يواجه العالم تحديات وصعوبات كبيرة لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالقدر والسرعة التي يقول العلم إنها ضرورية لتجنب أسوأ سيناريوهات تغير المناخ الكارثية.
لو كان العالم قد بدأ في العمل المناخي قبل 30 عامًا، عندما حثّ العلماء ونشطاء البيئة وقتها على ضرورة البدء في مواجهة تغير المناخ، لكنّا حققنا الآن أهدافنا المناخية، لكنّ البشرية انتظرت فترة طويلة قبل أن تتخذ خطوات جادة في هذا الصدد. كما أنفقت بعض الجهات الأموال لتمويل حملات إعلامية وإعلانية لإنكار تغير المناخ والكذب على الجمهور ووسائل الإعلام وصناع السياسات لإحباط العمل المناخي، وهو ما كشفته الصحافة الاستقصائية أكثر من مرة، آخرها قصة نشرتها نيويورك تايمز عن قيام إحدى شركات الاستشارات بقيادة حملات إعلامية مضللة حول تغير المناخ لصالح شركات النفط الكبرى.
ومع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن تغير المناخ COP27، من المتوقع أن ينشط التضليل، كالعادة، على مواقع التواصل، قبيل وأثناء القمة، لذا نسلط الضوء في هذا المقال على أبرز الممارسات الصحفية لمواجهة ومكافحة المعلومات المضللة بشأن تغير المناخ، وكشف زيفها، وفضح تكتيكاتها، وعرض الحقائق بشأنها للجمهور.
منكرو المناخ نوعان:
- النوع الأول: أشخاص ينكرون علم تغير المناخ، لا يعترفون أنّ الانبعاثات الصادرة عن الإنسان هي السبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب، ويعتقدون أنّ تغير المناخ عملية طبيعية تحدث من قديم الأزل ولا دخل للبشر فيها.
- النوع الثاني: أشخاص لا ينكرون العلم لكنهم أكثر تشككًا في طرق الاستجابة السليمة لمواجهة تغير المناخ، على سبيل المثال، يعتقدون أنّ الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة لن يحلّ أزمة تغير المناخ.
- النوعان، في الغالب، ضحايا لحملات التضليل المناخي التي يقف خلفها أفراد وجماعات مصالحهم مرتبطة بصناعات الوقود الأحفوري، ويبذلون جهودًا كبيرة للتشكيك في تغير المناخ كعلم، أو في الاجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة الاحترار العالمي.
- المعلومات المضللة: مصدرها أشخاص لهم نفوذ سياسي أو اقتصادي ينشرونها عن عمد لضرب العمل المناخي، لأنه يتعارض مع استمرار أرباحهم، مثل شركات النفط الكبرى وأحيانًا الدول ذات الاقتصاد القائم على النفط.
- المعلومات الخاطئة: يتداولها أو ينشرها أشخاص عاديون بغرض المساعدة، لكنهم لا يدركون أنها مضللة، ولا يعرفون الدوافع الحقيقية خلف انتشارها.
- المعلومات المضللة والخاطئة تزداد انتشارًا كلما اقتربت المؤتمرات الدولية مثل Cop، بهدف تعطيل العمل المناخي والقرار السياسي العالمي، وتستمر في الانتشار وتتكرر حتى يقبلها المزيد من الناس.
- شائعة على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم اتخاذ شركات الإنترنت الكبرى خطوات واسعة لمواجهتها بعد ضغط سياسي ومدني.
- تبدو ظاهريًا مقنعة وتحمل حججًا قوية، لأنها تستخدم أساليب بلاغية بهدف تمرير التضليل وإرباك القراء والتأثير عليهم.
- يمكن أن تتخذ أشكالًا عدة، ولكن ما يجمعهم جميعًا هو تشويه أساسي للحقائق.
- تتغير تكتيكاتها باستمرار، فالعالم لم يعد يتقبل إنكار العلم ومسؤولية البشر عن تغير المناخ.
- تكرارها من حين لآخر يجعلها مألوفة أكثر لدى الجمهور الذي يتعامل معها باعتبارها حقائق.
- تسبب ضررًا كبيرًا على المدى القصير والطويل، ويمكن أن تسهم في الارتباك العام والتقاعس السياسي، ورفض أو تقليل الدعم لسياسات التخفيف، لذا من المهم حماية الجمهور منها.
