تغير المناخ والتنقل وجهان لعملة واحدة: دليل للصحفيين لتغطية الهجرة البيئية

Jan 8, 2025 در تغطية قضايا البيئة
تغير المناخ والتنقل وجهان لعملة واحدة: دليل للصحفيين لتغطية "الهجرة البيئية"

بعدما تزايدت الكوارث المُناخية بوتيرة متسارعة، زاد الاهتمام الإعلامي بشكل ملحوظ بتغطية قضايا تغير المناخ وتأثيراته على الأمن الغذائي والصحة والاقتصاد، إلا أنّه لا زال هناك قضايا عديدة لم تحظَ بعد بالاهتمام الكافي، ومن بينها "الهجرة البيئية". 

والهجرة البيئية تعني نزوح السكّان من منطقة إلى أخرى نتيجة لتأثرهم بالكوارث التي تسبّبت فيها التغيرات البيئية، ومع مرور السنوات، اتضحت قوّة العلاقة بين تغير المناخ وبين أنماط الهجرة المختلفة، وهو ما أشارت إليه دراسة شارك فيها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، حيث وصفت تغير المناخ والتنقل بأنهما "وجهان لعملة واحدة"، وفي الوقت نفسه، قالت مديرة المنظمة الدولية للهجرة "لقد دخلنا رسميًّا عصر الهجرة المناخية". 

وفي عام 2022 فقط، تسبب تغير المناخ في نزوح 305 ألف شخص جُدد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهذا يمثل زيادة بنسبة 30% مقارنة بالعام السابق، وفقاً للتقرير العالمي لمركز مراقبة النزوح الداخلي، فيما توقع تقرير آخر للبنك الدولي نزوح نحو 19 مليون شخص داخليًا في شمال أفريقيا فقط بحلول عام 2050. 

لماذا ترتبط الهجرة بتغير المناخ؟ 

يتسبب تغير المناخ في تشكيل أنماط مختلفة من الهجرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد تؤدي بعض الكوارث البيئية القوية مثل العواصف والفيضانات إلى التدمير المباشر للمدن والمنازل وأماكن العمل مما يجبر السكّان على الارتحال قسراً إلى مناطق أخرى بحثاً عن حياة جديدة، فيما تلعب التأثيرات غير المباشرة دوراً قويًا أيضاً، حيث يتسبب الجفاف وانخفاض خصوبة التربة الزراعية وتدهور سبل العيش ونقص الغذاء إلى صعوبة استمرار العيش في بعض المناطق، مما يدفع السكّان إلى التنقل أيضاً. 

وهنا يجب علينا كصحفيين التفريق بين أشكال الهجرة المختلفة، فوفقاً لتعريفات منظمة العمل الدولية، تعني "الهجرة القسرية" رحيل الشخص من منزله أو وطنه بالإكراه نتيجة لعدة أسباب من بينها الكوارث البيئية والطبيعية، بينما تعني "الهجرة الطوعية" انتقال الناس بمحض إرادتهم، لكن المنظمة ترى أن التمييز بين نوعي الهجرة أصبح أقل وضوحاً، مع زيادة حركات التنقل والهجرة بين السكان. 

وهناك أيضاً "النزوح البيئي"، والذي يشمل وفقاً للمنظمة، الأفراد الذين يضطرون لأسباب قوية ناتجة عن التغيرات المفاجئة أو التدريجية في البيئة التي تؤثر سلبًا على حياتهم، إلى مغادرة منازلهم المعتادة، أو يختارون ذلك، سواء بشكل مؤقت أو بشكل دائم، ومع أن الجميع معرضون للتنقل بسبب تغير المناخ، فإنّ اللاجئين والنازحين داخلياً وعديمي الجنسية هم في مقدمة الأشخاص المتأثرين، لأنهم يعيشون في بؤر مناخية، ويفتقرون إلى الموارد، وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. 

أيضاً يجب التفريق بين "الهجرة الخارجية" أي من بلد لبلد، وبين "النزوح الداخلي" أي التنقل داخل حدود البلد الواحد، كما يجب التفريق بين المهاجر، وبين "لاجئ المناخ" الذي تعرفه مفوضية شؤون اللاجئين بأنه "الشخص الذي يضطر إلى مغادرة منزله بسبب حوادث تتعلق بالمناخ ويحتاجون إلى الحماية والمساعدة". 

