يبدو أن كثير من الصحفيين السوريين وخاصة أولئك العاملين في مؤسسات عربية أو دولية وخلف الشريط الحدودي أو في بلاد اللجوء والاغتراب، باتوا أمام تحدّ كبير لبرهنة مهنيتهم واحترافيتهم داخل مؤسساتهم.
ومع التدفق الكبير للمعلومات بشكل يومي، بات الصحفي السوري خارج الحدود أمام معضلة حقيقية تتمثل في سرعة التحقق من المعلومات لصناعة مادة إعلامية وارسالها للمؤسسة قبل انتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي في ظل كل الظروف المحيطة بالصحفي.
خلال السنوات الماضية اضطر الصحفيون السوريون العاملون في الخارج وضمن مؤسسات عربية أو عالمية إلى إنجاز واجبهم المهني، في ظروف صعبة؛ فالأخبار، وهي صناعة الصحافة الأساسية، سلعة سريعة، فما يسعى إليه الصحفي، ويحصل عليه، من معلومات، ووقائع تشكل اليوم سبقاً صحفياً مهماً، إلا أن وجوده بعيداً جغرافياً عن الميدان يتطلب تدقيق المعلومات من مصادر عدة وهو ما يؤخر عملية النشر.
كما أن ضيق المساحة المخصصة للنشر أو البث مشكلة ثانية، حيث لا تستطيع الوسيلة أن تنشر كل ما يقدمه الصحفي إليها من مواد صحفية، فتختار بعضها، وتنشره في المساحة المناسبة، مع باقي الأخبار والموضوعات.
وفي هذا السياق يؤكد الصحفي السوري محمد كناص وهو مراسل صحفي يعمل ضمن شبكة إعلامية عربية أن الحصول على المعلومات القادمة من سوريا يأخذ مسارًا أكبر للوصول لها، بالتالي يحتاج للكثير من المصادر ومقاطعة المعلومات والتحقق منها لنشرها بينما في حال كان يعمل الصحفي ميدانياً سيكون الموضوع أسهل للحصول على المعلومة.
ويتابع كناص "هناك هواجس أمنية عندما تعمل في الداخل ما يعني مخاطر كبيرة على الصحفي متمثلة بالقصف الذي تتعرض له المنطقة التي يغطي بها الصحفي، بينما في الخارج ليس لديك كل هذا الهاجس، أيضا البعد الجغرافي يلعب دورًا كبيرًا في نقل الحدث فعندما تكون في الداخل تنقل ادق التفاصيل بينما عندما تعمل خارج الحدود ستواجه صعوبات في نقل الواقع بدقة.
إن البحث عن الحقيقة والمعلومات الدقيقة خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات وحروب، من خلال الأخبار والموضوعات، يجعل الصحفي السوري يعيش في حالة مستمرة من الترقب، والانتظار، والتوقع، واليأس، والإحباط، والانتصار، والانكسار، مما يسبب التعب والإنهاك، الذي يؤدي بالدرجة الأولى، إلى الإصابة بأمراض مختلفة وحتى مع تواجد الصحفيين خارج الحدود يستمر تهديد حياتهم بالقتل الاختطاف والاعتداء بسبب نبش قصص مثيرة مرتبطة بالانتهاكات في سوريا.
ويرى الصحفي الاستقصائي محمد بسيكي وهو كاتب صحفي ورئيس تحرير وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية- سراج أن أّهم المشاكل التي يواجهها الصحفيون السوريون خارج البلاد هي الموضوعية فهي قيمة أساسية مهمة في العمل الصحفي، ويتوجب على الصحفي تحقيقها من خلال فصل الرأي عن الحقيقة، وتحقيق النزاهة والتوازن، بإعطاء الأطراف المختلفة فرصاً متكافئة، لإبداء وجهات نظرها، حتى يتسنى للجمهور الحصول على كل المعلومات اللازمة، حول قضية، أو حدث بالتالي نصل إلى الحياد.
ويضيف أن الصحفيين أمام تحدّ حقيقي للتحقق من الأخبار التي تتدفق على مدار الساعة عن الصراع السوري، كذلك أنت كصحفي تعيش خارج دائرة الحدث في غرف أخبار خارج سوريا عليك أن تظهر بعين المراقب أكثر وأن تعزز أدواتك للتحقيق مما يورد حتى تتمكن من صياغة تقرير او مادة إعلامية مقبولة ومتوازنة، وهذا الشيء يدفعنا إلى رفع مستوى التحقق داخل أقسام التحرير.
وتشكل الرقابة، التي تفرض على وسائل الإعلام أو الوكالات العالمية، أحد أهم المشاكل التي تواجه الصحفي وخاصة السوري من خلال قائمة بالتعليمات، والتوجيهات إضافة للتدخل في أسلوب المعالجة الصحفية أو تعرض الإعلاميين لبعض أشكال الضغط المادي كالسجن أو الطرد من الخدمـة أو التعذيب أو الضغط المعنوي مثل الإغراء المادي أو الترهيب أو المنع من الكتابة.
إلا أن العمل خارج الحدود وفي مؤسسات دولية يقدم ميزات كثيرة للصحفيين من أهمها التدريب وذلك لتحسين أدائهم، فعالم الصحافة والتكنولوجيا كل يوم بجديد، من التطبيقات والأدوات والبرامج، أيضاً معرفة كيفية تقديم محتوى صحفي جديد يفيد القراء.
من جهته يرى الصحفي الاستقصائي السوري أحمد حاج حمدو والعامل مع صحيفة عربية أن العمل من خارج الحدود هو أمر صعب للغاية، ومستحيل في بعض الأحيان، ولكن ثورة المعلومات والسوشيل ميديا خلقت مصادر مفتوحة (متاحة) لجميع الصحفيين، بتمكينهم من الحصول على المعلومات من خارج الحدود، ولكن إطلاقاً لا تغني عن النزول للميدان ومعاينة مكان الحدث.
وتوفر هذه المنصات الرقمية فرصا غير مسبوقة للصحفي السوري في وسائل الإعلام للحصول على المعلومات والتوزيع السريع للمحتوى، فضلا عن التفاعل الحقيقي مع الجماهير، ومن أبرز هذه الأدوات التي يتم استخدامها هي مواقع التواصل الاجتماعي إضافة إلى الأدوات الرقمية والمواقع الخاصة بخرائط غوغل، وقواعد البيانات المفتوحة مثل الفيديوهات التي تبثها أطراف النزاع السوري عن عملياتها عبر موقع يوتيوب وأرشيف خرائط غوغل.
لكن مع ذلك يتوجب على الصحفي أن يخفي بياناته وتفاصيل بحثه ومصادره ويحميها، لأن تسربها أو فقدانها سيكون له عواقب وخيمة.
الصورة الرئيسية من مؤتمر جنيف حول سوريا وحاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على فليكر بواسطة الأمم المتحدة.