عمرو العراقي، هو صحفي مصري وكاتب صحفي، ومحاضر في جامعة تورنتو متروبوليتان في كندا.
وقد أسّس موقع إنفوتايمز المتخصص في صحافة البيانات والحائز على جوائز، وكان زميلاً سابقًا في برنامج نايت التابع للمركز الدولي للصحفيين. وأصدر مؤخرًا كتابًا جديدًا يتناول مهارات البرمجة بلغة بايثون للصحفيين.
تحدث العراقي مع شبكة الصحفيين الدوليين عن بداياته في مجال الصحافة، وعن الإعلام في الشرق الأوسط وكندا، بالإضافة إلى مشروع كتابه الجديد والعديد من الموضوعات الأخرى.
فإليكم نص الحوار:
هل يمكنك أن تخبرني بإيجاز عن خلفيتك؟
درستُ إدارة الأعمال في الجامعة، حيثُ تعلمت خلالها مجالي الإحصاء والاقتصاد. وفي ذلك الوقت، كانت الكتابة هي مهاراتي الأبرز، والتي دفعتني إلى دخول عالم الصحافة. وقد بدأتُ العمل كمحرر اقتصادي في صحيفة محلية متخصصة في الأسواق المالية، حيث تعلّمتُ مبادئ المهنة وقواعدها. وساعدتني خلفيتي في الإحصاء على تحليل البيانات وقراءة البيانات المالية للشركات، مما مكّنني من إعداد تقارير مُعمقة عن أسعار الأسهم واتجاهات السوق.
وفي الوقت نفسه، كنت دائمًا متحمسًا لاكتشاف كيف يُمكن للبيانات أن تكشف عن الأنماط الخفية في المجتمع. وغالبًا ما أصف مسيرتي المهنية بأنها مزيج من الفضول الدائم والشغف بالسرد القصصي، مما دفعني لتأسيس موقع إنفوتايمز- فريق صحافة البيانات الحائز على جوائز، والتعاون مع منظمات مختلفة، وذلك من أجل تعزيز دور التحليل المستند إلى البيانات المنشورة في الوسائل الإعلامية.
وعلى الصعيد الأكاديمي، تطورت مسيرتي المهنية لتشمل جانبًا تعليميًا، إذ أصبحتُ محاضرًا في جامعة تورنتو متروبوليتان، وأجد متعتي الحقيقية في تبسيط المفاهيم المعقدة وجعلها في متناول الجميع، كما أركّز على كيفية ربط البيانات بالقصص الإنسانية لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع. وأرى نفسي "راويًا للقصص المستندة إلى البيانات"، مقتنعًا بأن الجمع بين التفكير التحليلي والتعاطف الإنساني هو ما يجعل الصحافة قادرة على توسيع آفاقنا وتعميق فهمنا للعالم من حولنا.

كيف بدأت مسيرتك في المجال الصحفي؟
بدأت مسيرتي الصحفية في عام 2004 كمحرر اقتصادي، ثم انتقلت إلى الصحافة الرقمية في مجموعة MBC، وبعدها عملت محررًا رئيسيًا للأخبار في القسم العربي في موقع ياهو. وبالرغم من قيامي بهذه التجارب، إلا أن انطلاقتي الحقيقية كانت بعد عودتي من الرحلة التي نظمها المركز الدولي للصحفيين إلى الولايات المتحدة في عام 2014، حيث زرت خلالها عددًا من أبرز غرف الأخبار الأميركية، وهي التجربة التي ألهمتني كثيرًا.
ومن أبرز التجارب التي تأثرت بها هي رؤية كيفية دمج البيانات مع السرد القصصي، حتى في تغطية الموضوعات التي تتناول أمرًا روتينيًا مثل تساقط الثلوج. وكان من المدهش أن أرى صحفيين في مؤسسات مثل واشنطن بوست يستخدمون البرمجة لإنتاج قصص تفاعلية مستندة إلى البيانات، كما أن رؤية الدمج بين البيانات والتكنولوجيا، والسرد القصصي جعلني أدرك أن الصحافة لا يقتصر دورها على نقل الحقائق فقط، بل إنها تتعلق باكتشاف المعاني العميقة وذلك من أجل إثارة التعاطف وإحداث التغيير الإيجابي.
