كيف تستفيد غرف الأخبار من قدرات الذكاء الاصطناعي لرواية القصص؟

Jan 24, 2023 در موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية

غيّرت التكنولوجيا صناعة الإعلام بشكل متكرر. من التلغراف والراديو والتلفزيون وصولاً إلى الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الأسرع، ومساحة التخزين الأرخص، وعلى الرغم من كل هذه التطورات، ظلت التكنولوجيا هي الوسيلة أو الأداة، بينما يصنع الصحفيون الخبر.

وعندما دفعت جائحة كوفيد19 عددًا كبيرًا من الصحفيين للعمل من المنزل، تبيّن أنّ التغطيات لا يمكن أن تتمّ عن بُعد في جميع الحالات، فخاطر الصحفيون بالذهاب إلى الميدان الصحفي وأصبح الآلاف منهم عرضة للإصابة بفيروس كورونا بسبب حركتهم في الأماكن العامة، وخاصة المناطق المزدحمة. عندها أدركت وسائل الإعلام أهمية الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع الذي كان مقتصرًا على المقالات المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي وعلى الموضوعات البسيطة كنتائج سوق الأوراق المالية، ونتائج الألعاب الرياضية، مما منح الصحفيين شريكًا اصطناعيًا جديدًا مبرمجًا للمساعدة في جمع الأخبار وتقديمها، وهذا يعني أنّ الذكاء الاصطناعي أصبح أداة ووسيطًا في الوقت نفسه، باستخدام التعلم الآلي وهو مجال بحث داخل الذكاء الاصطناعي يهدف إلى تطوير قدرة الآلات على فهم كميات كبيرة من البيانات والتعامل معها بشكل مستقل، وتعتمد التقنية على الخوارزميات (بدلاً من الكود) لتحليل البيانات والتعلم منها لاتخاذ قرار. 

وقد أصبحت وسائل الإعلام التقليدية أكثر انفتاحاً على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ففي شهرأيلول/سبتمبر 2020، نشرت صحيفة الجارديان مقالاً بعنوان "كتب روبوت هذا المقال بالكامل. هل أنت خائف بعد؟"، وذلك لإظهار ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا، وتمّ تكليف برنامج الكمبيوتر لتوليد النصوص يدعى GPT-3 بإنتاج مقال. النص مكتوب لتعليمنا أن نفكر في برامج الكمبيوتر كأشخاص. وتمّ توجيه الروبوت GPT-3 لكتابة "I" أي " أنا": "أعتقد أن الناس يجب أن يثقوا بأجهزة الكمبيوتر".

وحاليًا، يقوم العديد من الناشرين مثل Canadian Press بتطبيق التعلم الآلي والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية لتحسين أداء وظائفهم. تستخدم وكالة الأنباء الكندية الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار الخاصة بها، وتستخدم وكالة الأنباء الفرنسية برنامج "سيستيما" للتعرف على الصور المزيفة، وهي مهام توفر للصحفيين الكثير من الوقت، ووسائل الإعلام مثل Bloomberg News باستخدام الروبوتات وبرنامج يسمى Cyborg الذي حلل آلاف المقالات مع التقارير المالية لإنشاء تقارير جديدة بالاعتماد على البيانات الضخمة، حيث يمكن لروبوتات الذكاء الاصطناعي تحليل المعلومات في الوقت الفعلي وإرسال رسائل إلى صحفيي "بلومبرج نيوز" في حالة وجود عنصر إخباري أو أي خطأ في المعلومات المعالجة، وتستخدم "بلومبرج" تطبيقات الذكاء الاصطناعي أيضًا التي يمكنها تحسين الأعمال الصحفية بسبب وظائف معالجة وتحليل كمية كبيرة من البيانات في وقت قصير، لعرض موجز الأخبار.

في عام 2018، قدمت مجلة Forbes الاقتصادية منصة للنشر تسمى "Bertie"، تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة المراسلين بالمقالات الإخبارية من خلال تحديد الاتجاهات وزاوية التناول، واقتراح العناوين الرئيسية، وتوفير المحتوى المرئي المطابق للقصص ذات الصلة، كذلك تستخدم صحيفة "واشنطن بوست" ووكالة "أسوشيتد برس" أيضًا الذكاء الاصطناعي لأداء دور الصحفي، وتعد التقارير المالية من بين الموضوعات التي غالبًا ما يساعدها الذكاء الاصطناعي.

