ترافقت الأزمة الإقتصادية والماليّة التي يشهدها لبنان والتي تُصنّف من بين الثلاث الأسوأ منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، مع واقع قاتم للصحافة، حيثُ أغلقت صحف عريقة أبوابها، وسرّحت مؤسسات إعلاميّة أخرى موظفيها، وآخرها كانت صحيفة "دايلي ستار" التي تأسست عام 1952، وتوقفت عن طباعة نسختها الورقية لأسباب مالية في فبراير/ شباط عام 2020، إذ سرّحت في نهاية أكتوبر/تشرين الأول جميع موظّفيها من العمل، عبر رسالة من الإدارة وصلتهم عبر البريد الإلكتروني.
ومنذ الرابع من آب/أغسطس 2020، تتّجه أنظار المؤسسات الثقافية والصحفية والمنظمات الإنسانية إلى العاصمة اللبنانية بيروت، التي شهدت إنفجارًا هائلاً في المرفأ أودى بحياة عدد كبير من المواطنين، وخلّف آلاف الجرحى، بينهم عدد كبير من الصحفيين، كما تضررت مؤسسات صحفية لبنانية وعربية وأجنبية في بيروت.
في هذا السياق، قام مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية "سكايز" في مؤسسة سمير قصير بمسح للأضرار والخسائر التي مُنيَ بها الصحفيون، وخلصت النتيجة إلى تسجيل 8 إصابات ميدانية في صفوفهم، إضافةً إلى إصابة 16 صحفيًا في منازلهم و20 في المكاتب.
برنامج دعم بيروت من المركز الدولي للصحفيين ومشروع فيسبوك للصحافة
في أعقاب الإنفجار، أعلن المركز الدولي للصحفيين الذي تعمل شبكة الصحفيين الدوليين تحت مظلّته، بالتعاون مع مشروع فيسبوك للصحافة عن تخصيص 300 ألف دولار أميركي في برنامج "دعم بيروت: صندوق الاستجابة والتعافي" الذي يهدف إلى دعم احتياجات الصحفيين والمؤسسات الإخبارية في لبنان التي تضرّرت بسبب الانفجار المأساوي كي تستعيد عافيتها واستقرارها.
في هذا الإطار، يقول محمد عمر، مدير شراكات الأخبار، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى فيسبوك: "على الرغم من هذه الظروف المدمّرة، إلا أنّ مجال الأخبار يعمل بأقصى طاقته، لإبقاء الأشخاص على اطلاع دائم على كل المستجدات"، مضيفًا: "نحن نقدّر جهودهم ونعمل على نحوٍ متواصل مع شركائنا من أجل فهم احتياجاتهم وتقديم الدعم لهم بأقصى ما يمكننا".
توازيًا، يقوم المركز الدولي للصحفيين، وهو منظمة غير هادفة للربح تهتم برفع جودة الصحافة على مستوى العالم، بالاعتماد على شبكات علاقاتها لتنفيذ مبادرة خاصّة بالصحفيين والصحفيات والمؤسسات الإخباريّة في لبنان، وهي مكوّنة من مرحلتين تهدف إلى الاستجابة لأزمة بيروت والتعافي منها.
خلاصات المرحلة الأولى
تحدّث الإستشاري في مجال إدارة المؤسسات الإعلامية وديمومتها داود إبراهيم، وهو أستاذ محاضر في عدد من الجامعات اللبنانية في المجال الإعلامي، لشبكة الصحفيين الدوليين عن تجربته كمدرّب خلال المرحلة السابقة من برنامج دعم بيروت الذي تخلّله عدد من الجلسات التدريبية التي أُقيمت عن بُعد، قائلًا: "تميّزت تجربة التعامل مع المتدرّبين اللبنانيين ولاسيما المنصات الناشئة أو القائمين عليها بسلاستها وبكونها تستند الى خبرات مشتركة، تمكنّتُ معهم من استعراض التحديات الراهنة على مختلف الصعد مع استعراض لآفاق الخروج من الأزمة والقدرة على رسم معالم لمستقبل واعد في حال توفرت الظروف الملائمة".
وأضاف: "لقد حاولت تقديم خلاصة تجربة سنوات طويلة في مجال العمل الصحفي تمّ رفدها بخبرات حصّلتها من خلال ورش مختلفة تابعتها في مجال إدارة المؤسسات الصحفية وديمومتها. حاولت عرض تجارب مختلفة من خارج الحدود مع التأكيد على ضرورة مواءمتها لتناسب السوق المحلي".
