والبصرية المطلوبة لصناعة فيلم وثائقي قصير لمنصات التواصل، يقول صانع المحتوى يوسف موسى: "هناك مصطلح يتردد في عالم إنتاج الوثائقيات وهو hook أو "المعقوف في صنارة الصيد" بمعنى أنّ عنصر النجاح الأبرز هو القدرة على الجذب والتأثير".
ويضيف موسى في حديثه مع "شبكة الصحفيين الدوليين": "ترتبط عناصر الجذب بالموضوع والفكرة المعالجة والشخصيات وكيفية تنظيم المشاهد وتوقيت ظهور الأحداث، مرورًا بجودة التصوير والإخراج والمؤثرات الصوتية والبصرية، وصولًا إلى العنوان المرفق والنص التوضيحي والصورة المصغرة للفيلم".
ويشير موسى إلى وجود حالة اهتمام ووعي متنامية في صناعات الأفلام القصيرة المخصصة لمنصات التواصل خاصة عند الفئات الشبابية، بعدما كانت القصص الرقمية والتقارير المرئية المطولة هي السائدة.
ورغم أنّ أسس بناء الفيلم الوثائقي القصير سواء للتلفاز أو منصات التواصل متشابهة بالجوهر، إلا أن هناك جملة معايير تزداد أهميتها في العالم الرقمي، ومن ذلك ضرورة التوجيه الدقيق للتسلسل الزمني والابتعاد عن التشتت أو التفرع في الموضوع؛ لأنّ جزءًا من الثانية ربما يشجع المشاهد على متابعة الفيلم للنهاية أو يبعده عنه، في ظل غزارة المحتوى وتعدد أشكاله.
ومن الإرشادات أيضًا عدم الإطالة وتجنب الحشو وخلق محتوى يمكنه لفت الانتباه بسرعة وتقديم رسالة محددة أو لحظات مميزة ومؤثرة، ومن الأهمية معرفة الفئة المستهدفة ومخاطبتها بالشكل والمضمون المناسبين، بالإضافة إلى ضرورة اختيار الوقت المناسب للنشر بما يتناسب مع كل منصة رقمية.
والجدير ذكره أنّ استخدام العناصر البصرية والتعليق الصوتي له تأثير كبير على تجربة المشاهدة وإثراء التفاعل، بما يشمل استخدام الجرافيكس والرسومات البيانية والمتحركة للمشاهد والشخصيات والأماكن، بجانب استخدام التقنيات ثلاثية الأبعاد، وكذلك اللون والتصميم البصري لإعطاء عمقٍ للفيلم القصير.
ويعاني مجال صناعة أفلام لمنصات التواصل الاجتماعي من بعض الأخطاء التي يمكن أن تؤثر على جودة المحتوى وفاعليته، ومنها:
1. ضعف الفكرة: غياب وجود قصة جذابة أو هدف منطقي بالسيناريو يمكن أن يجعل المشاهدين يفقدون اهتمامهم بالمتابعة، وأيضًا المبالغة والاستخدام العشوائي للجرافيكس قد يأتي بنتائج عكسية.
2. القصر المفرط: يجب أن تكون مدة الفيلم معقولة بدون إفراط أو تفريط، بهدف تقديم محتوى سهل الاستيعاب وله أثر، وليس مجرد عمل عابر بدون تقديم قيمة مضافة.
3. عدم تحسين المحتوى: يجب أن تأخذ في اعتبارك متطلبات كل منصة على حدة بالنسبة للأبعاد والعنوان والوصف والوسوم، على سبيل المثال، يجب أن تكون أشكال الفيديو وحجمه مناسبة لكل منصة ترغب في نشره عليها، مثل إنستجرام ويوتيوب.
4. ضعف الإنتاج: يمكن أن تقلل الفيديوهات ذات جودة منخفضة من حيث الصورة أو الصوت أو الإضاءة من جاذبية المحتوى، واستخدام الهاتف المحمول في صناعة فيلم وثائقي قصير لا يعني تقديم إنتاج بجودة سيئة.
5. انتهاك حقوق النشر والملكية: استخدام الموسيقى أو لقطات الفيديو أو الانتقالات في أفلامك بدون الحصول على تراخيص مناسبة، قد يتسبب في مشاكل قانونية، لذلك يلزم الامتثال لقوانين حقوق النشر والملكية الفكرية.
6. إهمال الترويج: الارتهان إلى أنّ الفيلم سينشر وسط جمهور واسع بمنصات التواصل وأنه لا داعي للتسويق المسبق، هو اعتقاد خاطئ يجب تجنبه، والتوجه نحو إعداد خطط ترويجية وإطلاق حملات إعلانية سواء للفيلم ككل أو لأجزاء تشويقية منه.
7. تجاهل التفاعل: بمجرد نشر الفيلم، قم بالتفاعل مع تعليقات ومشاركات وآراء المتابعين، هذا سيجعل المشاهدين يشعرون بأنهم جزء من القصة ويزيد من معدل الوصول والانتشار.
وتجدر الإشارة إلى وجود مجموع أدوات لقياس التفاعل على منصات التواصل بما يساعد الأفراد والشركات على فهم كيفية تفاعل جمهورهم مع أفلامهم وقياس أداء الحملات الترويجية والمدة الزمنية التي يقضيها المشاهد بمتابعة الفيلم، وبناء على تلك النتائج يمكن التطوير والتحسين.
ومن هذه الأدوات Sprout Social ،Google Analytics ،Facebook Insights ،Hootsuite ،Buffer ،Instagram Insights.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Lisanto.