خلال الحرب في قطاع غزة، برزت أدوار فعّالة لنشطاء الإعلام والصحفيين الشباب أو حديثي التخرج في نقل صورة الأحداث مباشرة من الميدان، غالبًا ما بدأ هؤلاء عملهم بجهود فردية أو ضمن مجموعات غير رسمية، حتى تمكنوا من أن يصبحوا مصدرًا حيويًا للمعلومات والصور والفيديوهات.
إحدى السمات المميزة لنشطاء الإعلام تتمثل في قدرتهم على نشر المعلومات في الوقت المناسب باستخدام الهواتف المحمولة والأدوات البسيطة، مما أتاح لهم توثيق الأحداث من داخل المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها، وشكلت هذه التغطية حلقة وصل مهمة بين ميدان الحرب والعالم.
الصحفية جيهان كوارع تعقب على ذلك بقولها: "تجربة النشطاء والصحفيين الشباب على الأرض أكسبتهم مصداقية كبيرة بين المتابعين، حيث يُنظر إليهم كشهود عيان على الأحداث، ويعتبرهم الجمهور مصادر موثوقة للتوثيق السريع، خاصة عندما تكون تغطيتهم مدعومة بالصور والمقابلات الحية".
عملت كوارع منذ تخرجها عام 2017 من كلية الإعلام كمحررة صحفية لصالح مواقع وصحف دولية ناطقة باللغة الإنجليزية، ولكن خلال الحرب التي تدور منذ نحو عام، خاضت تجربة جديدة في التصوير الفوتوغرافي انطلاقًا من مدينتها خان يونس جنوب القطاع. وتقول كوارع لـ"شبكة الصحفيين الدوليين": "ركزتُ على تصوير المجازر، خاصة ضد الأطفال، وكذلك توثيق طبيعة الإصابات مثل البتر والحروق، إلى جانب الظروف الصعبة في المستشفيات المزدحمة بالمصابين ونقص الأدوية والإمكانيات اللازمة لعلاجهم".
وتتابع قائلة: "المهمة الصعبة هي إيصال صور الإصابات للعالم بشكل مهني، مع مراعاة مشاعر المشاهدين. كما واجهت تحديًا آخر يتعلق بإصابات النساء، حيث كان من الصعب تصويرهن بدون إظهار أجسادهن المصابة، مما يتطلب حذرًا كبيرًا واهتمامًا خاصًا بالجانب الإنساني".
النجاح الذي حققه الصحفيون الشباب والنشطاء دفع العديد من الوكالات الإخبارية والقنوات الفضائية للتعامل معهم كمصادر رسمية للمعلومات، كتتويج لقدرتهم على تقديم تغطية احترافية ومؤثرة، خاصة بعد اضطرار عدد من الكوادر الصحفية للنزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه خلال الأشهر الأولى من الحرب.
في هذا السياق، يرى الصحفي الشاب أحمد قنن أنّ الحرب كانت فرصة لتطبيق المهارات والقدرات التي اكتسبها خلال فترة تدريبه بعد التخرج من الجامعة. بدأ في البداية باستخدام حساباته على منصات التواصل الاجتماعي لتسويق خبراته في الكتابة والتصوير وتحرير الفيديو، مما جعله محط أنظار وسائل الإعلام.
وهذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها قنن في ميدان تغطية الحروب. وتحدث لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" عن تجربته قائلًا: "أركز على القصص الإنسانية والقضايا المهمشة التي تخص الأطفال والنساء وذوي الإعاقة"، مشيرًا إلى أنّ شبكة العلاقات التي بناها على مدى سنوات ساعدته بشكل كبير في الحصول على فرص عمل خلال الحرب.
وأضاف: "أحد أبرز الفنون الصحفية التي أعمل عليها هو إنتاج التقارير الميدانية على هيئة As live، وهي تقارير تناقش قضايا أو تسلط الضوء على جوانب إنسانية معينة، تليها تغطيات مباشرة ضمن نشرات الأخبار، وأنا الآن أسعى لإعداد تحقيقات استقصائية تعتمد على فرضيات مرتبطة بقضايا الحرب المهمشة".
ولمراسل قناة الجزيرة، أنس الشريف، تجربة مهنية لافتة، إذ تميز بعد تخرجه من كلية الإعلام بجامعة الأقصى عام 2018 في تغطية الأنشطة والفعاليات المحلية عبر عدسته الخاصة وما يتوفر لديه من إمكانيات شخصية. ولمع قبيل الحرب كناشط إعلامي معروف، وتحديدًا في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة.