تكتيكات التضليل الشائعة
تنقسم تكتيكات التضليل الشائعة إلى نوعين، تكتيكات رئيسية، وأخرى احتياطية.
التكتيكات الرئيسية: موجّهة في الغالب للجمهور قليل المعرفة بتغير المناخ أو من لديه الاستعداد لإنكار العلم والتشكيك به، واستخدمت بكثافة قبل عقد من الآن، وهذه أكثر أنواعها شيوعًا:
- الخبرة المزيفة: تقديم شخص أو مؤسسة غير مؤهلة كمصدر للمعلومات الموثوقة، أو الاستشهاد بمعلومات صادرة عن غير المتخصصين باعتبارهم خبراء وعلماء.
مثال: "يجادل فيزيائي متقاعد ضد إجماع المناخ، مؤكدًا أن تغير الطقس الحالي هو مجرد حدث طبيعي".
- نظريات المؤامرة: تصدير الأفكار التي تعتمد على المؤامرة لتفسير تغير المناخ أو اقتراح وجود خطة سرية لتنفيذ مخطط شائن باستخدام المناخ.
مثال: "تغير المناخ مؤامرة يقودها بلد ما لتغيير النظام العالمي".
- المغالطات المنطقية: الحجج التي تنتهي إلى استنتاجات غير منطقية بنيت على مقدمات منطقية، هذه الحجج قد تبدو أقوى مما هي عليه في الواقع.
مثال: "لقد تغير المناخ بشكل طبيعي في الماضي، لذا فإن ما يحدث الآن طبيعيًا"، وهو ادعاء يعتمد على مقدمات منطقية لكنّ استنتاجه خاطئ، فالمناخ يتغير الآن بسرعة أكثر من أي وقت مضى بسبب النشاط البشري.
- التوقعات المستحيلة: المطالبة بمعايير إثبات غير واقعية قبل التصرف بناء على العلم.
مثال: "لا يمكن للعلماء حتى التنبؤ بالطقس الأسبوع المقبل، كيف يمكنهم التنبؤ بالمناخ خلال 100 عام؟".
- الانتقائية: اختيار البيانات التي تؤكد موقفًا واحدًا مع تجاهل البيانات الأخرى التي تتعارض مع هذا الموقف، أو البحث في منطقة واحدة أو فترة قصيرة وتجاهل الصورة الكاملة، أو تجاهل النتائج الحديثة والتشبث بالنتائج القديمة التي أثبت العلم عدم صحتها.
مثال: "في السنوات من 1998 إلى 2005، لم ترتفع درجة الحرارة رغم استمرار العالم في ضخ المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي"، وهو ادعاء كذبته البيانات الحديثة.
التكتيكات الاحتياطية: موجهة في الغالب لمن يصدقون العلم، ولا ينكرونه، وأصبحت أكثر شيوعًا بعد اتفاق العلماء وظهور آثار متطرفة للطقس، لذا نجدها لا تنكر تغير المناخ بشكل صريح مثل التكتيكات الرئيسية، لكنها تركز بالأساس على ما يمكن أن نسميه "تعطيل العمل المناخي".
- الانحراف: التركيز على ما يمكن للأفراد فعله لخفض الانبعاثات بدلاً من الحديث عما يجب أن يحدث على المستوى الحكومي من خلال التنظيم والسياسات الضرورية والتغييرات المنهجية.
- الانقسام: تأليب نشطاء المناخ ضد بعضهم البعض مما يصرفهم عن المعركة الأوسع.
- التشاؤم: الترويج للقدرية ولفكرة أن الوقت قد فات لفعل أي شيء، فلا ضرورة للعمل.
- التأخير: استخدام لهجة دبلوماسية لا تنكر العلم ولكنها تفيد بأن تغير المناخ لن يكون بالسوء الذي يقوله العلماء وربما يكون له فوائد، أو إنه سابق لأوانه، أو أن تكاليفه باهظة وستؤدي إلى إفلاس دول العالم، أو أن الأمور غير مؤكدة فلماذا العجلة والتسرع؟ إضافةً إلى حيل أخرى مشابهة مفادها أنه ليس هناك ضرورة ملحة لفعل أي شيء.
نصائح لكشف الأخبار المضللة
- لا تأخذ المعلومات بظاهرها، خاصة في الصحافة البيئية، ومن الضروري التحقق منها بكل السبل المتاحة.
