كتب نعمان أشتاوي برسالة عبر البريد الإلكتروني في 28 أغسطس/آب الماضي: "عُذرًا على التأخير في الرد بسبب التحضير لمغادرة مستشفى الأقصى التي كنا نعمل فيها منذ أكتوبر/تشرين الأول، ونحن في رحلة صعبة أخرى إلى المجهول"، مضيفًا: "نحن لا نزال ندرس جميع البدائل المُمكنة، بينما نحاول الاستمرار في أعمالنا قدر الإمكان، فلا يوجد مكان آمن في غزة على الإطلاق".
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن مستشفى الأقصى، يعتبر واحدًا من آخر المستشفيات العاملة في غزة، كان يتم إخلاؤها تدريجيًا مع اقتراب القوات الإسرائيلية، فوجد أشتاوي وفريقه أنفسهم مضطرين للفرار مرة أخرى.
وفي وقت سابق من هذا العام، أُصيب أشتاوي بشظايا في وجهه، وذراعه، وساقه أثناء حادثة قصف بالقرب من مستشفى كان يعمل به، كما أُصيب اثنان أيضًا من أعضاء فريقه، وقد تعافوا جميعًا منذ ذلك الحين وعادوا للعمل في الميدان، ولكن فُقدت الكاميرات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من المعدات في هذا الهجوم.
ويعمل هؤلاء الصحافيون، وغالبيتهم من الصحفيين المستقلين، في واحدة من أخطر المناطق على وجه الأرض بالنسبة للصحفيين. ووفقًا للبيان الصادر عن لجنة حماية الصحفيين، فإنّ 116 صحفياً وعاملاً في وسائل الإعلام من بين أكثر من 42 ألف قتيل منذ بدء الحرب، مما يجعلها الفترة الأكثر دموية بالنسبة للصحافة منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين في تسجيل أعداد القتلى في عام 1992، وكان معظم الصحفيين الذين لقوا مصرعهم خلال تلك الفترة من الفلسطينيين.
وقد انضمّ المركز الدولي للصحفيين ICFJ إلى منظمات حرية الصحافة في مطالبة إسرائيل بوقف عمليات قتل الصحفيين، الذين يعتبرون مدنيين بموجب القانون، والتحقيق في حالات الصحفيين الذين قُتلوا على أيدي قواتها.
وأشتاوي، مدير وكالة الصور المحلية APA Images، وهو جزء من شبكة المركز الدولي للصحفيين العالمية، وفي إطار سعيه إلى إنشاء نظام رقمي حديث، شارك في مايو/أيار 2023 في برنامج Elevate التابع للمركز الدولي للصحفيين، وهو برنامج مُصمم لمساعدة أصحاب وسائل الإعلام الصغيرة والمتوسطة الحجم على تطوير مهاراتهم الإدارية، وقد انضم إليه أحمد فؤاد، الرئيس التنفيذي للعمليات في وكالة APA.
ويتكون فريق عمل وكالة APA من مراسلين، ومحررين، ومصورين فيديو، ومصورين فوتوغرافيين. وقد ظلوا في حالة تنقل دائم منذ تدمير مكتبهم في القصف. وفي وقت سابق من هذا العام، غادر فؤاد إلى الولايات المتحدة مع عائلته ولكنه لا يزال على اتصال وثيق مع أشتاوي عبر الهاتف والبريد الإلكتروني.
وقد منعت إسرائيل الصحفيين الأجانب من دخول غزة، باستثناء رحلات محدودة يُنظمها الجيش. وقد دعت العشرات من المؤسسات الإعلامية، ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المركز الدولي للصحفيين، إسرائيل إلى إنهاء هذه القيود.
وقالت شارون موشافي رئيسة المركز الدولي للصحفيين: "إن الحظر يعني أن الصحفيين الفلسطينيين هم المصدر الوحيد للأخبار في غزة، وفي الوقت نفسه، يكافحون من أجل البقاء والحفاظ على سلامة عائلاتهم"، مضيفةً: "إن الوضع مروع للغاية، ولا يمكن وصفه".
وبالنسبة لأوضاع الصحفيين في غزة، فلا توجد أي بارقة أمل تلوح في الأفق.
من جهته، قال محمد مندور، خبير لجنة حماية الصحفيين CPJ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "أصبح من الصعب جدًا على الصحفيين في غزة العثور على مكان آمن"، مضيفًا: "أفاد العديد من الصحفيين بأنهم ينتقلون من مكان إلى آخر بحثًا عن الأمان، وقُتل بعضهم أثناء عمليات الإجلاء".
واستطرد مندور قائلاً إن الصحفيين يواجهون صراعًا مستمرًا للعثور على اتصال بالإنترنت من أجل مشاركة قصصهم وصورهم مع العالم، كما تعرضوا للهجوم من طائرات بدون طيار أثناء محاولتهم الحصول على اتصال بالإنترنت، وقد تم تدمير معظم مكاتب وسائل الإعلام في غزة.
