مشروعات إعلامية تسلط الضوء على آراء الروس بشأن الحرب على أوكرانيا

Jul 29, 2022 في تغطية الأزمات
شعار السلام

مع احتدام الغزو الروسي لأوكرانيا، يبذل الإعلام الحكومي ما بوسعه لتبرير العدوان، بينما يضطر الروس إلى ترك بلادهم. فكم عدد المغادرين؟ لماذا يغادرون ومتى سيعودون؟ هل سيعودون يومًا ما؟ وما رأيهم في الحرب الروسية على أوكرانيا؟ هذه النقاط لم يُكتب عنها سوى القليل.

سعيًا لتوثيق ما وصفته بـ"الواقع المنكسر" اليوم، أطلقت لينور جوراليك منصة Exodus 22 من مقرها في العاصمة الجورجية تبليسي، حيث تجمع قصص من فرّوا من روسيا إلى الدول المجاورة مثل جورجيا، أرمينيا وتركيا إضافةً إلى إسرائيل، وتنشر هذه الحكايات في هيئة مجموعات قصصية، وقد نشرت بالفعل ثلاث مجموعات، وتعمل حاليًا على الرابعة.

وفي حديثها إلى شبكة الصحفيين الدوليين، قالت جوراليك: "قبل ذهابي إلى أي مكان جديد، كنت أعلن عبر فيسبوك أنني أعمل على هذا المشروع وأرغب في الحديث إلى المهاجرين الجدد من روسيا، وأنني سأكون في غاية الامتنان إذا تمكنت من لقاء من يساعدون الآخرين". وأضافت: "قضيت حوالي أسبوع في كل دولة، حيث تحدثت إلى ما يقرب من 50-60 شخصًا، وأحيانًا عدة أشخاص في الوقت نفسه. وقد أجرينا هذه المحادثات في المقاهي وأثناء الفعاليات وما إلى ذلك".

وأوضحت جوراليك أنّ صيغة القصص القصيرة مثالية بالنسبة للحكايات التي جمعتها، "وأعتقد أنّها أفضل ما يناسب هذه الحالة المربكة التي يعيش فيها العديد من هؤلاء الأشخاص، وكذلك الواقع المنكسر الذي نجد أنفسنا فيه". وأضافت أنّ "الناس يخشون من أنّ الوضع سيصبح أكثر رعبًا".

وقد تحدثتُ إلى جوراليك لمعرفة المزيد عن Exodus 22 ومبادراتها الإعلامية الأخرى التي تدور حول الحرب، مثل مشروع ROAR.

منصة Exodus 22

هانا فالينتس: لماذا لا تنشرين أسماء الأشخاص الذين تجرين المقابلات معهم؟

لينور جوراليك: هناك ثلاثة أسباب، أولها أنّه من المهم بالنسبة لي أن أتيح للناس فرصة للتحدث بصراحة. ثانيًا، لتجنب المناقشات المزعجة لاحقًا حول ما قاله هؤلاء. وثالثًا، لأنني أود أن أحميهم من هجمات الموالين للحكومة.

ففي أعقاب نشر كل مجموعة قصص جديدة، كان هناك وابل من المقالات الموالية للحكومة التي وصفتهم بكلمات أقل ما يقال عنها هو أنها غير لائقة. وآخر ما أريده هو أن يقوم من يكتبون هذه المقالات بمضايقة أصحاب المقابلات عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ما الذي يهرب منه الناس؟

لكل شخص أسباب مختلفة، ولكن العديد منهم يفرون لهذه الأسباب الثلاثة: أولها أنّهم لا يريدون العيش في الدولة التي شنّت هذه الحرب الوحشية والحملات القمعية. ثانيًا، القمع في حد ذاته. وثالثًا، لأنّهم يشعرون بأنّ رعبًا أكبر على وشك أن يبدأ، وربما يمكننا أن نصفه بأنّه المرحلة الثانية من "الرعب العظيم". وقد قابلت أشخاصًا تم اعتقالهم بسبب تغريدة أو تعليق عبر فيسبوك.

هل يُعتبر مصطلح "الرعب العظيم" إشارة إلى حملة ستالين عام 1937؟

بالطبع، فالعديد من الناس – بمن فيهم أنا – يخشون من أن تصبح الحملات ضد المعارضين للحرب والنظام أكثر فظاعة مما هي عليه الآن.

هل يمكنك وصف مشاعر أصحاب هذه القصص بالمزيد من التفاصيل؟

آخر ما أريده هو أن أقع في فخ التعميم، فهذه من بين الأخطاء الشائعة التي يقع فيها من يحاولون تحليل هذه الهجرة الجديدة من روسيا. لكل فرد قصته، ولكن الكثير ممن أجريت معهم المقابلات كانوا مشوشين، كما بدا لي، والعديد منهم عانوا من مشاعر خطيرة بشأن ما كان يحدث في أوكرانيا وروسيا، وكان لدى الكثير منهم كل الحق في الخوف من المستقبل.

وأخشى أنّ العديد ممن هاجروا لن يستطيعوا البقاء خارج البلاد، ناهيك عن الحصول على جنسية أخرى. وأشعر بالخوف لأنّه من الواضح أنّ عددًا كبيرًا من هؤلاء المهاجرين سيواجه صعوبة في كسب لقمة العيش، وقد فقد الكثير منهم وظائفهم بالفعل. ولا ينوي العديد منهم العودة تحت حكم النظام الحالي. فقد اعترفوا لي أكثر من مرة في المقابلات بأنّهم يشعرون بحالة من عدم اليقين، وأنا أقلق بشأنهم للغاية.