- اسأل أولًا، من أين تأتي المعلومات؟ فرد؟ منظمة؟ ما هي أهدافهم؟ ويمثلون من؟ هل المحتوى أصلي؟ من أنشأه ولماذا ومتى؟
- ينتشر التضليل المناخي والمعلومات المضللة بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقًا لتقرير حديث، وبعض المعلومات المضللة تنشر على حسابات تم التحقق منها ويملكها سياسيون ورجال أعمال، وشخصيات عامة مؤثرة، بعضهم مرتبط بصناعة الوقود الأحفوري، لذا من المهم النبش في الخلفيات والدوافع.
- هل هذه المعلومات ذكرت من قبل على لسان خبراء موثوق بهم؟ هل نشرت في أخبار وتقارير من وسائل إعلام ذات سمعة جيدة؟ أم مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي فقط؟
- يستخدم مروجو هذه المعلومات أساليب بلاغية تسهل تمرير التضليل وتهدف لإرباك القراء والتأثير عليهم، لذا يجب تفنيدها جيدًا وتفحصها بعمق، حتى تعثر على مناطق التضليل فيها وردها للخبراء والمتخصصين.
- في حال ادعت أمور لها صلة بالعلم أو تضمنت مصطلحات علمية مجهولة بالنسبة لك، فالجأ فورًا للعلماء والمؤسسات العلمية الموثوقة لكشف التضليل وتوضيح الحقائق.
أين أجد الخبراء؟
يمكنك الاستعانة بهذه الأدوات للوصول إلى خبراء دوليين موثوق بهم:
- Clean Energy Wire: شبكة صحفية وقاعدة بيانات تعزز التعاون عبر الحدود بين المراسلين الذين يغطون تغير للمناخ وتمكنك من الاتصال بخبراء دوليين في مجالات مختلفة تتعلق بالانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة.
- Ask NASA Climate: خدمة تقدمها ناسا للإجابة على الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بالعلم، إما عن طريق البحث عن إجابات لأسئلة مشابهة وموجودة بالفعل على المنصة، أو إرسال إيميل وطلب الإجابة من العلماء.
- DESMOG: قائمة بخبراء دوليين في تغير المناخ وبيانات الاتصال بهم.
نصائح أثناء كتابة التقارير الخاصة بكشف المعلومات المضللة:
- لا تكتب نص المعلومات المضللة في تقريرك سوى مرة واحدة فقط قبل التصحيح مباشرة، ولا تكررها.
- اربط التصحيح بالمعلومات الخاطئة جنبًا إلى جنب، وتأكد من أنّ الطعن مقترن بشكل واضح وبارز بالمعلومات الخاطئة، وكرّر الحقيقة أكثر من مرة وأعد التأكيد عليها في تقريرك.
- تقديم الحقائق للجمهور حول المعلومات المضللة فقط ليس كافيًا، بل يجب توضيح سبب وجود عيوب منطقية في المعلومات المضللة.
- غالبًا ما تكون الحقيقة أكثر تعقيدًا من بعض الادعاءات الكاذبة، لذا يجب أن تبذل جهدًا في ترجمة الأفكار المعقدة بحيث يسهل فهمها وتذكرها بسهولة لدى الجمهور المستهدف.
- تجنب استخدام المصطلحات العلمية أو اللغة الفنية المعقدة في كشف التضليل ونقل التصحيحات، واستخدم الرسوم البيانية ومقاطع الفيديو والصور المصممة جيدًا والمساعدات الدلالية الأخرى.
- احذر التوازن الخاطئ، ومن أبرز مظاهره تضمين أصوات منكري العلم وتغير المناخ في القصص بدافع إعطاء وزن متساوٍ لجميع الأطراف بغض النظر عن الحقائق أو العلم، هذا نهج مناسب تمامًا للقضايا السياسية وغيرها من القضايا التي تحتمل تعدد الآراء، لكن استخدامه فيما يخص قضية علمية وإجماع علمي هو نوع من التضليل، ويعطي انطباعًا لدى الجمهور بأنه لا يوجد إجماع علمي بشأن تغير المناخ.
أدوات تساعد في التحقق من المعلومات بشأن تغير المناخ:
- skeptical science : منصة توفر معلومات وأدوات للكشف عن التضليل حول تغير المناخ.
- Climate Feedback: شبكة عالمية من العلماء مهمتهم فصل الحقائق عن الأكاذيب في التغطيات الإعلامية لتغير المناخ.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة أحمد زيان.