في الوقت الذي تتعرّض فيه كليات الصحافة للهجوم لتتكيّف ببطء شديد مع واقع العالم الرقمي الذي سيجده طلابها في مكان العمل، يهدف برنامج الدراسات العليا في نيويورك لتنشئة الدفعة المقبلة من الإعلاميين المتخصصين في ريادة الأعمال.
انطلق البرنامج قبل ثلاث سنوات ويتضمّن ماجستير في الفنون وشهادة متقدمة في الصحافة الريادية في (CUNY) مركز "تو" نايت للصحافة الريادية الذي يمكّن الصحفيين من تحقيق قفزة كبيرة على طريق إطلاق شركاتهم الإعلامية الناشئة.
من بين قصص نجاح البرنامج حتى الآونة الأخيرة مشاريع عدّة تتزايد شعبيتها ويكبر اسمها، مثال "سكيل كراش"، وهو موقع يقدّم للنساء الموارد لتعلّم الترميز أو الكودات ويسعى لاكتساب النساء فهم أفضل للتكنولوجيا، أيضاً هناك "Narrative.ly" وهو موقع إخباري "يُبطئ من دورة الأخبار" من خلال عرض قصة واحدة مطوّلة ومتعمقة مع كل يوم جديد. قامت مجلة تايم بتسمية، Narrative.ly كواحد من "أفضل 50 موقع لعام 2013." بالإضافة إلى العمل بحسب منهاج دراسي محكم في مجال الأعمال، يطلب البرنامج من كل طالب طرح فكرة لمشروع شركة ناشئة.
"إن أحد الأهداف الرئيسية لدينا هو إعداد الطلاب للتكيّف مع السوق المتغيرة ولمساعدتهم في قيادة الصناعة في سوق العمل" بحسب قول مدير مركز "تو" نايت للصحافة الريادية، جيريمي كابلان. "إذ لا تكمن الأهمية في إتقان أدوات محددة، ولكن في تطوير عقلية تحتضن التفكير الإبداعي، وحل المشاكل عبر تحليل ذكي وفعال وتعاون جيّد." تكلّم كابلان مع شبكة الصحفيين الدوليين حول ما اكتسبه البرنامج منذ انطلاقته عام 2010، وما يلزم لرجل الأعمال الذي يعمل في مجال الأخبار كي يكون ناجحاً بالإضافة إلى التطرّق إلى موضوع الصحافة وما ستؤول إليه بعد خمس سنوات.
شبكة الصحفيين الدوليين: كان يوصف البرنامج عند انطلاقته على أنه الأول من نوعه. ما هي الدروس التي تعلمتها جرّاء إدارة البرنامج على مدى السنوات الثلاث الماضية؟
جيريمي كابلان: كان برنامج "تو" نايت للصحافة الريادية هو السبّاق في تقديم شهادة الماجستير وشهادة متقدّمة في الصحافة الريادية، وكنّا نعلم أننا بحاجة للحفاظ على هذا الزخم المتجدّد في نهجنا للبقاء في الطليعة. لقد تعلّمنا من البرامج المبتكرة في أهم مجالات الأعمال والصحافة وكليات التصميم في جميع أنحاء العالم، وقمنا بالعديد من التعديلات والتحسينات على البرنامج منذ انطلاقته.
أولاً، لقد ضاعفنا من زياراتنا إلى الشركات الناشئة وأضفنا برنامج الضيف المتحدّث للاستفادة الكاملة من مركز ريادة الأعمال الواقع في محيط كليتنا. في الربيع الماضي على سبيل المثال، قمنا بزيارة فيس بوك، تويتر، تامبلر، بازفيد، كيكستارتر، ريبل ماوس، فوربس، ماشابل وغيرها من الوسائل الإعلامية وشركات النمو التكنولوجي. لقد أضفنا أيضاً على برنامجنا ورش عمل وتدريب عملي يقدّمها خبراء إعلاميين وتكنولوجيين في مجالات تطوير الأعمال وإدارة المشاريع والتسويق عبر الإنترنت. كذلك جمعنا الطلاب بالمرشدين وركزّنا على التوجيه الشخصي في كافة جوانب البرنامج، كما صقلنا وأضفنا على الدورات التي نقدّمها استجابةً لرأي الطلاب من جهة وقدرة تأثير أعضاء هيئة التدريس.
