تعتبرالموضوعات الصحفية المتعلقة بالقضايا الدينية والعقائدية من أشد القضايا تعقيداً وحساسيةً وإثارةً للجدل – خاصة في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط – لما لها من سمات خاصة تجعل الصحفي الذي يتناول تلك الموضوعات كالشخص الذي يسير على جسر من نار عليه أن ينظر جيداً أين تطأ قدماه فى كل خطوة يخطوها.
وللأسف الشديد تفتقد الصحافة العربية للتدريبات المهنية المتعلقة بالتغطية الصحفية للشؤون الدينية والعقائدية، ولا نجد بسهولة مراكز تدريب صحفية متخصصة في هذا المجال، إلاّ أن معهد التنوع الإعلامى المسجل في بريطانيا أتاح مثل هذه التدريبات المتخصصة.
تجربة جريدة "المستقبل"
في السنوات الاخيرة، سواءً في مصر أو في الوطن العربي، انتشر مفهوم الإسلام السياسي بشكل موسّع ولعبت الصحافة والإعلام المرئي دوراً رئيسياً في تأجيج الصراع الطائفي والديني في المجتمعات، حتى أصبحت المادة الصحفية السياسية مختطلة بشكل كارثي بالمادة الدينية. على إثر ذلك، قمنا بتأسيس في جريدة المستقبل الإلكترونية أول قسم متخصص من نوعه بالشؤون الدينية والعقائدية، تناولنا فيه الأخبار والتقارير الصحفية عن الأديان والمعتقدات المختلفة بكل مهنية وراعينا الدّقة و"إعطاء كل ذي حق حقه" فى عرض رؤيته ووجهة نظره، وأكدنا من خلال عملنا أن الصحفي يكمن دوره بنقل الحدث فقط ولا يدعو بأي شكل إلى اتباع فكر أو خط فكري معين.
ولعله من الأمثلة البصرية التي استطاعت أن تجسّد قصّة حقيقية عن دور الإعلام في بث خطاب الكراهية وإشعال الفتن هو الفيلم السنمائي "فندق رواندا"، حيث يتناول الفيلم قصة إذاعة محلية صغيرة في دولة رواندا كان لها دور رئيسي في إشعال أكبر مذبحة دموية عرفها التاريخ بين أقليات "التوتسي" وغالبية سكان الدولة وهم من "الهوتو"، وأدت إلى مقتل مليون شخص بسبب تحريضها الدائم ضد الاقليات.
التحديات
يواجه الصحفي أو الإعلامي عند تناوله لذلك النوع من الموضوعات الصحفية العديد من التحديات التي قد تعوق عمله أو تؤثّر على مهنيته وحياده، ويمكن أن يصل الأمر إلى تهديد سلامته وحياته الشخصية، إذا لم يتعامل مع تلك التحديات بعقلانية وتوازن ومهنية.
من أبرز هذه التحديات مايلي:
• عدم انتشار المراكز والمعاهد التي تقوم بتدريب الصحفيين على التناول المهني للقضايا الدينية
• التعصب والتطرّف المنتشران بشدة والذي يكون أغلبه ناتج عن تناول إعلامي خاطىء لموضوعات دينية وعقائدية
• تحزّب عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين واتباع كل فريق لاتجاه معين، مما يؤدي لظهور ما يسمى "بالمعارك الإعلامية" التي يذهب ضحيتها الجمهور
• خوف بعض الصحفيين من تناول هذا النوع من الموضوعات لأنها قد تؤدي لمخاطر جمّة قد تصل لفقدان الصحفي أو الإعلامي لحياته
• التعامل الإعلامي والصحفي المزدوج مع الغير (من ضمنهم المصادر) والذي يفتقد لكل معايير المهنية والحياد والتوازن في التعامل مع الإختلاف وليس فقط الإختلاف الديني بل يمتد إلى الإجتماعي والعرقي والإثني وغيره
• غياب الأبحاث والتقارير الرسمية عن التنوع الديني والعقائدي بصورة شفافة وواضحة مما يزيل الغموض ويقرب وجهات النظر
• ظهور عدد من الوسائل الاعلامية التي تتناول القضايا الدينية بشكل خاطىء بهدف تحقيق أغراض سياسية أو اقتصادية أو أجندات مُعدّة سلفاً، مما يؤدي لانتشار مفاهيم وأفكار خاطئة بالمجتمع.