ولقد أدركت أهمية ذلك مما دفعني لتطوير مهاراتي في تحليل البيانات، والتمثيل البصري للبيانات، واستخدام الأدوات مفتوحة المصدر، وهو ما قادني في النهاية إلى تأسيس موقع إنفوتايمز، وتبنّي قوة السرد القصصي القائم على الأدلة بشكل كامل.
لماذا قررت أن تصبح صحفيًا؟
لطالما آمنت بأن التعاطف هو جوهر السرد القصصي المؤثر. وبالنسبة لي أرى أن الصحافة تعتبر وسيلة لتوسيع نطاق تعاطفنا الجماعي، وذلك من خلال كشف الحقائق وإبراز الأصوات المهمشة، وبالتالي مساعدة الناس على فهم بعضهم البعض بشكل أوضح، كما نعمل على سد الفجوات التي قد تبقى خفية لولا قيامنا بذلك.
كان قراري بأن أصبح صحفيًا نابعًا من رغبتي في أن أكون أكثر من مجرد مراقب للعالم. أردت أن أتفاعل معه، وأكشف تعقيداته، وأن أنقل القصص التي تعبّر عن إنسانيتنا المشتركة. وفي النهاية، أرى الصحافة بأنها وسيلة لنشر التعاطف، وفتح باب الحوار، والمساهمة في الصالح العام.
بالنسبة للمراقبين الدوليين المهتمين بمتابعة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، هل هناك منصات إعلامية ناطقة باللغة الإنجليزية تُوصي بمتابعتها؟
أعتقد أنه لا يوجد مصدر واحد يمكن اعتباره "الأفضل"، فمتابعة عدة وسائل إعلامية هو الأسلوب الأمثل للحصول على صورة متوازنة. وكل مؤسسة إعلامية تغطي أخبار المنطقة من وجهة نظرها الخاصة، والتي تتأثر بسياساتها التحريرية أو مواقفها السياسية.
وبالرغم من ذلك، فإنني أُفضل دائمًا وكالات الأنباء مثل رويترز والأسوشيتد برس لأنها تُقدّم تقارير إخبارية مباشرة وبسيطة، أما القنوات مثل بي بي سي، وسي إن إن، وسكاي نيوز ، فتبث لقطات حيّة أراها قيّمة جدًا. وبالنسبة لي، أثق أكثر بما أراه مباشرة على الهواء بدلًا من التحليلات المنقولة، ولهذا أعتمد كثيرًا على البث المباشر. وعندما تجمع بين هذه المصادر – المشاهد الحيّة والتحليل المنسق– ستحصل على فهم أعمق لما يحدث فعليًا على أرض الواقع.
كيف تصف المشهد الإعلامي في كندا؟
يتميز المشهد الإعلامي في كندا بالحيوية والتنوع. وهناك قنوات عامة مثل CBC تُعطي التغطية الإعلامية المتعمقة والإقليمية في مرتبة الصدارة، إلى جانب الوسائل الإعلامية الخاصة مثل CTV، وGlobal News، والتي تُقدم رؤى تحريرية متنوعة. كما أن هناك إقبالاً متزايدًا على الصحافة الرقمية، والمدفوعة بالبيانات، مما يعكس ثقافة كندا الداعمة للابتكار والشمولية.
نعم، هناك تحديات مثل خفض التمويل واحتكار الشركات الكبرى، لكن في المقابل توجد تقاليد قوية في استقلالية الصحافة. عمومًا، يتميز الإعلام الكندي باحترام التغطية الصحفية المتوازنة، وتشجيع الأصوات الجديدة على المشاركة في الحوار، والدفاع عن حرية الصحافة.