من الدروس الكبرى الأخرى التي تعلّمناها، هو أننا بحاجة لتجربة أمور مختلفة من أجل الوصول إلى الناس عبر الإنترنت، وذلك من أجل توسيع تأثير برنامجنا ومساعدة المزيد من الصحفيين في جميع أنحاء العالم. وهذا هو السبب وراء استعدادنا لتوسيع نطاق برامج التعلم لدينا عبر الإنترنت في العام المقبل. تابعوا فرص تعلم جديدة عبر الإنترنت في العام المقبل على الموقع التالي newjournalism.towknight.org.
شبكة الصحفيين الدوليين: في الوقت الذي يتمّ توجيه الانتقاد لمدارس الصحافة لعدم قدرتها على التكيّف بسرعة كافية للمتغيرات في المحيط الإعلامي، لماذا ينبغي على الطلاب أن يستثمروا في برنامج ماجستير كهذا؟
جيريمي كابلان: إحدى المزايا التي يتمتّع بها برنامج كبرنامجنا هو أنّه عملي تطبيقي أكثر مما هو أكاديمي. وهذه ميزة بالنسبة لشخص مهتم بممارسة الصحافة وليس مجرد التفكير فيها. يشمل أعضاء هيئة التدريس لدينا صحفيين وإعلاميين ممارسين للمهنة عوضاً عن منظّرين، كما نقوم بتحديث مناهجنا الدراسية في كل عام.
واحد من الأهداف الرئيسية لدينا هو إعداد الطلاب للتكيف مع السوق المتغيرة والمساعدة في أخذ هذه الصناعة قِدماً. كثيراً ما تتغير برامج الكمبيوتر المحددة، وخدمات إدارة المحتوى والمواقع الإلكترونية التي يستخدمها الطلاب، لذلك لا يجب التركيز على إتقان أدوات محددة بل تطوير عقلية تحتضن التفكير الإبداعي، وحل المشاكل وقدرة على التحليل الذكي والفعاّل بالإضافة إلى التعاون المثمر.
شبكة الصحفيين الدوليين: من خلال تجربتك في مركز "تو" نايت للصحافة الريادية ومن خلال مشاهداتك للشركات الناشئة في القطاع الإعلامي والتي تتحوّل من فكرة مجرّدة إلى مرحلة التنفيذ، ما الصفات التي تميّز ريادي ناجح في المجال الإعلامي؟
جيريمي كابلان: الإصرار والشغف هما من أهم الخصائص. بناء شيء من الصفر يتطلب عموماً التضحية الشخصية والمهنية. كما يتطلب وجود قدرة على تحمّل الفشل في بعض الأحيان والاستعداد لمواجهة العديد من العقبات في جميع أنحاء تطوير المشروع. من أجل تحقيق النجاح كمبادر صحفي يجب على المرء أن يملك ما يكفي من الرغبة للاستمرار في مواجهة التحديات.
شبكة الصحفيين الدوليين: كيف تتخيل أن يكون تطوّر الصحافة في السنوات الخمس المقبلة، وماذا يجب على كليات الصحافة أن تفعله بهدف التكيّف مع المتغيرات؟
جيريمي كابلان: ستزداد أهمية إعادة نشر المحتوى كما التعديل على المحتوى الموجود أساساً مع ازدياد حجم المعلومات المتدفّقة عبر الإنترنت بشكل كبير. مما يستوجب على مدارس الصحافة تعليم هذه المهارات، لأنه في نهاية الأمر سيجد العديد من الصحفيين أنفسهم يعيدون نشر محتوى تمّ إنتاجه من قبل آخرين عوضاً عن انتاج محتواهم الخاص.