نصائح مهنية في تغطية الشؤون الدينية
• تذكّر، الصحفي ليس بصانع الخبر أو محرّض لحدوثه، بل يكمن دوره بنقل الحدث كما هو على أرض الواقع للجمهور دون زيادة أو نقصان
• لا تجعل دينك أو معتقدك أو فكرك أو توجهك يؤثر على عملك الصحفي
• لا تخلط بين الشؤون الدينية والسياسية في عملك الصحفي واحرص أن تفصل بينهما، كما يُفضل في كثيرٍ من الأحيان أن يكون الصحفي المتخصص في الشأن الديني لا يغطي أى نوع آخر من المواضيع الصحفية غير التي تخصص بها.
• لا تستخدم ألفاظ ليس لها داعٍ في الخبر أو تضعها لمجرد الإثارة أو زيادة مبيعات صحيفتك أو انتشار اسمك. فمثلاً إذا ما وقع حادث مروري راح ضحيته عدد من الأشخاص "أصحاب ديانة محددة"، فلا تقل "أصحاب الديانة... قتلوا في حادث سير"، لأن الدين هنا ليس له علاقة بالخبر أو الحادث الذي تعرضوا له، بخلاف إذا كان الحادث الذي تعرضوا له كان بسبب ديانتهم أو انتمائهم، وهنا يجب أن تذكر ذلك
• تدرب على تناول ذلك النوع من القضايا بشكل محترف في أماكن متخصصة وكن على اطلاع دائم ومستمر بالتقارير والإحصائيات والأبحاث التي تتعلق بالموضوعات الدينية والعقائدية
• ابقي عقلك منفتحاً، ولا تنزلق إلى جدال لا طائل منه
• استضيف متخصص أو رجل دين ذو علم ودراية وليس له ميول أو دوافع معروفة ليدلي بشهادته في تقريرك الصحفي
• تعرّف على القوانين واللوائح الإعلامية والصحفية الموجوده بدولتك قبل تناول ذلك النوع من القضايا الصحفية
• لا تستخدام أي ألفاظ أو كلمات تحمل تقليل أو تعدي أو توصيف لفكر معين
• تأكد من صحة المعلومة التي بحوزتك قبل نشرها ومن صدق مصادرك وتعددها ودقتها
• تذكر دائماً أنّك لا تدعو لفكر أو تهاجم آخر، بل أن قلمك وسيط بين مصدرك وجمهورك
• ضع فى ذهنك أن خطاب الكراهية والتعصب في الوسيلة الإعلامية يشبه إلى حد كبير كرة النيران التي تحرق كل من حولها بجميع الاتجاهات، وتُفقد من مصداقية ومهنية المؤسسة
• تعرف على تاريخ الأديان والمعتقدات من مصادرها الصحيحة
• تابع تعليقات الجمهور لأنها ستفيدك كثيراً في مقالك التالي أو فى معرفة ما يدور فى أذهان قراؤك
• لا تتسرع في البحث عن الشهرة حتى لا تقع فريسة لأخطاء قد تدمر مهنيتك، وتذكر أن العمل الصحفي يتطلب صبر وجهد شديدين
تعاون على إنجاز الإنفوجرافيك عمرو سليم ولبنى صدقي المحررة الثقافية بجريدة المستقبل الإلكترونية.
عمرو سليم، هو أحد المشاركين في برنامج مركز التوجيه التابع لشبكة الصحفيين الدوليين بنسخته العربية بهدف تطوير مشروعه الإعلامي من ضمن مشاريع أخرى في الشرق الأوسط.