بفضل تداخل خصائص الوسائط المتعددة المتوافرة على شبكة الإنترنت والعناصر التفاعلية في كلٍ من مجالي الصحافة وصناعة الأفلام الوثائقية، يستعيد هذين المجالين اليوم تميزهما بعد أن كانا قد فقداه فيما مضى.
اجتمع خبراء من كلا الحقلين لمناقشة الفروقات الدقيقة بين مختلف أنواع السرد القصصي وما يمكن لهذين المجالين أن يتعلماه من بعضهما البعض. جرى النقاش في لقاء "النساء في الفيلم والفيديو" الذي حصل مؤخراً في العاصمة الأميركية واشنطن.
يعتقد ريك يونغ، المنتج لبرنامج الخطوط الأمامية في (PBS)، أن الفرق الرئيسي بين صناعة الفيلم الوثائقي والصحافة يكمن في عملية التحرير.
في كثير من الأحيان يعمل صانعي الأفلام الوثائقية وحدهم، فإمّا يعملون على الأفلام كمشاريع جانبية أو يقومون بإنتاجها بشكل مستقل تبعاً لجدول أعمالهم الخاص. أمّا في الصحافة، فهناك المحرر الذي يحد في بعض الأحيان من حرية الإبداع لدى الصحفي، ولكن في نفس الوقت يضيف الهيكل المترابط وحسّ المساءلة.
وأضاف يونغ "هذه العملية التحريرية تختبر الصحفي باستمرار، لا بل تختبر قوة القصة ومصداقية المصادر، ولكن الأهم من ذلك أنها تختبر الذكاء في اختيار أفكارك."
جوديث دوان هاليت، هي منتجة أفلام وثائقية، وعملت في نفس الوقت مع صحفيين وصانعي أفلام في مشاريع مختلفة، وقد لاحظت أن الطرفين يتعلمان من بعضهما البعض.
" لقد تعلم صانعو الأفلام كيفية الكتابة بطريقة موجزة ودقيقة، وكيف يمكنهم أن لا يقعوا في غرام كل مشهد مصوّر بالإضافة إلى اكتسابهم مهارة الاقتطاع من أعمالهم، والحصول على جوهر القصة" بحسب هاليت.
"أمّا الصحفيون فتعلموا كيفية رواية القصة بصرياً كما ماهية تطور شخصيات القصّة عاطفياً بحسب الأحداث، كذلك تعلموا أن يمنحوا القصة الوقت اللازم "للتنفس" لتأخذ الأحداث مجراها، كما تعلّموا أن يعطوا أهمية أكبر للأشخاص في القصص."
ولكن على الرغم من الفائدة التي اكتسبها الطرفان في التعرّف على حرفة الآخر "يبقى هناك حاجز الثقافات والمعتقدات المختلفة التي ينظرون من خلالها إلى بعضهم البعض، وهي في الواقع غير دقيقة،" بحسب قول باتريشيا أوفدرهيدي، مديرة مركز الجامعة الأميركية للإعلام والأثر الاجتماعي (CMSI).
على سبيل المثال، سوف يقول صناع الأفلام الوثائقية أنهم ليسوا صحفيين لأنهم يروون القصص بشكل فنّي، كما قالت أوفدرهيدي، في حين غالباً ما يعتقد الصحفيون أنه ينقلون الحقائق.
كما يملك الصحفيون ميثاق الشرف للعودة إليه وهو بمثابة قواعد سلوك يجدر بهم اتباعها، في حين أن صانعي الأفلام لا يملكون مبادئ توجيهية واضحة، ولكن في تقرير CMSI الذي حمل عنوان "حقائق صادقة"، درست أوفدرهيدي النهج الأخلاقي الذي يجب اتباعه من قبل صانع الأفلام الوثائقية ولم تجد اختلافات كبيرة في كيفية تعامل الحقلين المختلفين مع القضايا الأخلاقية.
بالإضافة إلى ما سبق، تعتمد العادة الصحفية على إظهار أكثر من جانب للقصّة الواحدة إلاّ أن صناعة الأفلام الوثائقية لا تعتمد في عملها على هذا النهج في كثير من الأحيان، إذ إن العديد من الأفلام تبني رؤيتها على وجهة نظر محدّدة.
وقالت أليسيا شيبرد، المحققة السابقة في الإذاعة الوطنية العامة (NPR)، بدأت غرف الأخبار تبتعد هي بدورها عن هذه الممارسة، لا سيما في القضايا الاجتماعية العملية. على سبيل المثال، قررت NPR حسم موقفها من خلال الاعتراف بوجود التغيرات المناخية، في حين أن بعض المؤسسات الإخبارية كانت ما زالت تحرص على شمل وجهتي النظر الناكرة والمؤكدة على وجود التغيرات المناخية في قصصها، كما قالت شيبرد.
عارض يونغ ما سبق معتبراً أن السعي من أجل إظهار وجهتي النظر المختلفتين يمكن أن يكون بمثابة ميزة إيجابية في أي حرفة، لأنه يضيف حبكة درامية مثيرة، فيرفع من منسوب التوتر والتعقيد والوضوح وهذا بطبيعته أكثر إقناعاً، بحسب قوله، كما أضاف "اللون الرمادي هو ما يجعل الأمور مثيرة للاهتمام."
مارغريت لوني، مساعدة التحرير في شبكة الصحفيين الدوليين، تكتب عن أحدث الاتجاهات والصيحات الإعلامية وأدوات التغطية والموارد الصحفية.
تظهر الصورة ريك يونغ وباتريشيا أوفدرهيدي وأليسيا شيبرد من تصوير مارغريت لوني. المتحدثون الآخرون غير الظاهرين في الصورة هم جوديث دوان هاليت؛ تشاك لويس، منتج التحقيقات السابق في ايه بي سي نيوز، و 60 دقيقة، و بيج غولد، المشرف على الحوار ومحام مختص في المجال الإعلامي.