في هذا السياق، عملت "رويترز" على بناء أداة ذكاء اصطناعي أطلق عليه اسم Lynx Insight لمساعدة الصحفيين على تحليل البيانات، واقتراح أفكار القصة، وحتى كتابة بعض الجمل، بهدف عدم استبدال المراسلين الصحفيين، بل تزويدهم بمساعد عالم البيانات الرقمية وكتابة النصوص.

في أحد الأمثلة التي تشاركها "رويترز"، ينبه Lynx Insight الصحفي إلى أن أسهم Walmart انخفضت بنسبة 10 في المئة، مشيرًا إلى آخر مرة انخفض فيها السهم بهذه السرعة ولماذا ويشرح كيف كان أداء الشركة مؤخرًا ضد المنافسين.

لكن ليس الأمر كله ينشر قصصًا مكتوبة آليًا - فقد استخدم آخرون الذكاء الاصطناعي لتعزيز التقارير، مثلًا استخدام ProPublica للتعلم الآلي لتحليل الموضوعات التي يقضي الكونجرس الأميركي وقته فيها واستخدمت BuzzFeed خوارزمية لفرز بيانات تتبع الرحلات الجوية، والبحث عن طائرات تجسس.

كذلك يمكن للذكاء الاصطناعي فحص قواعد البيانات الكبيرة وإرسال تنبيهات للصحفيين (إطلاق صافرة) بمجرد ظهور اتجاه أو نمط متكرر من البيانات الضخمة. بالإضافة إلى دعم العمليات الصحفية، وتحسين العمليات الصحفية وسير العمل. يمكن أن يساعد المؤسسات على تبسيط عملياتها الموزعة لجمع المعلومات، والاتصال بالمصادر والعمليات الخلفية مثل التعامل مع المعلنين، وما إلى ذلك من نسخ المقابلات الصوتية والمرئية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفر وقتًا ثمينًا للصحفيين عن طريق نسخ المقابلات الصوتية والمرئية، وتحويل البيانات الصوتية إلى نص حتى يتمكن الصحفيون من التركيز على استخلاص الأفكار بدلاً من نسخ المقابلات الصوتية أو المرئية.

وحيث أنّ التحيز قضية عالمية ولا مفر منها لوسائل الإعلام الإخبارية. ومع ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل التفسير الذاتي لبيانات الإنسان حيث يتم تدريب خوارزميات التعلم الآلي على مراعاة الدقة وعدم التحيز، في النهاية يشمل تطبيق الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة ظهور الروبوت كمراسلين إخباريين. بعد دخولها صناعة التصنيع والرعاية الصحية والتسويق، فإنّ الروبوتات موجودة الآن في غرف الأخبار أيضًا.

قد تكون الخطوة التالية أن يساعد الذكاء الاصطناعي الصحفيين البشر في عمل أكثر تعقيدًا، مثل المقالات الطويلة والتحليلات المتعمقة والصحافة الاستقصائية، مع تنسيقات جديدة يمكننا التعامل معها بسهولة بواسطة أشكال أخرى من الأجهزة القابلة للارتداء أو الأخبار الموزعة في قنوات لم نرها بعد.

في هذا السياق، حققت وكالة أنباء شينخوا التي تديرها الدولة في الصين تقدمًا كبيرًا من خلال نشر مقدم أخبار روبوت يرتدي بدلة  مهمته تقديم الأخبار و"يمكنه قراءة النصوص بشكل طبيعي مثل مذيع الأخبار المحترف"، بحسب وكالة الأنباء الصينية.

هذا كله وضع أمام الصحفيين مهمة التعرف والتعامل مع بعض المفاهيم الأساسية التي تشكل جزء من مستقبل الإعلام، بالإضافة إلى ذلك تطوير مهارات التعامل مع الأدوات الجديدة التي تظهر كل يوم في صناعة الإعلام، وتبني ثقافة التعلم المستمر لمواكبة آخر المستجدات في الحقل الأكاديمي.