التغطية الصحفية من الخطوط الأمامية
وفيما يلي مقتطفات من تقرير أرسله أشتاوي في أغسطس/آب الماضي يصف فيه الحياة تحت نيران القصف في غزة، وقد تم تعديل تعليقاته بشكل طفيف لتوضيحها.
وكتب أشتاوي: "يلعب الصحفيون في غزة دورًا مهمًا في كشف فظائع هذه الحرب للعالم، لكنهم يدفعون ثمنًا باهظًا"، وأضاف: "الصور والفيديوهات المتداولة حول العالم هي نتاج جهد شاق ودماء أُريقت في هذه الحرب بعد ليالٍ وأيام طويلة من العمل، وسط الجوع والعطش ونقص المعدات اللازمة أو السترات الواقية، وقد فقد الكثيرون منهم هواتفهم المحمولة وكاميراتهم عندما تم قصف مقرات المؤسسات الإعلامية، وأشار إلى أنهم يتعرضون للخطر بدون أي حماية، فلا توجد دروع ولا خوذات".
واستطرد قائلاً: "الأعباء الجسدية والنفسية هائلة، بدءًا من التنقل المستمر والإخلاء القسري، مرورًا بالبحث عن الأمان لعائلاتنا وكل من حولنا، وعن الاحتياجات الأساسية كالطعام والماء والدواء، ورغم ذلك، فإننا مستمرون في التغطية اليومية في سبيل البقاء".
كما وصف أشتاوي التحديات التي يواجهونها قائلًا: "فيما يتعلق بالتنقل، يسير أعضاء فريقنا لأميال، أو يركبون الدراجات، أو العربات التي تجرها الحمير أو الخيول، أو يتشاركون ركوب السيارات، بسبب غلاء أسعار البنزين وندرته. نبحث عن بدائل، مثل استخدام زيت الطهي بدلاً من الوقود. وفي بعض الحالات، تعرض موقعنا الإلكتروني، وهو بوابتنا إلى العالم الخارجي، لهجمات متكررة من القراصنة، ولكننا تمكنا من تأمينه إلى حد ما، ونحن نعمل دائمًا على إيجاد بدائل لخدمة عملائنا وجمهورنا".
واستكمل حديثه قائلاً: "إنّ الحصول على خدمات الكهرباء، والإنترنت، والهواتف المحمولة من العوائق الرئيسية التي نواجهها، وبالتالي، نبحث عن مصادر الكهرباء المُتاحة سواء التي تعمل بالطاقة الشمسية أو بطاريات التخزين، وأحيانًا يحالفنا الحظ وأحيانًا لا، وبالنسبة لخدمات الهاتف المحمول والإنترنت، فنعتمد بشكل أساسي على مزودي الإنترنت المحليين، عندما يكونون متاحين، أو على شرائح e-sim الدولية، والتي لا تتوفر طوال الوقت".
وكتب أشتاوي هذه السطور عندما كان متأهبًا لعملية إجلاء أخرى: "في كثير من الأحيان، تكون التغطية الصحفية صادمة وخصوصًا عندما يُصاب أو يقتل أحد معارفنا، سواء كان فردًا من العائلة أو صديقًا أو زميلًا، ويتم استهداف الصحفيين وعائلاتهم أيضًا، وهو ما يُمثل مصدر قلق كبير لنا. إنها مهمة صعبة، لكننا نستمر في أداء واجباتنا المهنية".
النضال من أجل البقاء
غالبًا ما يُشكل الصحفيون مجتمعات من الخيام إما في محيط المستشفيات أو بالقرب منها، من أجل الحصول على الحد الأدنى من الأمان، ويشارك الصحفيون فيها الموارد المحدودة والمعلومات. وفي هذا الصدد، أشار أحمد فؤاد الذي يعمل في وكالة APA إلى أنّ "الخيام بالنسبة لهم هي موطنهم في الوقت الحالي"، مضيفًا: "وعندما يحين وقت ذهابهم إلى الميدان، يتمنون السلامة لبعضهم البعض، لأن لا أحد يعلم ما قد يحدث لأي منهم، وهذه الخيام هي الملاذ الأخير للبعض الذين قد يذهبون للتغطية الصحفية ولا يعودون أبدًا، أو ينتهي بهم الأمر بإصابات خطيرة".
واختتم فؤاد حديثه قائلاً: "الجزء الأسوأ هو أن تجد زميلك الذي كنت معه قبل دقائق من الذهاب إلى الميدان يعود إلى المستشفى في سيارة إسعاف كجثة هامدة بسبب هجوم إسرائيل، وللأسف أصبحت مثل هذه الصدمات والمآسي جزءًا من الحياة اليومية للصحفيين في غزة".
نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع المركز الدولي للصحفيين.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Unsplash بواسطة آش هايز.