منذ خمسين عامًا وتحديدًا في 17 حزيران/يونيو 1971، أطلق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الحرب على المخدرات، معتبرًا أنّها "العدو الأول في الولايات المتحدة". وطلب حينها من الكونجرس الموافقة على تمويل للحماية من تعاطي المخدرات والسيطرة عليها، وأعلن من البيت الأبيض أنّ هناك حاجة لشنّ هجوم عالمي من أجل "هزيمة هذا العدو".
وقد عانت الدول الواقعة في أميركا اللاتينية من آثار تلك السياسة العالمية. وبعد مرور كلّ هذه السنوات على الحملة ضد المخدرات، اتحد فريق من الصحفيين في أميركا اللاتينية معًا لإطلاق مشروع تعاوني بعنوان "حرب الإدمان"، وهدفوا من خلاله إلى كشف إخفاقات تلك الحملة والتداعيات السلبية لها، في دول كثيرة مثل المكسيك وكولومبيا والبرازيل.
إقرأوا أيضًا: الصحافة التعاونية.. نصائح مهمّة للنهوض بالمشاريع الصحفية
ويجمع المشروع تسع منظمات صحفيّة في أميركا اللاتينية هي: المبادرات الإقليمية، مركز أميركا اللاتينية للتحقيقات الصحفية، درومومانوس، مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد(OCCRP) ، موقع "العالمي" المكسيكي، العنصر الخامس - مختبر التحقيقات الصحفية، إل فارو في السلفادور، موقع "مراسلون" في البيرو، موقع 070 في كولومبيا، وجسر الصحافة في البرازيل. ومن خلال التعاون، تمكّن الصحفيون العاملون مع هذه المؤسسات من نشر قصص تُغطّي معظم منطقة أميركا اللاتينية، وهو الأمر الذي لا تتمكّن مؤسسة واحدة بأن تقوم به وحدها.
في هذا السياق، علّق أندريس بيرموديز من مركز أميركا اللاتينية للتحقيقات الصحفية والذي يشارك في المشروع التعاوني بالقول: "إنّ ذكرى إطلاق الحرب ضد المخدرات شكّلت فرصة لرواية قصص حول سياسة غير مرنة ولا تتبع النقد الذاتي، وأثّرت بشكل سلبيّ في دولنا".
وحتّى الآن، نشر الصحفيون المشاركون في المشروع التعاوني تقريرين، يسلّط الأول الضوء على قرار كولومبيا تبخير المحاصيل الزراعية، كاستراتيجية رئيسية لوقف تصدير الكوكايين إلى الولايات المتحدة الأميركية "وذلك بدلاً من تقديم خيار بديل للمجتمعات الريفية من أجل تنميتها"، وفقًا لما قاله بيرموديز.
أمّا التقرير الثاني والذي نشرته مؤسسة جسر الصحافة في البرازيل، فيوضح أثر تشريعات مكافحة المخدرات في البرازيل التي أسفرت عن سجن بشكل جماعي للشباب ومعظمهم من ذوي البشرة السمراء. ويعمل الصحفيون الآن من أجل نشر قصص مشابهة شهريًا. وهنا أوضح بيرموديز أنّ "كلّ دولة لديها مواضيع خاصة وتباينات بما آلت إليه الحرب على المخدرات".
في السياق نفسه، اطّلع القيّمون على قسم الرأي باللغة الإسبانية في صحيفة "واشنطن بوست" على العمل الذي يقوم به الصحفيون في المشروع التعاوني، ثمّ طلبوا من بعض الصحفيين المشاركين في المشروع كتابة مقالات رأي لنشرها في الصحيفة التي أطلقت على مشروعها الخاص بـ"حرب الإدمان" إسم "قضية فاشلة".
من جانبه، قال مايل فاليخو وهو محرر قسم الرأي باللغة الإسبانية في الصحيفة الأميركية لشبكة الصحفيين الدوليين: "إنّ الفرصة كانت مؤاتية للمساهمة في تعزيز الجهود المحلية، فعلى الرغم من جودة المحتوى الذي تقدّمه المؤسسات الصحفية المشاركة في المشروع التعاوني، إلا أنّ عددًا منها ليس لديه إمكانية بالوصول إلى جمهور كبير. كذلك فإنّ القيّمين على المشروع لم يهدفوا إلى توسيع نطاق التغطية الصحفية للحرب على المخدرات فحسب، بل سمحت لهم المنشورات في صحف خارج أميركا اللاتينيّة إلى التوضيح للقراء الجدد، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، كيف عاشت الدول في أميركا اللاتينية خلال هذه الحرب وكم عانت منها"، وشدّد على ضرورة إيلاء أهميّة للأصوات والآراء الآتية من أميركا اللاتينية.
وأعدّ المؤسس المشارك لجسر الصحافة فاوستو سلفادوري مقالًا ضمن مجموعة مقالات الرأي التي نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" حول "حرب الإدمان"، سلّط الضوء فيه على "الموجة العنصرية للسجن الجماعي في البرازيل"، إضافةً إلى مقال ثانٍ عن "المعركة ضد المحاصيل في كولومبيا"، ومقال ثالث عن "عسكرة المكسيك".
إقرأوا المزيد: العالم منشغل بلقاحات "كوفيد 19".. وإرشادات للصحفيين لتغطية الموضوع
وبرأي سلفادوري، فإنّ المشروع التعاوني بين المؤسسات الإعلاميّة يساهم في "الكشف عن آراء وقصص حول الحرب على المخدرات غير مرويّة من قبل ولا يعرفها معظم الناس"، مشيرًا إلى أنّ "التأثير الأبرز للعمل الصحفي التعاوني يكمن بإيصال الصوت والقصص إلى صانعي السياسات في كل دولة، والمساعدة بتغيير واقع الحرب التي لم تجلب سوى المعاناة على مدى 50 عامًا".
ولفت إلى أنّه "من الواضح أنّ مقاربة استخدام وبيع مواد معينة على أنّها جريمة، كانت من الأخطاء الكبرى، لأنّ هذا النهج لم يساعد أي شخص يسيء استخدام هذه المواد، بل مكّن الدول من قتل وسجن الفقراء والسكان الأصليين وذوي البشرة السمراء، كما ساهم في إنشاء مجموعات إجرامية كبيرة". وشدّد على الدور الكبير والمهم الذي يمكن أن تلعبه الصحافة اليوم للكشف عن التداعيات الحقيقية للحرب على المخدرات، والتي كانت بحسب سلفادوري "أسوأ من المخدرات بكثير".
ألدانا فاليز هي مديرة التحرير في شبكة الصحفيين الدوليين
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة إيزابيلا كرونيمبرجر