ولأن الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا متزايدًا في الصحافة، نشأت مجموعة من المبادرات الدولية لمساعدة الصحفيين لتكوين معرفة أساسية وزيادة وعيهم حول الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، ودور الذكاء الاصطناعي في حياتهم وأخبارهم. 

تمكن مبادرة JournalismAI أي الذكاء الصناعي في الصحافة، وهي من مشاريع Polis - مركز أبحاث الصحافة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية (LSE) بدعم من مبادرة أخبار جوجل المؤسسات الإخبارية من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، عن طريق دعم الابتكار وبناء القدرات في المؤسسات الإخبارية لجعل إمكانية الوصول إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي أكثر سهولة ولمواجهة أوجه عدم المساواة في وسائل الإعلام الإخبارية العالمية حول الذكاء الاصطناعي.

تم إطلاق JournalismAI في العام 2019 لإعلام المؤسسات الإعلامية بالفرص التي توفرها التقنيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي ولتعزيز النقاش حول الآثار التحريرية والأخلاقية والمالية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة.

تجمع البرامج بين الصحفيين والمهنيين الإعلاميين لشرح وفحص الذكاء الاصطناعي واستكشاف كيف يمكن أن يساهم الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في بناء صحافة أكثر استدامة وشمولية واستقلالية في جميع أنحاء العالم.

عن طريق برنامج تدريبي مجاني عبر الإنترنت، يوفر الغوص العميق في إمكانات الذكاء الاصطناعي للصحفيين والإعلاميين لمساعدة غرف الأخبار الصغيرة التي ترغب في معرفة كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز صحافتها. ويجمع البرنامج بين سلسلة من دروس التي يقدمها خبراء يعملون في تقاطع الصحافة والذكاء الاصطناعي مع فرص للنقاش بين المشاركين. بالإضافة إلى ذلك، يتم إرشاد المشاركين من خلال تطوير الموارد التي يمكن أن تدعم رحلة تبني الذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم الإعلامية أثناء البرنامج وبعده. البرنامج مُتاح للصحفيين في الأميركيتين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ. الذين يجيدون اللغة الإنجليزية. وهو غير مخصص للصحفيين المستقلين - يجب أن تكون جزءًا من غرفة الأخبار للاستفادة من البرنامج. 

كذلك يوجد مساق مقدمة في التعلم الآلي للصحفيين المجاني عبر الانترنت من  تصميم JournalismAI بالتعاون مع VRT News وبدعم من مبادرة أخبار جوجل. من خلال أمثلة من التطبيقات الصحفية، ستساعدك هذه الدورة على فهم ماهية التعلم الآلي، وكيف يعمل، وكيف يمكنك استخدامه في تقاريرك.

يتم استضافة الدورة في مركز تدريب مبادرة أخبار جوجل وتتضمن 6 وحدات يمكن استكشافها بشكل مستقل - على الرغم من أنهم يوصون بأخذها بالترتيب المقترح للحصول على نظرة عامة كاملة:

  • تعلم الآلة والصحافة وأنت
  • هل التعلم الآلي هو نفس الشيء مثل الذكاء الاصطناعي؟
  • مناهج مختلفة للتعلم الآلي
  • كيف يمكنك استخدام التعلم الآلي
  • كيف تتعلم الآلة؟
  • التحيز في التعلم الآلي.

بعد إنتهاء الدورة السابقة يمكنك حضور مساق ثانٍ من تصميم JournalismAI بالتعاون مع Texty وبدعم من مبادرة أخبار جوجل.

تعمل الدورة كمكمل مساق مقدمة إلى التعلم الآلي (المساق السابق) وتعلم الصحفيين كيفية استخدام تعلم الآلة في تقاريرهم. من خلال الالتحاق بالدورة التدريبية، ستتعلم كيفية تدريب نماذج التعلم الآلي لتحديد الصور وتصنيفها في مجموعات بيانات ضخمة.
الصورة الرئيسية حاصلة على حق الاستخدام تحت رخصة المشاع الإبداعي على أنسبلاش بواسطة ماركوس وينكلر.