بالإضافة إلى ذلك يزداد عدد الصحفيين الذين يذهبون في خياراتهم نحو المهن الحرة، فيعملون بشكل مستقل وينتجون القصص الصحفية لوسائل إعلامية مختلفة منها إلكترونية ومطبوعة وإذاعية ومتلفزة. فيصنع الصحفيون ويساهمون في خلق مجموعة متزايدة من المواقع المتخصصة وقنوات الإعلام الاجتماعي. على الرغم من صعوبة تسويقهم لهويتهم الصحفية التي تساهم في تطوّرهم المهني. الاستفادة من النظام الطبيعي للتطوّر الإعلامي سيدفع بالعديد من الصحفيين إلى تمييز أنفسهم من خلال روح المبادرة عبر إنشاء المواقع والتطبيقات وتقديم خدمات جديدة.
سيحظى التخصص في موضوعات محددة واكتساب الخبرة فيها أهمية متزايدة. في المقلب الآخر، سيحظى مستهلكو الأخبار على نحو متزايد برفاهية الوصول إلى المواقع المتخصصة المحصّنة بخبرة متعمّقة في أي مجالٍ كان. بالتالي سوف تحتاج تلك المواقع إلى صحفيين قادرين على الغوص في موضوعات محددة لتوضيح قضايا معقدة ولتقديم القصص الصحفية بطرق مبتكرة.
ستزداد أهمية التحقق من وسائل الاعلام الاجتماعي، مما يستوجب على كليات الصحافة بناء أسس لهذه المجموعة من المهارات، تماماً كما ينبغي أن تساعد الطلاب على إتقان أساسيات التدقيق في صحّة الحقائق عموماً.
ستسعى المؤسسات غير الصحفية أكثر وأكثر إلى توظيف الصحفيين، وذلك لإدراك هذه المنظمات التي تتعاطى شتى أنواع الأعمال، أهمية صناعة المحتوى وأهمية وسائل الإعلام الاجتماعية والوسائط المتعددة. يتزايد عامل توظيف الصحفيين من قبل المتاحف والشركات الاستشارية، والوكالات الحكومية وغيرها من المؤسسات "غير الإعلامية". هذا التوجه بالتحديد، سيقوم بتسريع وتوسيع نطاق توافر الفرص لأولئك الذين خضعوا لتدريبات صحفية.
شبكة الصحفيين الدوليين: إذا أردت إعطاء نصيحة واحدة للصحفيين الطموحين، فماذا ستكون؟
جيريمي كابلان: كن خبيراً في شيءٍ ما، سواء كان ذلك في علم الوراثة، أو اللغة العربية، أو الإحصاءات، أو اللاّجئين، أو بعض الموضوعات الأخرى التي تثير اهتمامك والتي سيكون لها أثر في الأخبار والأحداث في العقود المقبلة. خبرتك في منحى معيّن تعطيك المصداقية، ويُعد ذلك رصيداً بالغ الأهمية.
قم بثقل حرفتك مع كل فرصة. وكما يتطلّب الفرد 10,000 ساعة من التمرين للتفّوق في رياضة معيّنة أو لإتقان العزف على آلة موسيقية، فمن أجل التفوّق في مهنة الصحافة يجب عليك قضاء الوقت ووضع الجهد اللّازم والعمل على ممارسة المهنة. التقاط الكثير من الصور الرديئة وكتابة العديد من القصص السيئة هي الخطوة الأولى نحو التميّز، ويحصل ذلك فقط إذا كنت تتعلّم من كل جهد تقوم به وتبحث عن الموجهين الذين يمكنهم مساعدتك [لتتعلّم] من أخطائك.
لمزيد من المعلومات حول البرنامج، قوموا بزيارة موقع "تو" نايت للصحافة الريادية. تنتهي مهلة تقديم الطلبات للالتحاق بالصفوف القادمة في 31 تشرين الأول/ أكتوبر.
الصورة: لمركز "تو" نايت على فليكر، لجيريمي كابلن.
مايتي فيرنانريز، مديرة تحرير شبكة الصحفيين الدوليين. تتقن اللّغتين الإنجليزية والإسبانية وهي حاصلة على ماجستير في صحافة الوسائط المتعدّدة من جامعة ماريلاند.