ومع الساعات الأولى للحرب، سَخَّر الشريف قدراته ومنصاته الشخصية للتغطية الإخبارية المصورة ونقل الأحداث بشكل آني، مسجلًا في أوقات عدة سبقًا صحفيًا لصور وتقارير ميدانية، وقد تناقلتها آنذاك وسائل إعلام سواء تلفزيونية أو عبر صفحات وسائل التواصل.
وعن انخراطه بالعمل في قناة الجزيرة الإخبارية، يقول الشريف لـ"شبكة الصحفيين الدوليين": "بدأت أزود القناة بالصور والتقارير الخاصة في اليوم الرابع للحرب، وبالخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ظهرت بمسمى صحفي، ولكن الحضور الأول كمراسل للقناة كان في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر من ذات العام".
وسرعان ما أثبت الشريف جدارته في توثيق الصورة الحية للمعاناة على الأرض، وتميّز بأسلوبه الذي يركز على الجانب الإنساني، حيث حرص على إبراز معاناة المدنيين في تقاريره المصورة، مقدمًا شهادات مباشرة عن الدمار والآثار المترتبة على القصف، رغم أنه لم يخض من قبل تجربة العمل التلفزيوني.
ويشير الشريف إلى أنه واجه عدة تحديات، أبرزها "ارتفاع مستوى المخاطر الأمنية في مختلف مناطق غزة، والاستهداف الشخصي مثلما حدث مع الزميل إسماعيل الغول الذي قضى في غارة أثناء مهمة عمل صحفية، فضلًا عن تهديدات طالت عائلته، إذ فقد والده وعددًا من أقاربه جراء القصف".
وتشمل المعيقات أيضًا الضغوط النفسية الناتجة عن تغطية الأحداث المأساوية، وغياب أدوات السلامة الشخصية، إذ احتاج الشريف قرابة الثلاثة أشهر للحصول على خوذة الرأس الموسومة بكلمة PRESS، فضلًا عن التحديات المرتبطة بالظروف الحياتية من أزمة الكهرباء والغذاء وندرته وارتفاع أسعار المحروقات اللازمة لتحرك الطواقم الصحفية.
ورغم ذلك، يؤكد الشريف أنّ عشرات النشطاء والصحفيين الفلسطينيين تمكنوا من ترسيخ حضورهم في الميدان بسرعة، رغم الصعوبات المهنية والميدانية التي واجهوها وما زالوا يواجهونها.
واستنادًا إلى تجربة الشريف وغيره من الصحفيين الشباب والنشطاء الإعلاميين، يمكن الإشارة إلى عدة معطيات، وهي:
- الدور الذي يلعبه نشطاء الإعلام في تغطية الأحداث من ميدان الحرب يعكس تحوّلًا في كيفية استهلاكنا للمعلومات ومصادرها، وأسهم في إعادة تشكيل كيفية نقل وتوثيق الأحداث اليومية.
- أثبت النشطاء والصحفيون الشباب أنّ الصحافة لم تعد حكرًا على المتخصصين المحترفين، وأنّ الكاميرا المدعمة بالهاتف المحمول قادرة على نقل الحقيقة بأبسط الوسائل، وبتأثير عميق، بل الوصول إلى أماكن يصعب على وسائل الإعلام الكبيرة تغطيتها لأسباب أمنية أو لوجستية.
- فهم النشطاء للسياق المحلي، كونهم جزءًا من المجتمع، أعطاهم القدرة على تقديم صورة دقيقة وواقعية للأحداث.
- تساهم منشورات النشطاء في انتشار الأخبار بسرعة فائقة، مما يضغط على المؤسسات الإعلامية التقليدية لتقديم تغطية أسرع وأكثر تفصيلًا.
- ينقل نشطاء الإعلام الأحداث من زوايا مختلفة، بعيدًا عن الرؤية الرسمية التي تقدمها المؤسسات الإعلامية التقليدية، مما يوفر للمشاهدين صورة أكثر شمولية وواقعية.
- أهمية دمج الأساليب التقليدية في الصحافة مع الأشكال الجديدة التي أطلقها الإعلام الاجتماعي.
- ضرورة تعزيز برامج التدريب والدعم المهني للنشطاء والصحفيين الشباب أو حديثي التخرج، سعيًا لتجنب الأخطاء التي تخالف أخلاقيات العمل الصحفي، وفي مقدمتها الحيادية والدقة والمصداقية.
الصورة الرئيسية للمقال من أنس الشريف.