تُعد قراءة تقرير الأخبار الرقمية السنوي، الذي نشره معهد رويترز لدراسة الصحافة، أمرًا إلزاميًا لكل شخص مهتم بالصحافة ووسائل الإعلام الإخبارية. يبلغ عدد صفحات التقرير الأحدث 168 صفحة، ويُغطي 47 سوقًا عالميًا، ويتضمن رؤى مُستخلصة من 95 ألف مستهلك للأخبار.
استمرارًا للاتجاهات السائدة في السنوات السابقة، تشمل بعض القضايا الرئيسية التي برزت ما يلي: زيادة أخبار الفيديو ومنصات الفيديو (مع مواصلة تيك توك اكتساب زخم لدى الجماهير الشابة بشكل ملحوظ)، وتزايد المخاوف بشأن المعلومات الخاطئة (خاصّة على تيك توك وإكس)، والقضايا المستمرة بشأن تجنب الأخبار والإرهاق منها، بالإضافة إلى ركود مستويات الاشتراكات في العديد من الأسواق الرئيسية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
لقد استُكشفت العديد من هذه الموضوعات في أماكن أخرى، غالبًا في سيل من الآراء السريعة المثيرة للجدل المصاحبة للإصدار الأولي للدراسة. ويقدم التقرير أيضًا بيانات ودراسات حالة قيّمة يُمكن استخدامها لتوجيه استراتيجيات غرف الأخبار لمواجهة العديد من المشكلات التي تجتاح هذه المهنة.
وفي هذا السياق، إليكم ثلاثة مجالات قابلة للتنفيذ يتحتم على كل غرفة أخبار استكشافها.
(1) تحتاج لاستراتيجية ليوتيوب (إذا لم تكن لديك واحدة بالفعل)
لطالما جادلت بأنّ غرف الأخبار تستهين بقوة يوتيوب وأهميته، فبالنسبة للعديد من وسائل الإعلام، يُعد وجودها على المنصة فكرة ثانوية تعاني من نقص الموارد، وهذا أمر خاطئ.
وكما يذكر مؤلفو التقرير: "إنّ يوتيوب مُستخدم لمعرفة الأخبار من قبل نحو ثلث (31٪) من عينتنا العالمية كل أسبوع". علاوة على ذلك، وعلى خلاف المنصات الأخرى الأكثر توجهًا بصريًا - مثل تيك توك وانستجرام اللتين تميلان إلى أن تستخدما من قبل الجماهير الأصغر سنًا - فجاذبية يوتيوب ثابتة بشكل ملحوظ عبر جميع الفئات العمرية.
وربما بشكل مفاجئ للعديد من غرف الأخبار "يُعد يوتيوب أيضًا الوجهة الأولى لمن هم دون 25 عامًا، على الرغم من أنّ تيك توك وانستجرام ليسا بعيدين عن الركب".
من جانبها، تُولي أغلب غرف الأخبار اهتمامًا أكبر بهاتين المنصتين الأحدث مقارنةً بيوتيوب، الذي يُعد الرائد لشبكات التواصل الاجتماعي التي تُعطي أولوية لمقاطع الفيديو، وقد تشجعهم هذه النتيجة على إعادة النظر في ذلك النهج.
كما يوفر التطور المستمر لمنصة يوتيوب فرصًا لغرف الأخبار. وربما يمكن رؤية الدلالة الأكثر وضوحًا لهذا في شعبية البودكاست المرئي، واستهلاك البودكاست على الشبكة.
وبجانب ذلك، هناك أيضًا فرص لمحتوى آخر للوصول إلى جماهير كبيرة.
وفي الولايات المتحدة، تحدث نحو نصف (45٪) من إجمالي مشاهدات يوتيوب على التلفزيونات المُتصلة بالإنترنت/الذكية، كما أشارت eMarketer، وهي نسبة أعلى من النسبة التي كانت أقل من 30٪ في 2020.
لقد خلق هذا فرصًا لازدهار المحتوى القصير والطويل، فالمنصة هي موطن كل شيء بداية من الفيديوهات القصيرة (مثل يوتيوب شورتس)، ووصولًا إلى المحتوى الأطول مثل الوثائقيات أو المقابلات الموَسَّعة مثل تنسيق 73 سؤالًا من فوغ، واجتماعات الموائد المستديرة لمدة ساعة من هوليوود ريبورتر مع الممثلين والمخرجين البارزين (لطالما اعتقدت أنّ المحتوى الأخير سينجح كبودكاست، ولكن لم يتم إصدار نسخة صوتية فقط منه بعد).
