فرضت الحرب التي استمرت لعقد من الزمن في اليمن مخاطر جسيمة على الصحفيين المستقلين. فمنذ اندلاعها في عام 2015، اتهمت الأطراف المتصارعة - الحوثيون في الشمال، والحكومة اليمنية المُعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي- الصحفيين المستقلين بالترويج للمعلومات المُضللة والتجسس، مما يُعرض سلامتهم للخطر. وقد تعرض الصحفيون بالفعل للتهديد، والاختطاف، والاعتقال التعسفي.
وقد ووثقت نقابة الصحفيين اليمنيين مقتل 45 صحفيًا منذ بدء النزاع، بينما لا يزال ستة صحفيين محتجزين لدى جماعات مسلحة مختلفة. ومع استمرار الحرب، أصبح مستقبل الصحافة المستقلة في اليمن أكثر غموضًا.
السلطات المُعادية
وعلى الرغم من توقف القتال منذ أبريل/نيسان 2022، لا زال الصحفيون اليمنيون يواجهون مخاطر كبيرة، فقد وثّق التقرير نصف السنوي الذي أصدرته نقابة الصحفيين اليمنيين لعام 2024 أن هناك 41 انتهاكًا ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية في النصف الأول من عام 2024، وقد شملت هذه الانتهاكات تعرض الصحفيين للتهديدات، والتحريض على العنف والاختطاف.
وفي أوائل شهر مايو/أيار، هاجم مسلح الأمين العام لنقابة الصحفيين اليمنيين، محمد شبيطة، في العاصمة صنعاء، مما أسفر عن مقتل ابن عمه وإصابة شبيطة بجروح.
وقد حمّلت نقابة الصحفيين اليمنيين سلطات الأمر الواقع الحوثية في صنعاء مسؤولية الهجوم، في حين أوضحت السلطات لاحقًا أن الحادث وقع نتيجة اشتباكات بين قوات الأمن ومسلحين، مما أدى إلى وقوع شبيطة في مرمى النيران.
الرقابة الذاتية
قبل اندلاع الحرب، كان الصحفيون اليمنيون يتمتعون بحرية التنقل في جميع أنحاء البلاد بدون الخوف من الاعتقال أو الاختطاف أو الاعتداء أو القتل، أما اليوم، فأصبحت التغطية الميدانية تُشكل تحديًا كبيرًا للصحفيين، نتيجة انقسام البلاد إلى سلطات متعددة وجماعات مسلحة.
من جانبه، يقول محمد السامعي، الصحفي المُقيم في محافظة تعز جنوب غرب اليمن، إنه على الرغم من أن الصحفيين غالبًا ما يختارون عدم تغطية الموضوعات السياسية والعسكرية التي قد تلفت انتباه الفصائل المتحاربة، إلا أن ذلك لا يضمن سلامتهم.
وأضاف السامعي، قائلاً: "إن التغطية الميدانية محفوفة بالمخاطر سواء كان الصحفي يروي قصة عن الحرب أو يكتب عن الموضوعات الترفيهية، لأن أطراف الصراع تشك في نوايا الصحفيين، كما أن البعض يعتبرهم جواسيس، موضحًا أن "كل هذه العوامل تؤدي إلى انخفاض إنتاجية العاملين في وسائل الإعلام، مما يؤثر سلبًا على جودة العمل الصحفي".
ندرة الوظائف الإعلاميةمع إغلاق العديد من الوسائل الإعلامية المستقلة في اليمن خلال الحرب، ارتفع عدد المؤسسات الإعلامية المرتبطة بالأطراف المتحاربة.
ووفقًا لنقابة الصحفيين اليمنيين، فقد توقفت عن الصدور حوالي 119 مجلة وصحيفة منذ سبتمبر/أيلول 2014، وذلك عندما سيطر الحوثيون على صنعاء. واليوم، لم يتبق في اليمن سوى 13 صحيفة فقط إما مستقلة أو تابعة للحكومة.
ونتيجة لذلك، ترك العديد من الصحفيين مهنة الصحافة للعمل في وظائف أخرى، وحتى عندما يجد الصحفيون عملاً، فإنهم يتقاضون رواتب منخفضة ويعملون بدون عقود - حوالي 150 إلى 200 دولار أميركي شهريًا.
وأشارت نقابة الصحفيين اليمنيين في تقريرها إلى أن "العديد من الصحفيين يعملون بدون عقود عمل مقابل أجور زهيدة، وترفض العديد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية توقيع عقود مع العاملين في وسائل الإعلام في اليمن".
نقص تدريبات السلامة المهنية
يجب على الصحفيين الذين يغطون الحرب في اليمن أن يحصلوا على دورات تدريبية في السلامة المهنية - لكن الدورات التدريبية المُتاحة قليلة.
وأوضح السامعي، قائلاً: "إن معرفة كيفية سرد القصة، والإجابة على الأسئلة الخمسة - من، ماذا، متى، أين ولماذا – لا توفر الحماية للصحفيين من المخاطر التي قد تحدث لهم أثناء قيامهم بالتغطية الميدانية"، مضيفًا أن "التدريب على السلامة المهنية هو العامل الذي يضمن حماية الصحفيين، ومع ذلك، لا تُعطي المؤسسات الإعلامية في اليمن الأولوية لمثل هذه البرامج".
وهناك عدد قليل من المنظمات التي تُقدم دورات تدريبية في السلامة المهنية للصحفيين، مثل نقابة الصحفيين اليمنيين، ومركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، ومركز سوث 24 للأخبار والدراسات.
توصيات مهمة للصحفيين
يجب على الصحفيين توخي الحذر الشديد قبل القيام بأي تغطية ميدانية، نظرًا للبيئة المُعادية للصحافة في اليمن، وعندما يصبح ذلك ممكنًا، يحتاج الصحفيون إلى الحصول على التصاريح اللازمة من السلطات المعنية في المناطق التي سيقومون بالتغطية فيها قبل الذهاب إلى الميدان، وفي غياب تلك التصاريح، قد تعتبر السلطات الصحفيين أنهم أعداء أو جواسيس.
كما ينبغي على الصحفيين في اليمن الابتعاد عن خطوط المواجهة ومنصات إطلاق الصواريخ والمركبات العسكرية. وعندما يشتد تبادل إطلاق النار، يلجأ المقاتلون غالبًا إلى القصف العنيف، مما قد يتسبب في إصابة الصحفيين أو قتلهم حتى لو لم يتم استهدافهم بشكل مباشر. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الصحفيين أن يتوخوا الحذر فيما ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تجنب استخدام اللغة التحريضية تجاه مجموعة معينة أو نشر منشورات تدعم طرفًا معينًا في الصراع.
ومع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي وتصاعد العمليات العسكرية، ستظل التحديات التي تواجه الصحفيين اليمنيين قائمة. وفي ظل هذا الوضع الصعب، يفوق عدد أعداء الصحفيين عدد أصدقائهم.
الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على Pexels بواسطة لارا جيمسون.