هذه مقالة نستضيفها على موقعنا كتبتها ماري فيتزجيرالد، رئيسة تحرير openDemocracy وهو موقع إلكتروني عالمي غير هادف للربح يقوم بنشر صحافة مستقلة تهم المصلحة العامة.
"الصحافة الحرة أساسية لبناء ديمقراطية سليمة. هناك غاية من العمل الصحفي، وهو ليس فقط للترفيه. وهو ليس فقط لإرضاء السلطة السياسية والشركات الكبرى والأغنياء. في النهاية، فإن لدى الصحف ما يمكن أن نطلق عليه بالواجب الدستوري تجاه قرائه وهو أن يخبرهم الحقيقة."
كتب بيتر اوبورن، كبير المعلقين السياسيين السابقين لـ"يو كاي تلغراف" أو Telegraph البريطانية، في رسالة استقالة من 3000 كلمة على أوبن ديموكراسي في وقت سابق من هذا العام.
كشفت اوبورن أن جريدة التلغراف، وهي واحدة من الصحف الرائدة في بريطانيا، قد قمعت التغطية السلبية للـ HSBC ـ المصرف العالمي العملاق - وذلك بغرض حماية العائدات الإعلانية التي تأتي من المصرف نفسه.تجدر الإشارة أن (HSBC هو معلن كبير على تلغراف). كما زعم أن هذا النوع من الحماية التحريرية قد امتد ليشمل عدد من العملاء/ المعلنين المهمّين.
القصة التي اندلع صداها أثناء انعقاد لقاءات الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين لـ HSBC-Swissleaks revelations تصدّرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم ودفعت تيارات مماثلة سرية من صحفيين من منافذ أخرى لتقديم ادعاءات أخرى مماثلة. معظمهم كانوا غير راغبين في التحدث علنًا، خوفاً من فقدان وظائفهم.
ولكن الآن openDemocracy تعمل على تطوير مشروع كبير يحمل عنوان Media UnSpun. وسنقوم بالتحقيق في موضوع التدخلات التجارية وأثرها في القرارات التحريرية - دون أن نطلب من الصحفيين تعريض مستقبلهم للخطر. ونحن نخطط لتجربة هذا المشروع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفي واحدة على الأقل من البلدان غير الغربية، والتي ستقرر على أساس السبق الصحفي الأقوى الذي يمكننا جمعه.
نقطة البداية لدينا ستكون الأساليب الصحفية التقليدية: سنتحدّث ونسأل المراسلين العاملين عن أين يظنون مثل هذا التدخل موجود وسنحقق في ادعاءاتهم. ثم سنستخدم البيانات ووسائل الإعلام لمراقبة الخوارزميات لرصد ادعاءاتهم. يمكن للصحفيين أن لا يفصحوا عن هويتهم للعامة أو يبقوا مجهولي الهوية.
كيف سيحدث هذا؟
نقدّم لكم مثال افتراضي بحت: الصحفية التي تعمل لدى نيويورك تايمز تخبرنا بأن صحيفتها تنفر بشدة من نشر التقارير السلبية عن شركة شيل للنفط وهو معلن كبير لديها. حدث تسرّب كبير في مصفاة لشل لذا فقد استخدمنا خوازمياتنا الخاصة لمسح كل تغطية قامت بها صحيفة نيويورك تايمز وسحبنا البيانات المتعلقة بكيفية تغطية المنفذ الإخباري للتقرير ومن ثم قارنا ذلك مع المنافسين المختارين الذين لا يقومون بنشر أي إعلان لشيل أو ليس لديهم رعاية منها.
سوف تشمل البيانات للمقارنة كم من التقارير قد كُتبت، وكيف يتم عرض تلك القصص بشكل بارز في الصحف وعلى الإنترنت، وكيف يتم رفعها على وسائل الاعلام الاجتماعية والنشرات الإخبارية وعبر آليات أخرى ترويجية، فضلاً عن مؤشرات حول التركيز على التحرير مثل العناوين وطول وبروز الاقتباسات من الأطراف المعنية (مثلاً من الذي تم الاستشهاد به أولاً و/ أو بأي طول، ممثل العلاقات العامة من شيل أو عضو المجتمع الذي تأثر؟)
أصبح استخدام هذه البيانات للمساعدة في التحقق من مزاعم التحيز في الخط التحرير هو أمر ممكن الآن مع خوارزميات رصد وسائل الإعلام.
