كيف يمكنك النجاح كمصور صحفي يعيش خارج العاصمة؟

Nov 25, 2018 در الصحافة متعددة الوسائط
 مصور شاب من صعيد مصر

"النجاح في المجال الصحافي يحتاج منك ترك قريتك والانتقال إلى العاصمة"، "ليس لديك فرص للنجاح في الإعلام إذا كنت تعيش في مدينة بسيطة خالية من الأحداث المهمة"، وغيرها من الجمل المحبطة قيلت للمصور الصحفي المصري محمود هواري، حين أخبر المقربين منه إنه يرغب في أن يعمل في مجال التصوير.

لكنّ هواري الذي يعيش في صعيد مصر، وبالتحديد في محافظة قنا، التي تبعد عن جنوب القاهرة حوالى 600 كم، رفض الاستماع لهذه النصائح، وقرر العمل كمصور، ينقل للناس حكايات من صعيد مصر، واستطاع بمزيد من الحماس والصبر أن ينجح، ويحصل على العديد من الجوائز.

 في الأسطر التالية نحدثكم أكثر عن تجربة مصور شاب من صعيد مصر.

"الفراعنة علموني احترام الألوان والطبيعة"

في محافظة قنا، ولد محمود، وعاش هناك فترة من طفولته، بعدها انتقل مع أهله إلى محافظة أسوان (تبعد عن القاهرة 879 كلم)، وهناك عاش لعدة سنوات، يقول لشبكة الصحفيين الدوليين "في أسوان وجدت نفسي بين المعابد والأثار الفرعونية المبهرة، كنت أنظر لكل قطعة من تاريخ مصر بحب شديد، تعلمت من إبداعات أجدادي الفراعنة حب الألوان، واحترام الجمال، واتقان التفاصيل".

عاد محمود مرة أخرى إلى مسقط رأسه قنا، وانتهى من دراسة القانون، لكنه رفض العمل كمحام، حيث كان يحلم في هذا الوقت بالعمل كمصور، يوثق الطبيعة والألوان من حوله في صور. لكن كانت الأزمة تكمن في أن فرص العمل في هذا المجال غالباً ما تكون في العاصمة وليس في المحافظات البسيطة التي لا تمر بأحداث مهمة تجعل وسائل الإعلام ترغب في توظيف مصور فيها.

"الصورة النمطية عن صعيد مصر لدى الكثيرين هي أنه مكان يعيش فيه أناس فقراء، مسالمون، والسبب في هذه الصورة هي الإعلانات التليفزيونية الخاصة بالجمعيات الأهلية، والتي تطلب دائماً تبرعات من الناس لمساعدة فقراء ومرضى الصعيد"، يقول محمود لشبكة الصحفيين الدوليين، مضيفًا "لكن الحقيقة إن الصعيد ليس كذلك، إن كل قرى الصعيد تمتلىء بالحكايات المدهشة، عن بشر أعطت الشمس الحارقة لبشرتهم سمرة محببة للنفس، وطيبة وحكمة، أما العمل في مجال زراعة المحاصيل المختلفة فجعلت حياتهم كلها خير وصبر وتحدّ". 

بدأ محمود الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، تنفيذ حلمه بعد ثورة يناير مباشرة، فقد أراد أن يشارك في الثورة المصرية على طريقته الخاصة، في البداية كان يلتقط الصور بكاميرا هاتفه المحمول، لكن بعد فترة قرر شراء كاميرا، لم يكن يمتلك وقتها المبلغ اللازم لشراء كاميرا بمواصفات حديثة، فقرر أن يبيع بعض حاجياته ومنها هاتفه، وهو الأمر الذي مكنه من شراء كاميرا رقمية بسيطة، التقط بها مئات الصور، من أغلب قرى الصعيد. وحين لم تعد الكاميرا البسيطة ترضى غروره، قرر شراء كاميرا أحدث، وبدأ رحلة في الصعيد لتصوير وجوه المصريين وعاداتهم وتقاليدهم، وحتى ألعابهم التراثية.

قرر محمود أن ينقل للمصريين وللعالم حكايات مختلفة من مدن، قرى، ونجوع صعيد مصر، تأثر الشاب بمشروع Humans of New York وأراد أن يطلق مشروع مصور مشابه له يحمل عنوان  Humans of Upper Egypt، لكن الفارق هو إنه اختار ألا يكتب أي تعليقات على الصور، بسبب أن "وجوه المصريين في الصعيد لا تحتاج لشرح، هي أقوى من مليون كلمة وموضوع صحافي"، بحسب ما قال.

حققت صور محمود نجاحاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت بعض المواقع الصحافية في الاستعانة بها. والتعامل معه، كما شارك في العديد من المسابقات المحلية والدولية، واستطاع تحقيق مراتب متقدمة، على سبيل المثال حصل على جائزة من مسابقة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان للجواد العربي في العام 2016، وجائزة مسابقة اليونسكو "قصة وصورة"، كما يراسل مجلة ناشيونال جيوجرافيك العربية، ونشرت له مؤخراً على صفحاتها تحقيقًا مصوراً بعنوان "المرماح".

يوم في حياة مصور من الصعيد

في كل مرة يبدأ محمود رحلة تصوير يستيقظ مبكراً، يذهب إلى قرى الصعيد المختلفة، يتحدث مع الناس ليصنع بينه وبينهم علاقة حب ومودة تساعده على أن يحصل منهم على أفضل النتائج، صور طبيعية غير مصطنعة.

وحين يعود لغرفته في المساء يقوم بتنزل كل الصور على جهاز الحاسوب الخاص به، ويحررها عبر برنامج فوتوشوب لجعلها أفضل، وألوانها أوضح.

لو كنتم تعيشون في مدن وقرى بعيدة عن العاصمة وتظنون أن النجاح يحتاج منكم السفر والحياة في العاصمة، فإن محمود هواري ينصحكم بإعادة التفكير في الأمر، إذ يؤكد أن النجاح ممكن من أي مكان، وأن المدينة التي تعيشون فيها مهما كانت هادئة ولا تحدث بها وقائع تهم وسائل الإعلام من وجهة نظركم فإن الأمر ليس كذلك دائماً، فبالتأكيد هناك جانب مهم لا يعرفه الناس عن مدنكم ويحتاجون للتعرف عليها أكثر ومعرفة حكايات أهلها التي لا تتوقف وعاداتهم المختلفة.

وختم قائلاً: "ابحثوا عن النماذج المختلفة والناجحة في كل المجالات في المدن والقرى التي تعيشون فيها، احكوا للناس عن هموم وأحلام أهالي مدينتكم، وتأكدوا أن هناك من يرغب في معرفة كل هذه القصص".