يتطلب إعداد التقارير عن التغير المناخي من الصحفيين تعلم الحقائق والمفاهيم العلمية، ونقلها بوضوح وفاعلية، ولتسهيل هذه العملية، ربما يميل الصحفيون إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي بإمكانها توليد النصوص بناء على المعلومات المتاحة على الإنترنت، مثل أداة ChatGPT الشائعة اليوم.
ولكن المشكلة تكمن في أنّه على الرغم من فائدة هذه الأداة إلا أنّ بإمكانها الترويج للمعلومات المضللة والمزيفة، وحتى أنّ شركة Open-Al التي أطلقتها تحذر من أنّها "تكتب في بعض الأوقات، إجابات تبدو قابلة للتصديق، ولكنها خاطئة أو بلا معنى".
وعندما تتعلق المعلومات الخاطئة بالتغير المناخي، فإنّ هذا بإمكانه تقويض الجهود المبذولة لمعالجة تغير المناخ. ولمنع انتشار المعلومات الخاطئة أو المضللة التي يولدها الذكاء الاصطناعي عن هذه القضية الملحة، ينبغي على الصحفيين أن يضعوا التالي في اعتبارهم.
لا تكتف بالإجابات المولَدة
بينما بإمكان أدوات الذكاء الاصطناعي توليد المعلومات التي ربما تُسرع من عملية إعداد التقارير للصحفيين في ظل المواعيد النهائية الضيقة للتسليمات، إلا أنها تميل أيضًا إلى إغفال التفاصيل الهامة التي تساهم في فهم وإدارة أعمق لقضايا المناخ.
ولاحظت الأستاذة المشاركة في مجال الصحافة والعالمة في مجال الإعلام المناخي بجامعة ديبول الأميركية، جيل هوبكي، هذه المشكلة عندما سألت ChatGPT عن طرق لحل أزمة التغير المناخي. وردًا على السؤال، عرضت الأداة فقط إجراءات غامضة وعامة ويقودها الأفراد، مثل "تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري"، و"تعزيز الاستدامة"، و"دعم التكيف المناخي"، وهي الإجراءات التي يقول علماء المناخ إنّها غير كافية لحل أزمة المناخ. وشرحت هوبكي: "كما يقول علماء المناخ والمتخصصون فيه، فإنّ الإجراءات الفردية مهمة بالتأكيد، ولكنها ليست الأكثر أهمية على الإطلاق".
إلى جانب ذلك، يشير التعاون الإعلامي بين "تغطية المناخ الآن" Covering Climate Now، و"شبكة صحافة الحلول" Solutions Journalism Network، إلى أنّ التغطيات الصحفية القوية عن حلول قضية المناخ "لا تتعلق بتشجيع هذا النهج أو ذاك، وإنما تتعلق بالتحقيق في هذه الأساليب لإعلام الجمهور وصناع السياسات بما يصلح وما لا يصلح". وهذا دور مناسب للصحفيين بشكل فريد لشغله، وهو الأمر الذي تواجه أداة ChatGPT قصورًا فيها.
كما تفتقر الأداة أيضًا إلى شرح المعنى المحلي والآثار المترتبة على المفاهيم العالمية، فعلى سبيل المثال، عندما سألت ناتالي أونترستيل، رئيسة معهد تالانوا - وهو مركز أبحاث برازيلي يركز على سياسة المناخ - أداة ChatGPT باللغة البرتغالية عن معنى "حيلة المحاسبة المناخية"، قدمت الأداة تعريفًا عامًا وأدانت الممارسة، ولكنها لم توفر سياقًا برازيليًا خاصًا كان سيكون مفيدًا لفهم أعمق.
وتشير "حيلة المحاسبة المناخية" عادة إلى الممارسات التي تبنتها الحكومات لتبدو وكأنها ملتزمة بخفض الانبعاثات، ولكن يشير هذا المصطلح في البرازيل تحديدًا إلى تغير أجرته الحكومة الفيدرالية في تقريرها لعام 2020 بشأن الوفاء باتفاقية باريس للمناخ، والذي سيسمح نظريًا للبلاد بزيادة انبعاثاتها بدلًا من تقليلها. ومن ذلك الحين، رفعت منظمات المجتمع المدني دعاوى قضائية ضد السلطات البرازيلية وتم الضغط على الحكومة لزيادة طموحها. شرحت أونترستيل هذا الأمر بالتفصيل، وهو الأمر الذي تعجز أداة ChatGPT على القيام به.
