هذه المقالة نُشرت في الأصل كمورد في مجموعة أدوات وسائل الإعلام في المنفى التي نقدمها، والتي أُنتجت بالشراكة مع شبكة وسائل الإعلام في المنفى، وبدعم من صندوق جويس بارناثان للطوارئ للصحفيين.
شهدت نيكاراجوا نزوحًا جماعيًا للمواطنين بسبب أزمة سياسية لا يبدو أنّ لها نهاية وشيكة وذلك على مدى السنوات الخمس الماضية، وفرّ مئات الآلاف من الأشخاص من العنف، والفقر، ومضايقات الحكومة خلال تلك الفترة القصيرة من الزمن.
واستنادًا إلى بيانات صادرة من الأمم المتحدة، يُقدر باحثون مثل مانويل أوروزكو، مدير برنامج الهجرة والتحويلات المالية والتنمية في الحوار بين الأميركيتين، أن ما يقرب من 22% من سكان نيكاراجوا، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 6.8 مليون نسمة، يعيشون في الخارج اليوم.
ولم يقتصر تأثير النزوح الكبير الذي تسببت فيه الأزمة السياسية على آثار اجتماعية واقتصادية وسياسية خطيرة على نيكاراجوا فحسب، بل امتدت آثاره ليشمل تغيرًا في احتياجات الناس إلى المعلومات، سواء بالنسبة لأولئك الذين فروا إلى الخارج أو الأشخاص الذين ظلوا في البلاد.
لقد وجدت مؤسسة كونفيدينسيال الإعلامية المستقلة في نيكاراجوا، والتي تتخذ من المنفى في كوستاريكا مقراً لها، أن حركة المرور على موقعها الإلكتروني من الولايات المتحدة وكوستاريكا وإسبانيا- وهي البلدان التي استقرت فيها مجتمعات المهاجرين النيكاراجويين لعقود من الزمن- قد زادت بشكل ملحوظ. كما شهدت ارتفاعًا في نسبة القراء الذين ما زالوا في نيكاراجوا، حيث سعى المواطنون إلى الحصول على معلومات موثوقة وسط الرقابة التي تسعى إدارة دانييل أورتيجا إلى فرضها.
تشكل خدمة هذين المجتمعين- الشتات والوطن الأصلي- تحديًا مزدوجًا لوسائل الإعلام في المنفى. كيف يمكنك البقاء على صلة بالمجتمعين؟ هل لديك القدرة على القيام بذلك؟ ومن الناحية المثالية، ينبغي أن تكون هناك محادثة صادقة ومفتوحة حول القدرة التشغيلية والأولويات التحريرية لتحقيق أي استراتيجية لخدمة هذين الجمهورين.
هكذا استجبنا في مؤسسة كونفيدينسيال، وهي عضو في شبكة وسائل الإعلام في المنفى (NEMO)، لاحتياجات المعلومات لدى النيكاراجويين الذين اكتشفوا علامتنا التجارية بسبب الأزمة السياسية، وأولئك الذين كانوا يستهلكون محتوانا بالفعل ولكنهم اضطروا إلى مغادرة البلاد - كما فعلنا نحن كإعلاميين محترفين - بحثًا عن الأمان.
كيف تخدم جمهورك في الخارج؟
اخلع قبعة الصحفي وفكر في نفسك كمواطن يعيش في الخارج
باعتبارك صحفيًا في المنفى، فأنت مهاجر أيضًا، وتعرف أيضًا الصعوبات التي تواجهها عند الاستقرار في بلد جديد.
اسأل نفسك: ما المعلومات التي كنتُ ترغب في معرفتها عندما بدأت رحلة اندماجك أو تجنيسك في البلد الجديد؟، وما نوعية الموضوعات التي تناقشها مع الأصدقاء والمعارف؟ هل تتابع الأخبار، وهل ترى مجتمعك ينعكس في تلك التغطية؟
وعندما انتقلت الصحفية النيكاراجوية سيندي ريجيدور إلى كوستاريكا في عام 2015، لاحظت أنّ التغطية الإعلامية للجالية النيكاراغوية المُهاجرة في بلدها الجديد قليلة جدًا، ولم تنعكس الحياة اليومية للمهاجرين في الأخبار، ولم يكن هناك تحليل لصراعاتهم أو تقارير منشورة عن مساهماتهم في المجتمع.
