في 2015 عرضت وسائل الإعلام الكبرى رسوم جرافيك وفيديوهات لقرائها بشكل شبه يومي.
بدءً بصور لجثة الطفل السوري الذي يبلغ من العمر 3 سنوات على شاطئ البحر، وصولاً للقطات فيديو لصحفيين اثنين يُقتلا بالرصاص أثناء بث حي لبرنامج تلفزيوني. القرّاء أو المشاهدين لم يعانوا من أي نقص في المآسي التي ظهرت على شاشاتهم عبر شريط الأخبار على وسائل الإعلام الاجتماعي.
وكان على الصحفيين دائماً التفكير ملياً في عواقب استخدام صور جرافيك أثناء تغطيتهم للأحداث الجارية، مثل تغطية حرب فيتنام أو ما بعد المحرقة. ومع ذلك، فإن ظهور وسائل الإعلام الاجتماعي والهواتف الذكية قد عزز الشعور بأن العنف يقبع دائماً عند أطراف أصابعنا.
من وجهة نظر المراسل فاستخدام مثل هذه الصور ضروري لنقل الواقع. ولكن ما الذي يحدث عندما تخلق هذه الصور صدمات نفسية للقرّاء وللصحفيين؟
بحثت مجموعة من الخبراء في تداعيات وأخلاقيات استخدام صور جرافيك في الصحافة خلال محاضرة أجريت مؤخراً في مركز تاو للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا.
هذه هي بعض الأفكار السريعة لوضعها في الاعتبار عند مناقشة استخدام صور أو فيديوهات صادمة في غرفة أخبارك:
فكر في الغرض الذي تؤديه الصور
قبل استخدام صورة أو فيديو في قصة خبرية يجب على الصحفيين تحديد القصد الأصلي منهما، كما تقول لويز روج، محررة الأخبار العالمية في ماشابل. وفي حين لا يوجد قاعدة واحدة للحكم على استخدام صور جرافيك في القصص الخبرية، فمن الضروري النظر في العواقب المترتبة على ذلك. في كثير من الحالات سيقوم مرتكبو أعمال العنف بالتقاط صور أو تصوير شريط فيديو لأنفسهم أثناء قيامهم بهذا الفعل من أجل الشهرة.
لذلك فعلى الرغم من أن الصور المنتشرة لعمليات الإعدام التي يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على سبيل المثال، تعتبر من الناحية التقنية أخباراً، إلا أن ذلك يساعد فقط آلة الدعاية لداعش، كما شرحت روج.
"هل نريد أن نساعدهم بنشر هذه الصور؟" سألت روج.
واتخذت ماشابل قرارا مماثلا عند تحديد ما الذي يجب عمله مع صور لمسلح يطلق النار على صحفيين اثنين من فيرجينيا، كما قالت روج.
"في حالة إطلاق النار على الطاقم الصحفي - على الرغم من أننا لم نكن نعرف الكثير من الأشياء لأنها كانت تحدث في وقتها الحقيقي - إلا أنه كان يبدو أن هذا الرجل يحاول كسب الشهرة. فهل نريد أن يكون لنا يد في ذلك؟"
فهم السياق المنهار
عند العمل في الصحافة العالمية، فمن الحاسم أيضاً أن نضع في اعتبارنا ظاهرة السياق المنهار عند تحليل رسوم جرافيك في الإعلام، كما يشرح سام جريجوري، مدير برنامج في منظمة ويتنس. يحدث السياق المنهار عندما ينتج شخص ويشارك صورة، بدون توقع أن يشاهدها جمهور أوسع. عندما تكتسب الصورة انتشاراً، يُفقد القصد الأصلي منها مع المشاهدين الجدد.
"أعتقد أن هذا جزء من السبب في أننا نشعر بمواجهة الآن"، يقول جريجوري. "نحن نشاهد الآن صوراً لم نكن نتوقعها في وسائل الإعلام الاجتماعي لأنها عبرت السياق من مجتمع شخص آخر. "
في الدول العربية، على سبيل المثال، يتم تقديم صور جرافيك بانتظام للمشاهدين بطريقة مباشرة. المقصود من هذه الصور دفع المجتمع إلى التحرك، كما أوضح جريجوري. أما بالنسبة لمستخدمي وسائل الإعلام الغربية، فهذه الصور بشعة بشكل صادم.
"من المهم أن نفهم دورنا في عرض هذه الصور، والكثير منها لا يتم بوساطة وسائل الإعلام التقليدية"، يقول جريجوري. وأضاف "هذا هو الواقع إذا كنت تنظر إلى 800,000 صورة من سوريا على مدار السنوات القليلة الماضية - معظم هذه الصور لم تكن لتعرض من خلال عدسة وسائل الإعلام التقليدية؛ لكن كان سيتم مشاركتهم عبر شبكات النشطاء والمنصات الإلكترونية".
يمكن للصور أن تلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه
على مدار عقود، كان هناك معطيات ومعلومات قليلة جداً تلك التي كانت معروفة عن الآثار النفسية لمشاهدة صور جرافيك، كما يقول بروس شابيرو، المدير التنفيذي في مركز دارت للصحافة والصدمات. ومع ذلك، فمع ظهور صحافة المواطن طور علماء النفس المعاصرون فهماً مشتركاً لقدرة هذه الصور على إحداث ضرر.
"هناك مجموعة كاملة من الأبحاث تنظر خصوصاً في أحداث 11/9، وتفجيرات بوسطن، وساندي هوك والأحداث المماثلة، والتي تقول نعم؛ مستويات الضغط النفسي لدى مستهلكي الأخبار، والمشاكل الصحية الجسدية، وغيرها من الأمور تبدو مرتبطة باستهلاك كميات كبيرة من صور جرافيك لأحداث مثل هذه"، يوضح شابيرو.
الآثار النفسية لصور الجرافيك تعبر عن نفسها بطرق عدة، إحداها هو الضيق والضرر المعنوي الذي يتعرض له مستهلكو الأخبار؛ الآخر هو إمكانية تحريض المقلّدين الذين يرغبون في محاكاة جريمة ظهرت في صورة أو فيديو. وأخيراً، هناك احتمال الصدمة غير المباشرة التي تؤثر في العاملين في صناعة الأخبار والذين تعد وظيفتهم مشاهدة هذه الصور.
"في كل من هذه الجوانب الثلاث، يبدو أن الأمر المهم ليس شدة الصورة، وليس المدة التي تقوم فيها بعرض صورة، ولكن وتيرة العرض"، يقول شابيرو.
هذه الصور تصبح صادمة بشكل خاص عندما يُقدّم فيديو يُعرض تلقائياً للقراء، وهو ما ينزع قدرتهم في التحكم في تجربة المشاهدة. ويقول شابيرو إن هذا الشعور بفقدان السيطرة هو علامة مميزة للإصابة والصدمات النفسية.
وأضاف "أعتقد أنه من الواضح تماماً أنه يجب علينا تحمل بعض المسؤولية عن الصور التي تؤدي إلى مستويات أعلى من الضغط النفسي"، يقول شابيرو.
تحمل الصورة رخصة المشاع الإبداعي من فليكر، بواسطة ليو هيدالجو.