التعامل مع المتصيدين: نصائح للصحفيين الذين يتعرضون للمضايقات الإلكترونية

Jan 29, 2025 في السلامة الرقمية والجسدية
صورة بالأبيض والأسود لشخص يستخدم جهاز الكمبيوتر وفوجي بأنه تعرض للهجوم

أولاً، كانت هناك رسائل غاضبة، تلتها رسائل بريد إلكتروني مُسيئة، ثم تصاعدت حملات التحرش العلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحملات التشهير وتسريب المعلومات الشخصية - مثل الكشف الخبيث عن بعض المعلومات مثل عناوين المنازل، وأرقام الهواتف والتي تستهدف بشكل غير متناسب الفئات المُهمشة بالفعل.

ووفقًا لمسح عالمي أجراه المركز الدولي للصحفيين لصالح اليونسكو عام 2020، تعرضت ثلاث من كل أربع صحفيات للعنف عبر الإنترنت، مع تصاعد المخاطر على المجتمعات المنتمية للأقليات، كما بدأت تهديدات ناشئة مثل تقنية التزييف العميق، تضيف بُعدًا جديدًا ينطوي على مخاطر جسيمة.

من جانبها، قالت إيلا ستابلي، مستشارة الأمن الرقمي في لجنة حماية الصحفيين: "إنّ التصيد الإلكتروني الذي يذكرنا بصورة الشخص الوحيد الذي يكتب على لوحة المفاتيح، أصبحت فكرة عفا عليها الزمن". وأضافت إيلا قائلةً: "نرى تطورًا في أساليب الإساءة عبر الإنترنت التي تستهدف الصحفيين والوسائل الإعلامية، وذلك بهدف دفعهم إلى عدم الاتصال بالإنترنت، وتغيير طريقة السرد حول موضوع معين، وتقويض حرية الصحافة، وزرع الشك لدى الجماهير". وتشمل هذه التكتيكات التصيد الإلكتروني المدعوم من الدولة، واستخدام المعلومات المُضللة والمغلوطة لقمع الأخبار الموثوقة.

إنّ العنف الرقمي ــ وهو المصطلح الذي يُعبر بشكل أفضل عن حجم هذه الهجمات ــ يعكس أحيانًا التوترات المجتمعية والسياسية. ويهدف هذا النمط من العنف إلى السيطرة على الخطاب العام، مما يؤثر على الصحة النفسية للصحفيين، وشعورهم بالأمان، وقدرتهم على أداء وظائفهم. وقد تؤدي الحسابات المُخترقة، وفقدان القدرة على الوصول إلى الأدوات، والحملات الممنهجة إلى إسكات الصحفيين أو تدفعهم إلى ترك المهنة.

أصبحت المشكلة أكثر انتشارًا، وفي هذا الصدد، تقول ستابلي: "كنا في الماضي قادرين على التنبؤ بمن سيتعرض للإساءة، وعلى سبيل المثال، أولئك الذين يقومون بتغطية قضايا السياسة أو الفساد". أما الآن، فلم يعد أي مجال آمن، وخاصة عندما تكون هناك مجموعات كبيرة تشعر بقوة آرائها، سواء كانوا من مروجي نظريات المؤامرة أو ينتمون لجماهير الرياضة أو الموسيقى.

غالبًا ما يبحث المتصيدون عن التفاصيل الشخصية للصحفي ويشاركونها في مجتمعات مُنظمة، مما يؤدي إلى مخاطر جسيمة قد تستمر لأيام أو حتى أسابيع. وأوضحت ستابلي: "تأتي هذه الهجمات عادةً على شكل موجات متقطعة"، مضيفةً: "وبالنسبة للنساء، تكون الأمور أسوأ بكثير؛ لأنهن يتلقين تهديدات عنيفة ذات طابع جنسي، إضافةً إلى تهديدات تستهدف أسرهن، وهو ما لا نراه كثيرًا مع الصحفيين الذكور".

نيكولا كيلي، وهي صحفية حائزة على جوائز ومُقيمة في لندن، تغطي شؤون الهجرة واللجوء في المملكة المتحدة ومؤلفة كتاب "أي مكان سوى هناوصفت تجربتها مؤخرًا مع التحرش الإلكتروني. وبعد نشرها لمقطع فيديو حصلت عليه من مصدر أثناء أعمال شغب لليمين المتطرف خارج فندق يأوي طالبي اللجوء في عام 2023، وصفها المتصيدون بأنها "خائنة"، وسرّبوا رقم هاتفها الشخصي، وهاجموها هي وطفلها. حتى أن أحد المهاجمين ادّعى معرفته بموقع حضانة طفلها.

وفي هذا السياق، قالت نيكولا: "لقد كنتُ سريعة جدًا في تجاهل الإشارات التحذيرية، معتقدةً أنهم لن يلاحقوا صحفية، وأنني محمية بشكل كاف من قبل المحررين والشرطة"، مُضيفةً: "أدركتُ الآن أنّ الأمن الشخصي يُعد مسؤولية فردية". الآن، تَتبع نيكولا نهجًا استباقيًا للأمن، مدركةً أنّ هناك طرقًا عملية للاستعداد للمخاطر والتخفيف منها.