سيناريوهات مخيفة للهجرة المناخية  

ويبدو المستقبل مخيفاً عند النظر إلى توقعات المؤسسات الدولية حول حركة التنقل والهجرة المرتبطة بتغير المناخ، إذ توقع تقرير نشره البنك الدولي في عام 2021، أن تغيّر المناخ سوف يجبر 216 مليون شخص في ست مناطق في العالم على النزوح داخل حدود بلدانهم بحلول عام 2050، كما حذر من ظهور بؤر ساخنة للهجرة الداخلية الناجمة عن تغيّر المناخ بحلول عام 2030، لكنّه منح بعض الأمل في حالة الحد من الانبعاثات العالمية ودعم التنمية الخضراء الشاملة التي يمكنها الحد من الهجرة المناخية بنسبة تصل إلى 80%. 

كل هذه المؤشرات تعني ضرورة توسيع نطاق التغطية الإعلامية لهذه القضايا بحيث تحتل جزءًا من أولوياتنا كصحفيين، إذ لم يعد هذا التنقل مجرّد حركة جغرافية، بل يشير إلى قصص إنسانية متخمة بالمعاناة والتحديات والتفاصيل التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، ويلفت أنظارنا إلى الخلل في تطبيق حقوق الإنسان، وعدم تطبيق العدالة الاجتماعية والمناخية، وإلى الأوضاع غير الآدمية التي يعيشها المهمشون والضعفاء في البلدان الأكثر تأثرًا بتغير المناخ. 

دلائل إرشادية للصحفيين لكتابة قصص حول الهجرة وتغير المناخ 

ويمكن للصحفيين الاستفادة من هذه الأدلّة التدريبية لدعم وتعميق تغطياتهم الصحفية في هذا الصدد، مثل:  

 -دليل شبكة صحافة الأرض للصحفيين للإبلاغ عن التنقل والهجرة والنزوح في عصر تغير المناخ. 

-دليل يتضمن شرحًا للمصطلحات الرئيسية المتعلقة بالنزوح والمناخ، من إعداد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. 

- دليل مقدم من البيت الأبيض حول الإبلاغ عن تأثير تغير المناخ على الهجرة بين السكان، وهو ليس معداً للصحفيين، لكنه مفيد في فهم العلاقة بين تغير المناخ وأنماط الهجرة. 

-دليل إرشادي للصحفيين في وسط إفريقيا للإبلاغ عن قضايا الهجرة البيئية، مقدّم من منظمة الهجرة الدولية بالتعاون مع مؤسسة "المهاجرون رُسل"، ووزارة الخارجية الهولندية. 

-دليل مركز الصحافة الأوروبي لتغطية قضايا اللجوء والهجرة.

مصادر للحصول على بيانات ومعلومات موثوقة عن الهجرة وتغير المناخ 

وتقدم هذه المواقع وقواعد البيانات أرقاماً وتحليلات موثوقة حول هذه القضية، مثل: 

-مركز تحليل بيانات الهجرة العالمية، والذي أطلقته المنظمة الدولية للهجرة، ويقدم قاعدة بيانات كاملة. 

-موقع المفوضية السامية للأمم المتحدة وشؤون اللاجئين، والتي تقدم تقارير وبيانات حول التقاطعات بين تغير المناخ والكوارث البيئية وبين الهجرة واللجوء.  

-تحالف الهجرة وتغير المناخ، وهو منظمة دولية مهتمة بحقوق المهاجرين الذين تركوا أماكنهم بسبب تغير المناخ. 

- نموذج تتبع النزوح، وأنشأته المنظمة الدولية للهجرة لجمع البيانات المتعلقة باحتياجات السكان النازحين والمتنقلين لتمكين صناع القرار من مساعدتهم، ويمكنك كصحفي استخدام تقارير النموذج الدورية في قصصك الصحفية. 

- التقارير العلمية الموثوقة التي تصدر لتحليل مستجدات الهجرة البيئية، مثل: 

- تقرير "جراوندسويل" الصادر عن البنك الدولي في عام 2021، وبالرغم من أنه ليس تقريرًا سنويًا يصدر بانتظام، إلا أن هذا التقرير من أهم التقارير التي تتضمن مؤشرات وبيانات رئيسية حول أنماط الهجرة المرتبطة بتغير المناخ، وتبني عليه العديد من المؤسسات تقاريرها المرتبطة بهذا الأمر. 