من لبنان، يقول علي زبيب من شبكة ZNN الذي حضر التدريبات الأولى في حديثٍ لشبكة الصحفيين الدوليين: "لقد كانت المشاركة في التدريبات خلال الأولى تجربة مميزة، واستفدتُ منها كثيرًا، فقد قدّم المدرّبون معلومات جديدة تساهم في بناء وتطوير المهارات الذاتية، لا سيما بما يختصّ باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، كيفية التأثير واستقطاب الجمهور، التعرف إلى أدوات جديدة يمكن استخدامها في العمل الصحفي وطرق تغلّب الصحفيين على المعضلات التي يواجهونها".
من جهته، شدّد الإعلامي اللبناني منير قبلان على أهمية الويبينارات التي يقدّمها المركز الدولي للصحفيين ولفت إلى أنّه استفاد كثيرًا من الأدوات والتوجيهات التي قدّمها الموجهون خلال المرحلة السابقة من البرنامج، كما أنّه استعان ببعض ما تعلّمه وطبّقه عبر منصّاته الرقميّة.
إيمان برق، وهي مؤسسة منصة "تحقق" التي تُعنى بكشف المعلومات المضلّلة عبر الإنترنت، أشارت إلى أنّ "برنامج دعم بيروت كان مهمًّا وقيّمًا، لا سيما مع وجود مدرّبين مميّزين". وقالت إنّها استفادت كثيرًا من المعلومات التي تلقّتها والتي تكمن أهميّتها بتطبيقها في العمل، موضحةً أنّها استعانت ببعض المعارف الجديدة التي اكتسبتها خلال إحدى الورشات التي شاركت بتقديمها في إحدى المناطق اللبنانيّة، بعد حضورها التدريبات في برنامج "دعم بيروت".
خريف 2021.. الدعم مستمرّ
ألقَت الأزمة الإقتصاديّة بظلالها على الحياة اليوميّة للمواطنين في لبنان، الذين يعانون من انقطاع التيار الكهربائي والنقص في المحروقات وارتفاع الأسعار، ما يؤثّر أيضًا على قدرة الصحفيين في إعداد تقارير والتحرك ميدانيًا ويحدّ من إمكانية تواصلهم مع الجمهور وإيصال المحتوى كما ينبغي.
في المرحلة الجديدة من برنامج دعم بيروت، سينظّم المركز الدولي للصحفيين بالتعاون مع مشروع فيسبوك للصحافة، تدريبات مصمّمة لمساعدة المؤسسات الصحفية اللبنانية في تعزيز استراتيجياتها الخاصة بإشراك الجمهور وتعزيز عملياتها التجارية، والتعرّف إلى أبرز الطرق التي تساعد في ضمان استدامة وسائل الإعلام.
يتخلّل التدريب ثلاثة أشهر من الإرشاد والتوجيه الفردي، بالإضافة إلى دعم للإغاثة الطارئة يصل إلى 10000 دولار متاح للمؤسسات الإخبارية في لبنان.
ماذا يقدّم البرنامج؟
في المرحلة الجديدة، يقدّم البرنامج دورة مكثفة عبر الإنترنت ستستمرّ لمدة أربعة أسابيع، وستتضمّن مزيجًا من الموضوعات والتدريبات التقنية حول استدامة وسائل الإعلام وإشراك الجمهور.
وتهدف التدريبات الجديدة إلى مساعدة الصحفيين وغرف الأخبار التي تنتج أخبارًا وتقدّم معلومات وتقارير مميّزة لتحسين وصول أعمالهم إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. كما ستزودهم بالمهارات اللازمة لخلق مصادر للدخل بشكل ناجح.
كما سيخصّص المدربون الخبراء "ساعات عمل" افتراضية طوال الأربعة أسابيع المخصصة للتدريب، لتلبية الاحتياجات الفردية للمؤسسات الإخبارية المشاركة.
بعد استكمال المؤسسات الإخبارية المشاركة للتدريب، سيُطلب منها أن تتقدّم للحصول على منح الإغاثة الطارئة. ومن المقرّر أن تحصل ست مؤسسات إعلامية على التمويل، بالإضافة إلى التوجيه المتخصص على مدار ثلاثة أشهر من قبل الخبراء الإعلاميين لمساعدتها في تحسين استراتيجيات عملها.
إشارةً إلى أنّ التقديم متاح أمام جميع الصحفيات والصحفيين وطلاب الصحافة، اللبنانيين والمقيمين في لبنان للمشاركة في تدريب مدته أربعة أسابيع، بينما يجب التقديم من خلال مؤسسة إعلامية للحصول على التمويل والتوجيه بعد ذلك.
لا تتردّدوا بالتقديم والتسجيل الآن من خلال تعبئة هذه الإستمارة.
الصورة الرئيسية التُقطت في بيروت بعد الإنفجار بعدسة الكاتبة.
مقالات بیشتری نوشته