كن واعيًا بالدعاية الخبيثة والتمويه الأخضر
كما ينبغي على الصحفيين أيضًا مراقبة الأشكال الخبيثة للدعاية المتعلقة بالوقود الأحفوري والتمويه الأخضر الذي تقوم به الشركات، والتي قد تجد طريقها في إجابات ChatGPT، فعلى سبيل المثال، في أثناء بحثي عن افتتاحية لقصة صحفية، سألت الأداة "هل يزداد المتسببون الكبار في التلوث ثراءً؟".
كانت الفقرة الأولى من إجابة ChatGPT دقيقة وذات صلة: "يعتمد ذلك على الصناعة والشركة محل السؤال، ولكن بصورة عامة يستمر بعض المتسببين الكبار في التلوث، في تحقيق الأرباح على الرغم من الضرر البيئي الذين يتسببون فيه، فعلى سبيل المثال، لطالما ارتبطت صناعة الوقود الأحفوري بتحقيق الكثير من الأرباح، على الرغم من حقيقة أنّ حرق الوقود الأحفوري يُعد مساهمًا كبيرًا في تغير المناخ".
إلا أنّ الفقرة الثانية احتوت على علامات دالة على التمويه الأخضر: "ومع ذلك، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ هناك أيضًا بعض الشركات العاملة في هذه الصناعات وتستثمر في الطاقة المتجددة، وتعمل على خفض بصمتها الكربونية". وبينما هذه المعلومة ليست غير صحيحة، إلا أنها تُخفي حقيقة أنّ شركات الوقود الأحفوري تتحمل مسؤولية كبيرة عن التسبب في التغير المناخي، بينما تنفق مليارات الدولارات على مدى عقود في تضليل العامة لحماية مصالحها التجارية، وهذا تفصيل آخر لا يذكره ChatGPT في إجابته.
وأشارت هوبكي إلى أنّ أغلب المعلومات المضللة والمزيفة التي تروج لها شركات الوقود الأحفوري على الإنترنت اليوم - والتي ربما تستند إليها أداة ChatGPT في إجاباتها – "خبيثة للغاية"، مضيفة: "على سبيل المثال، ربما تتحدث شركة كبيرة للغاز على منصات التواصل الاجتماعي عن تقليل انبعاثات النطاق 1 والنطاق 2، كطريقة لتحقيق صافي صفر انبعاثات كربونية في عمليات التكرير اليومية، وهو ما يبدو جيدًا حتى يتذكر المرء أو يتعلم ما حقيقة انبعاثات النطاق 3".
وتظهر الأبحاث أنّه غالبًا ما تمثل انبعاثات النطاق 3 أكثر من 70٪ من البصمة الكربونية للشركة، وتتضمن معالجتها تغيير الممارسات عبر سلسلة التوريد بأكملها. وشرحت هوبكي: "إنّ التركيز على النطاق 1 والنطاق 2 فقط، يترك الكثير من الأمور خارج الصورة".
تدقيق المعلومات وإعداد التقارير مثل البشر
وعلى الرغم من أنّ ChatGPT من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية الأكثر تقدمًا اليوم، إلا أنّّ دقة وموثوقية المعلومات التي تقدمها هذه الأداة غير مؤكدة، وتتطلب التدقيق.
فعلى سبيل المثال، اختبرت الإذاعة البافارية ومركز الإعلام العلمي بألمانيا، استخدام ChatGPT، لتوليد مربعات حقائق للمعلومات العلمية عن التغير المناخي لمرافقة المقالات الإخبارية. إلا أنهما وجدا أخطاء في المعلومات المقدمة، من بينها بعض الأرقام الخيالية، و"حقائق مرتبطة بشكل خاطئ"، و"الهلوسات"، أو المعلومات الخاطئة. ونتيجة لذلك، اضطر الفريق إلى إعادة التحقق من كل معلومة، ما أثبت أنّه يستهلك وقتًا أكثر من الوقت الذي يمضيه الصحفيون في كتابة مربعات الحقائق بصورة يدوية من البداية.
ونصحت هوبكي: "ربما تكمل هذه الأداة التغطية الأصلية، ولكن لا تستبدلها"، مضيفة أنّه بينما ربما يجد الصحفيون فكرة أو زاوية لقصة جديدة، سيظلون في حاجة إلى تدقيق المعلومات التي يتلقونها تمامًا مثلما يحدث مع أي دليل آخر.
وفي النهاية، فنحن في خضم حالة طوارئ مناخية، وتعد كيفية إعداد التقارير والحديث عن البيئة أمرًا مهمًا من أجل البشرية.
الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة جوناثان كيمبر.