ونظرًا للوصول العالمي لموقع يوتيوب (2.5 مليار مستخدم شهريًا)، وشعبيته فيما يتعلق بالمحتوى الإخباري وغير الإخباري، فضلًا عن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على المنصة (بمتوسط 19 دقيقة يوميًا)، فهو يُشكل مساحة كبيرة للغاية لا يمكن لغرف الأخبار تجاهلها.
بواسطة DataReportal
(2) نحتاج للتحدث عن مُجمعات المحتوى
وبالمثل، ربما يحتاج مقدمو الإعلام أيضًا لإعادة تقييم علاقتهم بمُجمعات المحتوى. قد تكون هذه الديناميكية محفوفة بالمخاطر ومثيرة للمشاكل. ومع ذلك، فالوصول المستمر لهذه المواقع الإلكترونية وتأثيرها يبرهنان أهميتها في استراتيجيات التوزيع لغرف الأخبار.
وفي منطقة مثل جنوب شرق آسيا، لطالما كانت مُجمعات المحتوى بوابة مهمة للأخبار، فعلى سبيل المثال، يُعد" ياهو! نيوز Yahoo!News"، و"لاين نيوز Line News"، مصدري الأخبار الرئيسيين عبر الإنترنت لمستهلكي الأخبار الرقمية في اليابان، ويصل "ياهو!" إلى 53٪ من جماهير الأخبار الرقمية في أسبوع، بينما يصل "لاين" إلى ما يقرب من واحد من كل خمسة أشخاص (17٪).
وعلى نطاق أوسع "عبر جميع الأسواق، تُعد محركات البحث ومُجمعات المحتوى، مجتمعين (33٪)، بوابة أكثر أهمية للأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي (29٪) والوصول المباشر (22٪)"، وتُشكل محركات البحث الجزء الأكبر من هذه الأرقام. ومع ذلك، تتساوى مُجمعات المحتوى مع تنبيهات الهواتف المحمولة وتتفوق بشكل ما على البريد الإلكتروني كطرق للوصول إلى الأخبار.
وعلى الرغم من ذلك، تركز أغلب غرف الأخبار جهدًا أكثر على الإشعارات المنبثقة والنشرات البريدية كوسيلة للوصول إلى الجماهير. (ويُمكن قول الأمر نفسه عن المؤتمرات، حيث نادرًا ما تسمع نقاشًا حول مُجمعات المحتوى، ولكن هناك الكثير من الندوات حول النشرات البريدية). إنّ نقاط البيانات هذه قد تشجعهم على إعادة النظر في الأمر.
وعلاوة على ذلك، كما يشير التقرير "تُولد نسبة كبيرة من تنبيهات الهواتف المحمولة (9٪) أيضًا من مُجمعات المحتوى وبوابات الإنترنت"، بدلًا من الناشرين أنفسهم، مما يثير مجددًا تساؤلًا عما إذا كان الناشرون يركزون بشكل مفرط على جهودهم في هذا المجال.
ومع ذلك، على الرغم من أنّ وسائل الإعلام قد لا تدرك الدور الذي يمكن أن تلعبه مُجمعات المحتوى، فإن وظيفتها التقليدية مُهددة جرّاء ظهور روبوتات الدردشة ونتائج البحث المُولدة بالذكاء الاصطناعي.
وفي أثناء ذلك، يُهدد ظهور مُجمعات المحتوى المدفوعة بالذكاء الاصطناعي - التي تجمع المحتوى من جميع أنحاء الويب - أيضًا بتقويض أنواع الشراكات المدفوعة التي سعى الناشرون لإنشائها مع أمثال آبل نيوز، وفليببورد، وغيرهما. وفي هذا السوق، قد لا يرى الناشرون الفوائد نفسها من المُجمعات التقليدية.
ونتيجة لذلك، يجب على الناشرين استكشاف مجموعة واسعة من الآليات للوصول إلى الجماهير. ومع ذلك، وعلى الرغم من أنّ حركة المرور من هذه المنصات تتغير، إلا إنّها ستظل مهمة في العام المقبل وما بعده. إنّ شعبيتها المستمرة مع المستهلكين تعني أنّه يتحتم على المؤسسات الإخبارية صقل وتحسين استخدامها لهذه المنصات باستمرار، مع تجربة طرق جديدة أيضًا للوصول إلى الجماهير.
(3) هناك الكثير لنتعلمه من المؤثرين
كثيرًا ما يكون هناك نوع من العجرفة في العديد من غرف الأخبار تجاه دور المؤثرين واقتصاد المبدعين، ومع ذلك، يُمكننا تعلم الكثير منهم.
ويوضح تقرير الأخبار الرقمية هذا الأمر، من خلال تسليط الضوء على كيف أنّ الجماهير الأصغر سنًا غالبًا ما تبتعد عن الطريقة التي يتم بها إنتاج الأخبار تقليديًا، ففي حالات عديدة، لا تتحدث إليهم من حيث الموضوع وأساليب التوزيع.
