ضمن مسيرتها لتطوير العمل الصحفي الإستقصائي، والإحاطة بجوانبه بطريقة علميّة ينقلها خبراء ومختصون، أطلقت شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج) كتابًا بعنوان "الصحافة الاستقصائية الحديثة" أعدّه مارك لي هانتر ولوك سينجيرز، ويعدّ أول دليل أكاديمي إرشادي عربي شامل حول أسس تدريس الصحافة الاستقصائية وتكريسها في كليات الإعلام العربية.
ويأتي إصدار هذا الكتاب بدعم من مؤسسة فريدرش ناومان من أجل الحرية بهدف تشجيع الإعلام الحر المستقل والتعددية وتعزيز التنمية وإشاعة الديمقراطية والحوار البناء في مختلف المجالات الاعلامية، وذلك بعد فترة من إطلاق "أريج" كتابها "على درب الحقيقة"، والذي بات مرجعًا لكثير من الصحفيين الإستقصائيين في العالم العربي.
الصورة لكتاب "على درب الحقيقة"
وعلّقت المديرة التنفيذية للشبكة رنا الصباغ على الإصدار، بالقول إنّ مجلــس إدارة شــبكة "أريــج" أتاح هذا الكتاب لجميـع الصحفيين وبشكل مجانـي عبـر موقـع الشـبكة "إيمانًـا منه بأهميـة تعزيـز ثقافـة الاسـتقصاء فـي العالـم العربـي علـى أسـس علميـة وعمليـة واضحـة".
ويســاعد الكتاب علــى تعميــق فهــم دور الصحافــة كمصــدر معلومـات بالـغ الأهميـة للمواطنيـن كافة، باعتبارهـا أحـد أشـكال الخدمـة العامـة للمجتمـع، ولهذا السبب، يعمل المنهـاج الجديد علـى توعيـة الطـلاب تجـاه أهميـة وفائـدة المصـادر الرقميـة المفتوحـة، بهـدف إرســاء المــوارد المشــتركة فــي منطقــة الشــرق الأوســط وشــمال أفريقيــا بمــا يدعــم الهــدف العــام المتمثل في تحسين نوعية الصحافة في المنطقة.
وبعد الغوص في تفاصيل الكتاب، فقد تمّ تخصيص الفصل الأول لتعريف الصحافة الإستقصائية، فهي يمكن أن تعرّف كطريقـة إخباريـة صحفيـة، كفـن أدبـي وتوثيقـي، كقـدرة تنظيميــة وشــخصية، كحافــز للتغييــر الاجتماعــي والسياســي، وكتيــار اقتصــادي قــوي فــي تاريــخ وســائل الإعلام، وفقًا لما ورد في الكتاب. وفي نهاية الفصل الأول، سيصبح لدى الطــلاب فهــم راســخ لكيفيــة تصــور ووضــع فكــرة التحقيــق الاســتقصائي والبحــث فيهـا وتنظيمهـا وكتابـة قصـة قويـة عنهـا، وسيتزودون بالاحتياطــات الأخلاقية والاجتماعية والقانونية، وستشـمل مهاراتهـم تطويـر المصـادر المفتوحـة (المتاحـة) وإجـراء مقابـلات فـي صميـم المصـادر الإنســانية، وســيتعلمون كيــف ينشــئون قاعــدة البيانــات الخاصــة بهــم وغيرهــا مــن الأصــول المهنية التي جمعوها أثناء البحث والتوثيق.
الصورة لغلاف الكتاب
وشدّد الكتاب على أنّه يتعين على الصحفــي ألا يقــدم علــى نشــر أو تســريب تحقيــق قــام بــه آخــرون، مــا يعنــي أن أي كشــف يجــب أن يكــون بفضـل جهـد الصحفـي نفسـه، وأن يدرك أنّ الحـوارات والتصريحات وحدها لن ترقى إلى مستوى التحقيق. كذلك على الصحفي أن يختار موضوعًا له أهميـة قصـوى عند الجمهـور المتلقـي وأن يتعلق بأمـر قـد يؤثـر فـي حياتهـم. ولفت الكتاب إلى أنّه فـي بعـض الحـالات، يحـاول البعـض إخفـاء الحقيقـة، فـي حيـن أن الصحفـي معنـي بالكشـف عـن الأسرار، وكمـا يقـول جوليـان أسـانج صاحـب تسـريبات "ويكيليكـس": "عندمـا تكـون المعلومـات سـرية، فـإن قيمتهـا المادية والاقتصادية ترتفع بشكل تلقائي".
أمّا الفصل الثاني من الكتاب فجاء بعنوان "الصورة والحقيقة للصحفي الإستقصائي"، وتكمن استراتيجية هـذا الجـزء مـن المنهـاج فـي الكشـف عـن الهـوة التـي تفصـل بيـن الأسطورة والواقـع فـي مجـال صحافـة الاسـتقصاء. فيما يوضح الفصل الثالث كيف تبدأ القصص الإستقصائية، ويناقش كيفية بحث الصحفيين عن موضوعات لتحقيقاتهم.