ومن خلال الاستعانة برؤى كل من كيلي وستابلي، إليكم مجموعة من الإستراتيجيات التي تساعدك على حماية نفسك والتعامل مع أي هجوم مُحتمل:
حماية نفسك قبل الهجوم
ينبغي عليك أن تتصرف قبل وقوع أي هجوم، ولكن إذا ظهرت تهديدات، فهذه هي الإجراءات التي يمكنك اتخاذها  لتقليل الأضرار.
حضورك الرقمي
ابحث عن نفسك في محركات بحث متعددة باستخدام طرق متقدمة مثل المصطلحات المنطقية لمعرفة المعلومات المُتاحة عنك. ونصحت ستابلي: "ابحث عن اسمك الكامل - الاسم الأول والأخير بالأحرف الكبيرة- بين علامتي الاقتباس، وأي بيانات أخرى شخصية، مثل رقم الهاتف أو عنوان المنزل"، كما أوصت بمراجعة والتحقق من البيانات الحساسة أو غير الضرورية  وإزالتها بانتظام على الأقل مرتين  في السنة.

راجع حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد من أنها لا تكشف عن تفاصيل شخصية مثل تاريخ ميلادك،  أو أماكنك المفضلة، أو صور عائلتك. وحذرت ستابلي "من الناحية الأمنية، يعتبر الجمع بين الأنشطة الشخصية والمهنية في حساب واحد ممارسة سيئة"، مضيفةً: "إذا تمكن شخص ما من الوصول إلى تلك المعلومات، فقد يصل إلى جميع جوانب حياتك"، وبالتالي حافظ على خصوصية حساباتك الشخصية وأن تكون الحسابات المهنية مُخصصة لعملك فقط.
كن مستعدًا للأسوأ
توقع لاحتمالية التعرض للكشف عن معلوماتك الشخصية من خلال تحديد المكان الذي ستتجه إليه، والأشخاص الذين ستتواصل معهم، والإجراءات التي ستتخذها. قم بإبلاغ جهات اتصال موثوقة، مثل العائلة أو الأصدقاء أو المحررين، الذين يُمكنهم تقديم الدعم لك.

عندما تعرضت كيلي للاستهداف، قامت هي وعائلتها بتركيب أجهزة أمان إضافية في المنزل وأبلغوا الشخص الذي يعتني بطفلهم بالوضع. يقترح مركز الاستجابة للعنف الإلكتروني تدابير إضافية.
آليات التعامل مع الهجوم
انتقل إلى إعدادات الخصوصية، وابتعد مؤقتًا عن الإنترنت
بعد الحادثة، قامت كيلي بإعادة ضبط إعدادات الخصوصية في حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فحوّلت حسابها على منصتي فيسبوك، وإنستجرام إلى الوضع الخاص، وأبقت وجودها على منصة إكس على العلاقات المهنية فقط. فكر أيضًا في الابتعاد عن المنصات الإلكترونية مؤقتًا. دع شخصًا تثق به يراقب حساباتك بحثًا عن أي تهديدات.

وأضافت ستابلي: "قد يكون من المفيد أيضًا إبلاغ الأسرة أو الأصدقاء أو المحرر، إذا كانت تربطك بهم علاقة من هذا النوع".
أدوات مهمة تساعدك إذا تعرضت للهجوم
منذ عام 2015، يُقدّم موقع TrollBusters أدوات وتدريبات للصحفيين الذين يتعرضون للهجوم، بما في ذلك Navigator وهو برنامج دردشة جديد مدعوم بتقنية الذكاء الاصطناعي، والذي تم تصميمه لتقديم إرشادات عملية قائمة على التعاطف مع المستخدمين، وذلك من أجل تعزيز السلامة والوصول إلى الموارد القانونية والمهنية.

كتبت د.ميشيل فيرير، مُؤسسة موقع TrollBusters عبر البريد الإلكتروني: "بدءًا من تصميم الإنفوجرافيك الخاص بالتهديدات، مرورًا بروبوت الدردشة على فيسبوك، ومقاطع الفيديو التوضيحية، وصولاً إلى هذا المساعد المدعوم بالذكاء الاصطناعي، نسعى دائمًا لإيصال المعلومات والنصائح الصحيحة للصحفيين التي يحتاجونها".
العمل مع الجهات الأمنية إن أمكن
قد يساعد الإبلاغ عن التهديدات للجهات الأمنية في إنشاء سجل مُوثق، على الرغم من أن فعاليته قد تختلف حسب المنطقة والظروف. وقالت كيلي المُقيمة في المملكة المتحدة: "قد لا تحتاج الشرطة إلى اتخاذ إجراء فوري، لكنها تستطيع توثيق تاريخ قضيتك".

إنّ توثيق التهديدات يُمكن أن يكون دليلاً للمحررين أو منظمات حرية الصحافة التي قد تُقدّم المساعدة. ولحماية صحتك النفسية، اطلب من شخص آخر التعامل مع هذه العملية إن أمكن ذلك.
اعتن بصحتك النفسية
يؤدي الابتعاد عن الإنترنت في التخفيف من حدة المضايقات، وفي هذا الصدد، قالت ستابلي: "يقضي الصحفيون الكثير من الوقت على الإنترنت، ويرتبطون بأجهزتهم بشكل كبير"، مضيفةً: "لكن ليس من الضروري أن تبقى معرضًا للإساءات طوال الوقت".

كما شجعت على وضع حدود فاصلة بين العمل والحياة الشخصية، مما يُعزز السلامة الرقمية والصحة النفسية.
حافظ على المرونة

على الرغم من التحديات، شجعت كيلي الصحفيين على المثابرة.

واختتمت كيلي حديثها قائلةً: "يلاحق المتصيدون الأشخاص الذين يكشفون الحقيقة"، مُضيفةً: "كن يقظًا بشأن أمنك الشخصي، ولكن كن واثقًا من أن ما تفعله يصُب في المصلحة العامة، وقد لا تدرك أبدًا التأثير الذي يُمكن أن يُحدثه تقريرك".
موارد مهمة لمساعدة الصحفيين:


الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Unsplash بواسطة سيرجي زولكين.