وتتذكر ريجيدور أن هذا الوضع لم يكن منطقيًا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن النيكاراجويين يشكلون 10% من سكان كوستاريكا. وبحلول نهاية عام 2023، مثلت التحويلات المالية حوالي 30% من إجمالي الناتج المحلي في نيكاراجوا، وجاء 20% منها من كوستاريكا.
وللتواصل مع هذا الجمهور، عرضت ريجيدور منتجًا جديدًا على موقع كونفيدينسيال، وهو إنشاء قسم للوسائط المتعددة على الموقع الإلكتروني والذي يهدف إلى تضخيم أصوات المهاجرين النيكاراجويين، وقد لاقت الفكرة استحسانًا من المحررين، وأطلقت ريجيدور نيكاس ميجرانتيس في عام 2021.
وأُطلق القسم الجديد في وقت ساد فيه الإرهاق من الأخبار بسبب تغطية جائحة كوفيد-19 والأزمة السياسية في نيكاراجوا، ونتيجة لذلك، اتبعت نيكاس ميجرانتيس نهجًا شاملاً في أجندتها التحريرية، والذي يعتمد على تقديم تحقيقات متعمقة عن حقوق الإنسان، ومقالات إرشادية عن إجراءات الهجرة، بالإضافة إلى نشر قصص عن ريادة الأعمال، والثقافة، والطعام.
ولقد أثبتت نيكاس ميجرانتيس شعبيتها بين جمهور كونفيدينسيال منذ إطلاقها، وفي هذا الصدد، قالت ريجيدور: "يجب أن نفخر بالجهد الإضافي الذي بذلناه لتقديم خدمة للجالية النيكاراجوية المُهاجرة، وذلك في خضم الأوضاع الحرجة ومحاولتنا للصمود في المنفى"، مضيفةً: "نقوم بتغطية أكثر إنسانية لهذه المجتمعات، مع فريق معروف بتقديمه للقصص المتعمقة التي توفر الكثير من السياق للقراء، بالإضافة إلى التحليل المناسب للإحصائيات.
بناء مجتمعات افتراضية
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، اكتشفنا في كونفيدينسيال أن الأحداث الافتراضية توفر لجمهورنا فرصًا لطرح الأسئلة ومناقشة القضايا التي قد يخشون من التطرق إليها وجهًا لوجه، لأنّ المخاطر المترتبة على ذلك مثل مناقشتها في التجمعات العائلية أو في أماكن العمل مرتفعة للغاية، نظراً لأن حكومة أورتيجا تضايق وتلاحق أي شخص -بمن فيهم الأقارب- يتحدى الرواية الرسمية للنظام.
وفي ظل هذه الظروف، فإنّ إنشاء مجتمع افتراضي يركز على الأمان والنقاش، يُعد أمرًا بالغ الأهمية للأسباب التالية:
إنه يبني الجسور بين جمهوري الوطن والشتات: في بداية الأزمة السياسية في نيكاراجوا، كان هناك جدل حول "شجاعة" الأشخاص الذين بقوا في البلاد و"جبن" من اضطروا إلى الرحيل، ويمكن للأحداث الافتراضية أن تساعد في مواجهة هذا السرد، وذلك من خلال الجمع بين المجتمعات المحلية، والمجتمعات في الخارج للمناقشة وفهم بعضهم البعض بشكل أفضل.
إنه يعزز التفاعل والمشاركة ويساعد غرفة الأخبار على تحديد القصص الإخبارية: عُقدت ندوة عبر الإنترنت للإعلان عن تدشين نيكاس ميجرانتيس، والتي تمت فيها دعوة شخصيات نيكاراجوية بارزة لمناقشة تجاربهم في الهجرة، وشارك حوالي 600 شخص وأبدوا آراءهم حول الموضوع؛ وكان هذا التفاعل واحدًا من أعلى مستويات المشاركة التي سجلناها. بعد الندوة، تمكنت نيكاس ميجرانتيس من تحديد المصادر المُحتملة من بين المشاركين، وتطوير تغطية إخبارية تستند إلى هذه الاتصالات.
