كما يعلم كل صحفي فالمقابلات تجعل القصص حقيقية، وتُقربنا من الحقيقة، وتمنح الأخبار صوتًا، وتمُد القراء بالتجارب المباشرة التي تُعمق فهمهم للعالم، كما توفر وجهات نظر مختلفة تُوضح تعقيدات الأحداث والقضايا والسرديات.
ومع ذلك، ليس من السهولة بمكان إجراء مقابلة لإعداد قصة، إذ قد يكون هناك صعوبة في التعامل مع مزيج الإنسانية والأخلاق والدقة، خاصة عند التشعب في الموضوعات الحساسة وإدارة ضيق الوقت.
وقالت الأستاذة المشاركة في جامعة سالزبوري ومؤلفة كتاب "كتابة المقالات وإعداد التقارير: الصحافة في العصر الرقمي"، جينيفر كوكس: "في كثير من الأحيان، نركز كصحفيين على الحصول على الأخبار فقط، وننسى أن نضع في اعتبارنا كيف يتم تمثيل مصادرنا أو كيف يريدون أن يتم تمثيلهم".
ولمساعدة الصحفيين على تحسين مهاراتهم في إجراء المقابلات، طلبت من كوكس والأستاذة المشاركة في جامعة جيمس كوك، والمؤلفة المشاركة لكتاب "إجراء المقابلات - دليل للصحفيين والكتّاب المحترفين"، إيمي فوربس، تقديم بعض الإرشادات.
وإليكم ما شاركتاه:
قم بإجراء أبحاث ما قبل المقابلة والمتابعة
وأوضحت فوربس: "قم بإجراء أكبر قدر ممكن من الأبحاث، حتى وإن كان ذلك يكمن في تصفح حساب الشخص على فيسبوك، قبل إجراء المقابلة". ولن يساعدك هذا على صياغة أسئلة أفضل فقط، ولكن سيساعدك على تطوير وسيلة فعالة لكسر الجمود وإقامة علاقة جيدة.
ومن أجل القصص الموسعة، فكر في إجراء المقابلات في أماكن مختلفة واستشارة مصادر إضافية مثل الأصدقاء والعائلة لمعرفة وجهة نظر أكثر شمولًا. ويُعد هذا التدقيق أمرًا بالغ الأهمية في العمل الاستقصائي.
وقالت كوكس: "قم بإجراء أبحاث ومقابلات المتابعة، وتحقق من المعلومات المُقدمة لك، ولا تخف من طرح الأسئلة الصعبة"، مضيفة "ربما يُمكنك إعادة الصياغة وطرح السؤال مجددًا، وإذا لم تحصل على إجابة بعد، ألفت الانتباه إلى ذلك، وحمّل مصدرك المسؤولية".
أظهر التعاطف
احترم الطريقة التي يرغب الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات أن يتم تمثيلهم بها، وخاصة في القصص التي تتطلب من مصادرك تحديد نوعهم أو عرقهم أو تفاصيل شخصية أخرى.
وقالت كوكس: "علينا إدراك أنّ مصادرنا يزودوننا بالمعلومات، ويخبروننا بقصتهم ويثقون في أن نسرد تلك القصة بالطريقة التي ينبغي أن تكون عليها أو بالطريقة التي يرونها بها". ومن ثم، فمن الأهمية بمكان التعامل مع رواياتهم بقدر من التعاطف والاهتمام، والتأكد من احترام آرائهم.
ضع قواعد أساسية واضحة
وضح القواعد الأساسية في وقت مبكر من عملية إجراء المقابلة، وكما نصحت فوربس فإنّه ينبغي عليك توضيح أنّ كل ما يقال أثناء المقابلة قابل للنشر، وتُساعد هذه الشفافية على إدارة التوقعات وتبني الثقة.
وفي حالة رغبة مصدر في التراجع عن معلومة، زن أهمية تلك المعلومات، وقالت فوربس: "إذا كنت تتوقع محاورة الشخص مجددًا، فمن الأفضل إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة".
اضمن المصداقية والأصالة
في الصحافة، تُعد المصداقية أمرًا بالغ الأهمية، ويمتد هذا إلى مكان المقابلة، ويُعزز إظهار أوراق الاعتماد، مثل الشارات أو بطاقات العمل، شرعيتك في عيون المصدر.
وشرحت كوكس: "بإمكان اقترابك من شخص ما وتقديم بطاقة العمل وتعريف نفسك وما تفعله تخفيف بعض الشكوك التي تتملك الناس عندما تقترب منهم، وقد يجعلهم أكثر ارتياحًا على الفور.
إنّ تأكيد هويتك ونواياك يضع أساسًا للثقة التي تُعد أمرًا ضروريًا لإجراء مقابلة صريحة وصادقة.
تعامل مع المقابلات على أنها محادثات
وأشارت كوكس أيضًا إلى أهمية الشعور بالراحة والألفة عند إجراء المقابلات، وخاصة بالنسبة للمبتدئين، مضيفة: "يُعد تذكر أنّ المقابلة مجرد محادثة يدّون فيها الشخص الملاحظات طريقة جيدة للتعامل مع قلق المُحاور".
ونصحت كوكس بالتدرب مع الأصدقاء أو المعارف، وبمرور الوقت، بإمكان هذا أن يخفف من قلقك من الحديث مع الغرباء، مما يسمح بإجراء حوار أكثر طبيعية وأصالة.