كيف ساعدتك شبكة الصحفيين الدوليين في تطوير مسيرتك المهنية؟
لقد حدث تحوّل كبير في مسيرتي المهنية عندما وجدت فرصة تدريبية في الإعلام الرقمي والتي نظمها المركز الدولي للصحفيين. تقدّمت بطلب وشاركت في برنامج مكثف عبر الإنترنت، تبعته معسكرات تدريبية في كل من الأردن والمغرب والتي ركّزت على الأدوات الرقمية. وكانت المحطة الأبرز هي فوزي برحلة إلى الولايات المتحدة لمدة شهر — وكل ذلك بفضل فرصة تدريبية واحدة وجدتها منشورة على موقع شبكة الصحفيين الدوليين. غالبًا ما أقول إن هذه التجربة غيّرت مساري المهني تمامًا، وأوصي الزملاء دائمًا بمتابعة الفرص المنشورة على شبكة الصحفيين الدوليين.
ولم تكن شبكة الصحفيين الدوليين مجرد منصة لنشر الفرص، بل كانت سببًا رئيسيًا في تطور أدائي المهني، كما ساعدتني المنح، والزمالات، بالإضافة إلى ورش العمل والمؤتمرات المتخصصة في الوصول إلى موارد مهمة والتواصل مع شبكة عالمية من الصحفيين المهتمين بالسرد القصصي المستند إلى البيانات. وبالعودة إلى تلك المحطات، فقد لعبت شبكة الصحفيين الدوليين دورًا محوريًا في ربط اهتمامي بالإعلام الرقمي بمجتمع عالمي من الصحفيين الذين يشاركونني الرؤية نفسها.
لقد نشرتَ مؤخرًا كتابًا. هل يمكنك إعطائنا نبذة عنه؟
أصدرتُ مؤخرًا كتابًا بعنوان "مهارات بايثون لصحفيي البيانات". والهدف من هذا الكتاب يكمن في تبسيط البرمجة للصحفيين. فالبيانات قادرة على تعزيز قوة تأثير القصة الصحفية، إلا أن الكثيرين يتجنبونها لأنهم يظنون أن البرمجة تقنية معقدة. ويشرح هذا الكتاب لغة بايثون من خلال أمثلة تطبيقية سهلة ومتصلة مباشرةً بالمهام الصحفية مثل جمع البيانات، وتنظيفها، وتحليلها، وفي النهاية تحويلها إلى سرد صحفي مؤثر.
أتمنى أن يكتشف الصحفيون والمحررون، وحتى الوافدون الجُدد إلى هذا المجال، أن السرد القصصي المستند إلى البيانات ليس معقدًا كما يظنون، وأن البرمجة ليست سوى أداة فعّالة أخرى يُمكنهم إضافتها إلى أدواتهم في السرد القصصي.
هل لديك نصائح أخرى للصحفيين الطموحين؟
أنصح بأن تبدأ بالتعاطف. الصحافة في الأساس تدور حول الناس، لذلك كن دائمًا منفتحًا على الجانب الإنساني في كل قصة ترويها، سواء كانت مستندة إلى البيانات أو على الروايات الشخصية. وبعد ذلك، فلا تخف من تجربة أدوات وتقنيات جديدة؛ فالعالم الرقمي زاخر بفرص السرد القصصي المبتكر.
واختتم العراقي حديثه قائلاً إنه يجب أن تعلم بأن هذه الأدوات صُممت لخدمة فضولك وتعاطفك، لا لطمسهما. اطلب الإرشاد، وتعلّم باستمرار، وكن قادرًا على التكيُف. وأخيرًا، ثق بحدسك، ولكن تأكد من الحقائق، والتزم بتطبيق معياري الدقة والمساءلة. فكلما استطعت أن توازن بين الجانب الإنساني والأدلة الموثوقة، ازدادت قوة وتأثير أعمالك الصحفية.
الصور المنشورة في المقالة مأخوذة من سلمى الدسوقي.