لتقرير العالمي لمركز مراقبة النزوح الداخلي. 

-الاتفاقيات الدولية المهتمة بمسألة الهجرة وتغير المناخ: أبرزها اتفاق باريس لتغير المناخ، وإطار سينداي للحد من مخاطر الكوارث، والاتفاق العالمي للهجرة، والذي يحتوي على قسم كامل حول تدابير مواجهة التحديات البيئية. 

إرشادات للصحفيين لسرد القصص حول قضايا الهجرة والنزوح المناخي  

-التحديات التي تعوق الهجرة هي قصص صحفية في حد ذاتها يمكن روايتها، على سبيل المثال وجدت دراسة المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة، أن الأشخاص في المناطق المتأثرة بالكوارث المناخية قد يفضلون عدم التنقل لارتباطهم بالأرض والهوية المحلية، أو لالتزامهم برعاية الأهل أو خوفاً من الأعراف الاجتماعية، لذا هؤلاء أيضاً يستحقون رواية قصصهم حتى لو ظلّوا في أماكنهم. 

- استعمل لغة الاحتمالات ولا تقم بالجزم أبداً، فليس من السهل الإثبات المطلق للعلاقة بين أنماط الهجرة وتغير المناخ، لأنه عادة ما يكون واحداً ضمن أسباب عدة تدفع السكّان إلى التحرّك، لذا من المهم هنا مراعاة دقة اللغة المستخدمة في الكتابة، وذكر وجود السياقات والاحتمالات الأخرى المتداخلة مع تغير المناخ. 

وحول هذه النقطة، تقول رئيسة قسم الهجرة والبيئة وتغير المناخ بالمنظمة الدولية للهجرة: "عند بحث أسباب ودوافع الهجرة بشكل عام، يكون من الصعب جدًا عزل الأسباب البيئية والمناخية، عن الأسباب الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فمن المهم أن تركز المناقشات المتعلقة بالهجرة المناخية على التدابير الوقائية، لأنّ الهدف الرئيسي هو الاستثمار في الحلول حتى لا يضطر الناس إلى مغادرة منازلهم". 

-الهجرة البيئية ليست جديدة، قد تكون البيانات المتوفرة عن الهجرة البيئية قد زادت في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا لا يعني أنها ظاهرة جديدة، لذا كن واعياً بهذه النقطة حين تسرد قصتك الصحفية. 

-اخلق زوايا جديدة لقصصك عن الهجرة وتغير المناخ، مثلا يمكنك كشف السياسات الخاطئة للمسؤولين الذين لم يتخذوا إجراءات حماية كافية في المناطق المعرضة للخطر مما نتج عنه في النهاية نزوح السكان، أو رصد عدم توفر أنظمة الإنذار المبكر التي تمنح التحذيرات للسكان قبل الكوارث البيئية، أو تتبع شفافية اختيار المناطق التي يتم فيها التعمير وإقامة المشروعات السكنية وهل كان المسؤولون على دراية بأنها مهددة بمخاطر بيئية أم لا. 

- لا تغفل قصص الحلول: مثل المشروعات الحكومية والمجتمعية للتقليل من تأثير التغيرات المناخية على السكّان، أو الإجراءات التي تهدف لدعم فئات مجتمعية معينة مثل المزارعين والصيادين للتقليل من معدلات نزوحهم إلى مناطق أخرى. 

على سبيل المثال، ترى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، أن معالجة أسباب الجوع والفقر وانعدام التنمية يساعد على تقليل معدلات الهجرة المناخية، خاصة الهجرة التي تحدث من المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي والجوع، لذا فهذه الحلول تحوّل الهجرة من "ضرورة" إلى "اختيار". 

نماذج لقصص صحفية عالجت قضية الهجرة المناخية: 

كيف أدى تغير المناخ إلى ارتحال المزارعين في مصر؟ 

الهجرة من الديوانيّة.. التغيرات المناخية تهدد سكان القرى في العراق 

"تبطين الترع" يخفف من الهجرة المناخية في الفيوم  

الكوارث المناخية في أفريقيا تدفع الأفراد للهجرة بحثًا عن حياة أفضل 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Cassia Tofano.