أنصت جيدًا واطرح أسئلة المتابعة
وترى فوربس أنّ الإنصات مهارة لا تُقدر بثمن، وغالبًا ما يغفل الصحفيون الناشئون عنها، فالأمر لا يقتصر على طرح الأسئلة فحسب، وإنّما استيعاب الإجابات بصدق، والسماح لها بتوجيه الحوار التالي.
ونصحت فوربس: "اطرح سؤالك بأي حال من الأحوال، ولكن استمع إلى الإجابة واطرح أسئلة المتابعة"، وعلى الرغم من احتمالية أن تكون أسئلة المتابعة تلك مرتجلة، إلا إنّه بإمكانها تقديم رؤى أعمق وأكثر ثراء وأوسع.
لا تستغل الحزن
تعامل مع المواقف الصعبة التي تتضمن الموت أو الفقد أو الصدمة بحساسية، واحترم الحالة العاطفية للأشخاص.
واقترحت فوربس "تصرف بطريقة أخلاقية، وفكر في الطريقة التي كنت سترغب أن تُعامل بها إذا كان الشخص الذي تتم محاورته هو أنت أو عائلتك"، مضيفة "في الظروف الصعبة خاصة، لا تستغل الحزن".
لا تعتمد على المقابلات الرقمية فقط
وأشارت كوكس إلى حدوث انخفاض كبير في مهارات التعامل مع الآخرين بعد جائحة كوفيد-19، موضحة "نحن لا نريد التحدث إلى الناس وجهًا لوجه أو عبر الهاتف، ويكون من الأسهل بكثير إجراء مقابلة عبر البريد الإلكتروني، ولكن تُفقد الكثير من الأمور بهذه الطريقة".
وعلى الرغم من اعتراف كوكس بالراحة الناجمة من إجراء المقابلات الرقمية، إلا إنّها تنصح بعدم إجرائها، موضحة "تُدمر أصالة المقابلة، وتُعطي المصادر الكثير جدًا من الوقت للتخطيط والتفكير قبل تقديم إجاباتهم".
استخدم المنصات الإلكترونية وخدمات الرسائل كنقاط اتصال أولية، ولكن اجمع قصصك عبر المقابلات الشخصية أو الهاتف لتتمكن من التقاط العواطف والفروق الدقيقة بصورة أفضل.
لا تبدأ بالأسئلة الجدلية/الصعبة
إنّ بدء المقابلة بطرح الأسئلة المثيرة للجدل أو الصعبة قد يُعرض المقابلة بأكملها للخطر.
وقالت فوربس: "لا تبدأ بطرح الأسئلة الصعبة أو المثيرة للجدل على الفور إذ قد ينسحب الشخص"، مضيفة "هذا الأمر له أهمية خاصةً فيما يتعلق بالمقابلات المسجلة أو المصورة بالفيديو، وتذكر أنّه ليس لديك أي برنامج إذا لم يكن لديك لقطات، ومن الأفضل طرح بعض الأسئلة قبل طرح الأسئلة الصعبة".
وعلى الرغم من وجود الاستثناءات، مثل التفاعلات المرتجلة والموجزة، يُعد الحفاظ على النهج المُتفهّم والاستراتيجي أمرًا حكيمًا بشكل عام.
لا تقاطع أو تطرح الأسئلة الموجهة
وقالت كوكس: "أحد أكبر الأخطاء هي مقاطعة مصادرنا"، وقد يُشكل هذا الأمر مشكلة خاصةً في مقابلات البث إذ إنّ المقاطعة قد تؤدي إلى أن يصبح المقطع غير صالح للاستخدام.
قم بإجراء المحادثة بصورة طبيعية، وتجنب طرح الأسئلة الموجهة. وضربت كوكس مثالًا: "تُجري مقابلة مع رياضي وتقول (مرحبًا.. لقد كانت تلك مباراة سهلة حقًا.. أليس كذلك؟)، وبذلك فأنت توجه الرياضي ليقول (نعم.. لقد كانت سهلة للغاية!)، وتحاول أن تجعله يمنحك الإجابة التي تحتاجها". إنّ هذا الأمر قد يصورك على أنك صحفي متحيز، وقد يتلاعب برواية الشخص الذي تحاوره.
لا تتجاهل التفاصيل والعلاقات مع الآخرين
دوّن الملاحظات الدقيقة، وتأكد من دقة الأسماء والمسميات، وكن مهذبًا مع الجميع بما في ذلك العاملين في المكتب. وقالت فوربس: "ليس هناك ما هو أسوأ من إجراء مقابلة رائعة، وكتابة قصة رائعة، ثم تهجئة اسم الشخص بشكل خاطئ أو قول المسمى الوظيفي الخطأ".
إنّ التأكد من صحة كل التفاصيل يؤكد مدى احترافية ومصداقية المؤسسة التابع لها. وتذكر أيضًا الحفاظ على العلاقات الودية مع الموظفين الإداريين أو موظفي العلاقات العامة إذ إنّهم البوابة الرئيسية للأشخاص المحتمل محاورتهم.
لا تنتهك السرية
حافظ على سرية المعلومات غير المُقدمة للنشر والمصادر.
وأشارت فوربس: "ترتبط جودتك بمصادرك وسمعتك فيما يتعلق بالحفاظ على الأسرار، إذ لا يرغب الأشخاص في التحدث مع صحفي لا يثقون فيه".
وفي النهاية، لا يُدمر فقدان الثقة سُمعتك فحسب، وإنما يُغلق أيضًا أي خطوط مستقبلية للتواصل.
الصورة حاصلة على رخصة الاستخدام على انسبلاش بواسطة جونا دي أوليفيرا.