في الفصل الرابع، يتعلّم الطلاب كيفية صياغة الفرضية، ويوضح الكتاب أنّه مـا بيـن عـام ١٩٧٠ وعـام ٢٠٠٠، لـم يكـن هنـاك منهـاج متكامـل للصحافـة الاسـتقصائية. ولكـن خـلال الســنوات العشــر الماضيــة، تغيــرت الصــورة بشــكل جــذري. ففــي الوقــت الحاضــر، يســتخدم الصحفيون منهاجًا متكامــلا فــي عملهــم الاســتقصائي، بمــا يميزهــم عــن زملائهــم غيــر الاســتقصائيين. وفــي الفصل الرابع يعرض الكتاب المنهــاج الأساســي لصحافــة الاســتقصاء، واســتخدام الفرضيــات لتأطيــر البحــث الاسـتقصائي والاسترشـاد بـه، وهــو أمر لا يعتمــد علــى البنــاء النظــري، وإنمــا يتــم اســتنباطه مــن العمــل البحثــي الميداني، الذي يطرح حلولاً للمشكلات التي تظهر أثناء الممارسة.
ويوضح الفصل الخامس كيفية وضع جدول زمني، بعـد وضـع الفرضيـة، فالجـدول الزمنـي يعدّ أكثـر الأدوات أهميـة فـي التحقيقـات الاسـتقصائية، ويبيّـن العنصـر المفقـود فـي قصتنـا، ومـا يجـب أن يحـدث قبـل الأحـداث وبعدهـا، وذلـك قبـل الاحتفـاظ بالمعلومـات التـي جمعناهـا بصـورة دقيقـة ومنظمـة. كمـا يسـاعد فـي تكويـن قاعـدة بيانـات أكثـر سـهولة وقـوة. ويجب أن يدرك الطلاب أنّ عليهم اسـتخدام خيالهـم مـن أجـل تنفيذ القصص.
وقد عُنون الفصل السادس بـ"صحافة الإستقصاء بعد فضيحة ووترجيت"، وبحسب الكتاب يجب على طلاب الصحافة أن يدركـوا دلالـة حركـة صحافـة الاسـتقصاء عقـب فضيحـة "ووترجيت" ونطـاق تأثيرهـا علـى مهاراتهـم ومسـتقبلهم الصحفـي، وصولاً الى الفصل السابع الذي يكشف طرق العثور على المصادر المفتوحة والموثوقة، التي تعني الأشــخاص الذيــن يســعون لجــذب الانتبــاه العــام، وهــم بالتالــي مســتعدون للتحــدث إلــى الصحفييــن. ويمكــن أن تجــد بيــن هــذه الفئــة عائــلات ضحايــا، متضرريــن، محاميــن، مستشــارين، سياسيين، قائمين على حملات انتخابية، أعضاء في النقابات المهنية، علماء، باحثين، ومحللين.
توازيًا، يقدّم الفصل الثامن موجزًا تاريخيًا لصحافة الإستقصاء قبل ووترجيت، ويأتي الفصل التاسع ليشرح أخلاقيات صحافة الإستقصاء وعدم الانحياز، وبعد ذلك فمـن أجـل التأكـد مـن دقـة القصـة الخبريـة، يوضح الفصل العاشر كيفية اكتساب مصادر خاصة بالمعلومات، وبناء الثقة مع مصادر المعلومات المترددة والتي تخشى الكلام.
ومن المعروف أنّ الصحفيين الإستقصائيين يجرون أحاديث مطوّلة، وهذا ما يسلّط عليه الضوء الفصل الحادي عشر الذي يشرح طرق إجراء حوارات استقصائية، علمًا أمّ عمليــة التفريــغ تحتاج لساعتين عن كل ســاعة تسجيل.
وبعدما تقدّم، يوضح الفصل الثاني عشر كيفية إنشاء قاعدة بيانات للتحقيقات الإستقصائية، فهي لا تقتصـر بالضـرورة علـى التحليـل الإحصائـي، فـكل أنـواع المعلومـات يمكـن التعامـل معهـا كبيانـات. لذلـك يمكننـا تسـخير قـدرة الكمبيوتـر فـي تجميعهـا وتحليلهـا والبحـث عن أنماط وخلق ترتيب وإدارة كميات كبيرة من المحتوى.
أمّا الفصل الثالث عشر فيتحدث عن جمهور الصحافة الإستقصائية، ويمكله الفصل الرابع عشر الذي يوضح أنّ الصحافة الإستقصائية هي قوة إجتماعية، ويشرح كيف يدخل التحقيق لاعبين آخرين وكيـف يمكـن أن يتعـاون الصحفي مـع أطـراف أخـرى بشـكل مسـؤول وأخلاقـي.
وبعد ذلك، يتحدث الفصل الخامس عشر عن القصة الشفهية وعروض السوق، ويكشف الفصل السادس عشر كيفية العثور على نماذج، وتخصص الفصل السابع عشر في صياغة قصص التحقيق وكيفية صياغة مسودة للقصة قبل البدء بتنفيذها. ويتضمّن الكتاب ملحقًا إضافيًا عن صحافة البيانات.
الصورة الرئيسية من الفصل الثاني في الكتاب