لطالما ارتبطت الثورات والإنتفاضات الشعبية الطامحة للتغيير في المؤسسات والأنظمة السياسية، بالصحافة وحرية التعبير وكسر حواجز الصمت، منذ اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789 التي ترافقت مع ازدهار ومساحة أكبر للحرية والتعبير وذلك بعد رفع رقابة الدولة المسبقة عنها، وصولاً إلى سوريا التي شهدت موجة من الصحافة الحرة بعد اندلاع الثورة عام 2011 والتي أسفرت عن صدور عدد من الصحف المطبوعة، بحسب ما أورده تقرير لـمركز الجزيرة للدراسات، والذي أشار أيضًا إلى أنّ ليبيا شهدت تأسيس عشرات القنوات والصحف والإذاعات إثر ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
وعلى الرغم من أنّ الثورة التي انطلقت في لبنان في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، تختلف بمطالبها عمّا جرى في الدول العربية والأوروبية الأخرى، إلا أنّها تميّزت باعتماد عدد كبير من المؤسسات الإخبارية والإعلامية في لبنان على المعلومات والصور والفيديوهات التي ينشرها النشطاء والمواطنون عبر وسائل التواصل الإجتماعي، فيما تتصدّر "تويتر" هاشتاجات عن الثورة بشكل يومي منذ انطلاقها.
كذلك فقد أطلق عددٌ من الصحفيين والناشطين في الثورة صحيفة ورقية شهرية ومجانية باللونين الأبيض والأسود أطلقوا عليها إسم "17 تشرين"، وذلك في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. وعلى صفحتها الأولى وجّه القيّمون على الصحيفة تحية لشهداء الثورة حسين العطار، عمر زكريا وعلاء أبو فخر، وذلك من خلال رسمات خاصة بهم، كما كتب المخرج والعضو المؤسس في الجريدة بشير أبو زيد افتتاحيتها موجهًا "سلامًا من الشّعب، بلغة الشّعب"، وقائلاً إنّ إسمها هو إشارة إلى "تاريخ ميلاد لبنان الجديد"، وأضاف: "سنوثّق عبر هذه المنصّة تجاربنا، نعكس منها أهمّ إنجازات شارعنا، نتعلّم من إخفاقاتنا ونطرح أفكارًا تشبهنا، لأنّ صوتنا صدح، وهذا الصّوت لن يخفت". وبعد الإفتتاحية نُشرت مقالات وقصائد، مرفقة بصور موثّقة وموقّعة بأسماء ملتقطيها، حفاظًا على حقوق النشر.
وفي حديث لشبكة الصحفيين الدوليين، تحدّث بشير أبو زيد عن فكرة إطلاق الصحيفة، وأنّها راودته مع بعض أصدقائه منذ الأيام الأولى للثورة، حيث كان يرى ضرورةً لإنشاء مساحة تتيح للناس، لا سيما المتظاهرين الموجودين في الشوارع التعبير عن آرائهم، خصوصًا وأنّهم سيفتقدون لهكذا فرصة في وسائل الإعلام الأخرى التي قد تمتلك سياسات نشر محددة. ولفت إلى إمكانية تطوير المشروع وتوسيعه في المستقبل، إذ تبقى الصحيفة "مظلة جامعة".
وعن التحديات المتمثلة في تمويل الصحيفة التي صدرت نسختها الأولى بشكل مطبوع، في الوقت الذي أغلقت فيه صحف عريقة في لبنان والعالم بسبب نقص التمويل والتحوّل إلى المنصات الرقمية فقط، قال أبو زيد: "عندما قررنا أن نباشر بإصدار الصحيفة، كنا نحتاج إلى المال لبدء الطباعة، فحملت صندوقًا وجلتُ في الشارع لجمع المال الكافي لطباعة العدد الأول الذي تضمّن 3000 نسخة وزّعت فيما بعد بشكل مجاني، علمًا أنّ الأشخاص الذين يعملون في الصحيفة هم متطوعون"، مضيفًا أنّه كان هناك اهتمام واسع بالصحيفة بين الناس، ما ألزم الفريق بأن يطبع نسخًا إضافية، فعادوا إلى الشارع وجمعوا التبرعات في مناطق مختلفة.
وبالنسبة للمحتوى، يوضح أبو زيد أنّ محتوى الصحيفة يتضمّن آراء سياسية واجتماعية وقصصًا من الشوارع وتوثيقًا لشعارات الاحتجاجات، إضافةً إلى صفحة متخصصة بالتضامن والأصوات والرسائل العربية، ويكتبها أشخاص من الدول العربية مرّوا بتجارب وتحرّكات أو ثورات مماثلة.
ويتم تنظيم الكتابات والنشر واختيار المحتوى من خلال موقع الجريدة، حيث بإمكان من لديه فكرة لمقال أن يُرسل ملخصًا عنها، وبعدها تصل رسالته لمدراء أقسام الصفحات في فريق التحرير الذين يتواصلون فيما بعد مع المُرسل لإبلاغه إن كان مقاله يتناسب مع العدد الذي سيصدر، بحسب أبو زيد الذي أوضح أيضًا سبب اختيارهم صحيفة ورقية، قائلاً "لأنّنا نريد أن يبقى لدى الناس قيمة صحفية ملموسة عن الثورة، يحتفظون بها كرمز يجمعهم".
الصور من صفحة الصحفي جعفر العطار المشارك في إعداد محتوى صحيفة "17 تشرين"