ولإصلاح هذا الأمر، نحتاج للنظر إلى صنّاع المحتوى الأحدث، والتعلم منهم وتكوين شراكات معهم حيثما كان ذلك ممكنًا وملائمًا.
وأقول ملائمًا لأنّ العديد من هؤلاء المبدعين هم معلقون متحيزون، وليسوا صحفيين. ونتيجة لهذا، قد يدفعون بوجهات نظر محددة، وقد لا تصمد أعمالهم أمام التدقيق الصحفي وتدقيق المعلومات.
وبرغم ذلك، ينبغي على غرف الأخبار تحليل أسباب كون بعض هؤلاء المبدعين محل ثقة وتتابعهم جماهير محتملة كبيرة، واستخدام هذا التحليل لتوجيه ودراسة أساليبهم في السرد القصصي والتوزيع.
وقد يكون هذا الرأي مفيدًا بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي التي تُركز على المحتوى البصري أكثر مثل تيك توك، ويوتيوب، وانستجرام، حيث يُمكن للعديد من العلامات التجارية الإخبارية الرئيسية والصحفيين مواجهة صعوبة في تحويل الانتشار والسمعة التي يتمتعون بها في أماكن أخرى.
ويُعد أحد الأمثلة رفيعة المستوى المُستشهد بها في التقرير ويستحق التعمق فيه هو صانع المحتوى الفرنسي هوغو ترافرز المعروف أيضًا باسم هوغو ديكريبت، الذي يُنتج فيديوهات تفسيرية عن السياسة. يمتلك ترافرز 2.85 مليون مشترك على يوتيوب، و6.4 مليون على تيك توك، و3.9 مليون على انستجرام، ويخبرك مقارنة هذا مع 280 ألف مشترك لديه على إكس، الكثير حول مكان تواجد جمهوره، وكيف يُلبي احتياجاته.
وكما قال لشبكة "سي إن إن" في وقت سابق هذا العام: "يقضي جيلي الكثير من الوقت على يوتيوب، وعليك صناعة محتوى حيث يتواجد الناس، فإذا كنت أقضي الوقت على يوتيوب أو انستجرام، فلماذا لا أتلقى المعلومات منهما؟".
ويشير معهد رويترز إلى أنّ متوسط عمر جمهور متابعيه يبلغ 27 سنة فقط، مقارنة "بما بين 40 و45 سنة لجماهير المؤسسات التقليدية الكبيرة مثل لوموند أو BFMTV".
وتُسلط الشركات الناشئة والمنافذ البديلة مثل هوغو ديكريبت، الضوء على مواطن الضعف الملحوظة للمؤسسات الإخبارية التقليدية بين بعض الجماهير، ومن الممكن أن يكون هذا صحيحًا بصورة خاصة في مجالات مثل الثقة والتنوع والسرد القصصي الرقمي.
العام الماضي، أجرى ترافرز مقابلة معمقَّة (ساعة و45 دقيقة) مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي الختام، يقدم تقرير الأخبار الرقمية لعام 2024، رؤى مهمة واستراتيجيات قابلة للتنفيذ لغرف الأخبار التي تتنقل في المشهد الإعلامي المتطور.
وفي حين تسعى غرف الأخبار إلى إشراك الجماهير بشكل أكثر فعالية، تؤكد هذه النتائج الحاجة إلى القابلية للتكيّف والابتكار. وبالإضافة إلى ذلك، تُظهر البيانات بعض الطرق التي يتحتم على المؤسسات الإخبارية أن تبتكر فيها وتجربها، إذا لم تكن تفعل ذلك بالفعل.
وعلى الرغم من أنّ كل سوق وكل وسيلة إعلامية مختلفة، توفر نتائج استطلاع الرأي ودراسات الحالة فيضًا من الاحتمالات للتعلم منها، وإعادة مزجها وتكييفها.
ومن بينها، أعتقد أنّ الصعود المستمر لمنصات الفيديو مثل يوتيوب، والأهمية المستمرة غير المُقدرة بشكل كافٍ لمُجمعات المحتوى، والدروس المستفادة من المؤثرين، هي من بين الأكثر أهمية، ولكن هناك غيرها الكثير.
وإجمالًا، يسلط التقرير الضوء على التحديات والفرص المتنوعة التي تواجه المهنة، وإذا تعمقت بما يكفي، فإنّه يقدم أدلة بالغة الأهمية لنا لجمعها معًا، مما يساعد في اقتراح مسار جديد لتتمكن المؤسسات الإخبارية من التواصل مع فئات سكانية أوسع وأصغر سنًا، مع ضمان استمرارها أيضًا كمصادر معلومات مهمة وموثوقة في عالم رقمي منقسم بشكل متزايد.