قدّم مشروع انتخابات Unspun من ميديا ستاندرد ترست مثالاً رائعًا عن إمكانات مثل هذه الخوازميات، حيث استطاعوا سحب البيانات المتعلقة بالتغطية الإعلامية لانتخابات المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام. نعمل الآن مع ميديا ستاندرد ترست في اختبار دراسة حالة أوّلية لمدة ستة أشهر بهدف تحليل التغطية الإعلامية في المملكة المتحدة لتغير المناخ في الفترة التي تسبق قمة مناخ باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، وهو أهم اجتماع لزعماء العالم بخصوص هذه القضية من نصف عقد من الزمن.
وكما هو الحال مع التلغراف، فمن المحتمل أن وسائل الإعلام المتورطة ستسعى للطعن أو تشويه سمعة بعض أهم نتائجنا التي توصلنا إليها، مجادلين على سبيل المثال أن غياب القصة لا يثبت بالضرورة أنه تم قمعها. وهنا تكمن أهمية استخدام أدلة قوية مباشرة تقودنا إلى البيانات.
على الرغم من أن جريدة التلغراف أصدرت بياناً تستنكر فيه هذه الإدعاءات، ولكن كان لدينا مصدر موثوق للغاية، وفيض من الأدلة قمنا بعرضه بعد نشر القصة - بدءاً من مذكرات داخلية تم تداولها في الصحيفة إلى ادعاءات سرية قُدمت مباشرةً لنا - وضعت مصداقية الصحيفة بما لا يدع مجالاً للشك. كان للقصة أيضاً تأثير داخلي على الصحيفة. حتى عندما أصدرت التلغراف النفي من جانبها، أكدت عدة مصادر أن المدراء التنفيذيين في التلغراف كانوا أقل استعداداً لمنع نشر التقارير غير الملائمة للمعلنين في أعقاب هذه الفضيحة. على أثر ذلك، تم نشر الدليل علناً في الصحيفة واحتوى على مبادئ توجيهية جديدة للموظفين لتعزيز استقلال العمل التحريري عن الإعلانات.
وبطبيعة الحال، فإن الخطر الذي يكمن مع قصة رئيسية واحدة هي أن لديها تأثير على المدى القصير وبعد ذلك تعود الأمور إلى سابق عهدها. وحتى نتمكن من فهم كامل نطاق هذه المشكلة - وحتى يكون لنا تأثير مستدام وطويل الأمد والبحث في (أين ومتى) توجد مثل هذه الأمور- فإننا بحاجة إلى التدقيق والإبلاغ عن سلوك وسائل الإعلام على مدى فترة أطول من الزمن.
وهذا هو السبب في أننا باشرنا بهذا المشروع الكبير والذي سيستغرق عدة سنوات. هدفنا النهائي هو تحفيز واستدامة النقاش على مستوى عالمي واسع حول دور وسائل الإعلام: من يملك هذه الوسائل ومن يسيطر عليها، من الذي ينبغي أن تخدمه وسائل الإعلام هذه، وكيف ينبغي أن يتم تمويل هذه الوسائل - وكيفية الحفاظ عليها مستقلةً بشكل كامل.
إذا كنت تتفق أن هذا النقاش هام، وإن كنت تريد أن تشارك في هذا المشروع أو لديك معلومات تعتقد أننا يجب أن نحقق فيها، قم بالكتابة لنا عبر بريدنا الإلكتروني info@openDemocracy وضع في العنوان وسائل الإعلام UnSpun.
تحمل الصورة رخصة المشاع الإبداعي على فليكر بواسطة Diego Martínez Castañeda.