مشروع ROAR، مبادرة أخرى تدور حول الحرب

أطلقت جوراليك مبادرة ثانية تدور حول الحرب، وهي مشروع ROAR، أو "مجلة الفنون المعارضة الروسية". يدير المنصة 70 متطوعًا، وقد وصفتها جوراليك مؤخرًا بأنها تعارض "الثقافة الرسمية الذليلة والموالية للنظام، التي تتماهى في شكلها المتطرف مع الدعاية وتخدم الحكومة الروسية المجرمة الحالية".

وقد نشرت المنصة عددها الأول في أواخر أبريل/نيسان، وركزت فيه على الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي اليوم التالي، تعرّض الموقع الإلكتروني إلى هجوم حجب الخدمات (DDoS). وعلى عكس Exodus 22، رفض العديد من أصحاب المقابلات إخفاء هوياتهم، على الرغم من بقائهم في روسيا.

ومثل العدد الأول، سيكون العدد الثاني من مجلة ROAR متاحًا بالروسية والإنجليزية والفرنسية. كما يجري العمل الآن على ترجمة العدد الأول إلى الإيطالية.

فالينتس: يبدو لي أنّه لا يوجد ما يكفي من الكتابات حول الروس المعارضين لحرب بلادهم على أوكرانيا. فما رأيك بشأن مدى تغطية هذا الموقف في المجال العام؟

جوراليك: أحد أسباب إطلاق مجلة ROAR هو أنّنا أردنا إثبات وجود مواطنين روس يعارضون النظام ولا يخشون التحدث عنه. ولا يمكننا أن نضمن سماع هذه الأصوات. لكننا نرى أنّه من الضروري أن يتمكن كُتابنا من نشر أعمالهم الشعرية والموسيقية والفنية.

ويدور العدد الثاني من المجلة حول "مقاومة العنف". وبالطبع تظل الحرب الروسية على أوكرانيا أهم الموضوعات بالنسبة لنا، ولكننا أردنا أن نتيح للكُتاب فرصة الحديث عن القمع في روسيا وكذلك عن تجربة المقاومة الشخصية للعنف ضد الأفراد. فهذه المفاهيم ترتبط ببعضها في الثقافة الروسية: إذ أنّ العنف ضد الأفراد يبدأ مع النظام ويصل إلى عنف الدولة ضد الدول الأخرى.

ولدينا الآن ما يكفي من الأعمال لإصدار العدد الثاني، بما في ذلك مجموعة شعرية كبيرة (حوالي 50 قصيدة)، ومجموعة فنية (أكثر من 30 عمل)، ونعمل حاليًا على الانتهاء من المجموعة الصوتية. ولدينا أيضًا مجموعة جيدة من المقالات والأعمال النثرية.

هل يمكنك توضيح بعض الأفكار الرئيسية التي يحاول المؤلفون التعبير عنها من خلال أعمالهم؟

أعتقد أنّ الأفكار المهمة للغاية لا تقتصر على شعار "لا للحرب"، وإنما تشمل فكرة المسؤولية الفردية عن الأفعال الشخصية في سياق تاريخي.

مشروعات أخرى تدور حول الحرب

تعمل جوراليك على مشروعات أخرى تتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، وتهدف كلها إلى استخدام الأصوات الفردية لتسجيل ما يحدث اليوم.

وفي هذا السياق، قالت جوراليك: "أعتقد أنّ التجارب الشخصية مهمة للغاية، مقارنة بالروايات الرسمية. وأنا من أشد المؤمنين بأنّ ما نتعلمه عن الحقبات التاريخية يأتي أولًا وقبل كل شيء من القصص الشخصية للأفراد الذين عاشوها، وأحاول تقديم أصغر مساهمة ممكنة لتسجيل تلك القصص".

فالينتس: هل لديك قصة مفضلة؟

جوراليك: لدي موضوع مفضل: هناك الكثير من القصص حول الآباء غير الراضين عن هجرة أولادهم، ولكن هناك بعض القصص حول الآباء الذين أظهروا دعمًا كبيرًا لرغبة أولادهم في مغادرة روسيا وفعلوا كل ما بوسعهم وقدموا آخر ما يملكون من أموال لمساعدتهم في تحقيق ذلك.

ما الذي يعجبك في هذه القصص؟

تعجبني فكرة أنّ البقاء معًا لا يعني بالضرورة التواجد في نفس المكان جغرافيًا. فهناك معنى أكبر لكلمة "معًا"، وهو الدعم والتفاهم ومشاركة القيم المشتركة ورعاية بعضنا البعض. وهذه القصص ملهمة للغاية.

ما الذي ينبغي على المراقبين الخارجيين معرفته عن الناس في روسيا؟

أولًا، أنّهم مختلفون: فأنا أرى أنّ التعميم يؤدي إلى فقدان أي تفاهم بشأن الناس. وثانيًا، أعتقد أنّه من الضروري أن نفهم عدد الأشخاص في روسيا الآن الذين يكرهون النظام الحالي والحرب والحكومة، وهؤلاء الذين يشعرون حقًا بسوء غير محتمل بشأن ما يحدث، والذين لا يقلقون بشأنه ذلك، بل يبذلون كل ما في وسعهم لتغيير الوضع.

وقد تبدو هذه الجهود كأنها قطرة في بحر، ولكن بإمكانها تنظيف البحر. وأعتقد أن سقوط أي نظام قمعي يبدأ من النشاط السياسي وتثقيف المتشككين والدعم المتبادل والإبداع.


نُشر هذا المقال للمرة الأولى بالروسية وتمت ترجمته إلى الإنجليزية والعربية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على انسبلاش بواسطة يعقوب إفانوف.