ستظل دائمًا على اتصال بجمهورك: يمكنك تعزيز عدد متزايد من "محبي العلامة التجارية" من خلال أخذ الطلبات من جمهورك وتحويلها إلى منتجات ومبادرات لتلبية احتياجاتهم، ولن يكون هؤلاء القراء متحمسين للمشاركة في أحداثك الافتراضية أو المباشرة فحسب، بل سيقومون بالتوصية بها أيضًا لأقاربهم وأصدقائهم، وزملائهم. على أي حال، هل هناك وسيلة أكثر فعالية من التوصيات الشخصية؟
كيفية خدمة الجماهير في وطنك
يُعد البقاء على صلة بجمهور الوطن رغم البُعد عن مشاكلهم وتحدياتهم اليومية، هدفًا صعبًا بالنسبة لوسائل الإعلام في المنفى. وقد شارك مدير مؤسسة كونفيدينسيال كارلوس، فرناندو تشامورو، بعض النصائح حول هذا الموضوع في محاضرة ألقاها في معهد رويترز لدراسة الصحافة في مارس/آذار 2023:
تطوير إستراتيجية لبناء شبكة من المصادر
هناك تعطش لمعرفة ما يحدث داخل النظام في نيكاراجوا، وستتمكن من تقديم هذا النوع من المعلومات إذا كانت لديك علاقات قوية مع مصادر موثوقة من داخل الحكومة والقطاعات الرئيسية الأخرى، وقد ترغب العديد من هذه المصادر في عدم الكشف عن هويتها، لذلك ستحتاج إلى التحقق بعناية من المعلومات التي تتلقاها منها والتأكد من صحتها.
قم بتوسيع قدرتك على المراقبة والتغطية الصحفية من خلال شبكة من المتعاونين في بلدك الأم
قد تكون هذه واحدة من أهم الاستراتيجيات طويلة المدى لوسائل الإعلام في المنفى. فإذا كنت مُقيمًا في الخارج، فأنت بحاجة إلى شخص تثق به ليكون بمثابة عينيك وأذنيك داخل البلد الذي تغطيه.
ومن المهم أيضًا تخصيص الموارد من أجل مراقبة والتحقق من صحة هذا الكم الهائل من المعلومات والمحتوى المتعدد الوسائط المُتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويجب على الصحفيين وفريق التواصل الاجتماعي أن يحصلوا على الدورات التدريبية اللازمة للقيام بذلك بفعالية.
وفي هذا الصدد، حذر تشامورو من خطورة وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً "إنها تمثل وسيلة استثنائية لتجاوز الرقابة، ولكنها أصبحت أيضًا مساحة لنشر المعلومات المُضللة، والاستقطاب السياسي مما يجعلها منافسًا للصحافة المستقلة".
السعي نحو الإبتكار في المنصات الرقمية والتقليدية
من الصعب تحقيق ذلك في المنفى: اجلس مع فريقك لتحديد ما يعنيه الابتكار بالنسبة لكم، وكيف ترغبون في تحويله إلى واقع. والقيام بذلك بشكل فعال سيساعدكم على مواجهة دعاية النظام، والمعلومات المُضللة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأردنا تقديم منتجات تساعد المواطنين على ممارسة حرياتهم السياسية في كونفيدينسيال، ولهذا السبب، أنشأنا اختبار البوصلة السياسية الذي يحقق هذا الهدف بطريقة آمنة، وخاصة، وممتعة.
التعاون مع وسائل إعلامية أخرى في بلدك، منطقتك، أو على مستوى العالم
سيساعدك هذا على تقديم معلومات عالية الجودة للقراء الذين يحتاجون إلى فهم البيئة التي يعيشون فيها بشكل أفضل.
وعلى سبيل المثال، بفضل قيادة ريجيدور، تعاونت كونفيدينسيال مع وسيلتي إعلام في كوستاريكا لنشر تحقيقات حول حقوق الإنسان، وتنظيم مبادرات لبناء المجتمع في المدن الواقعة على طول نهر سان خوان، وهي الحدود الطبيعية التي يتعايش فيها النيكاراجويون والكوستاريكيون مع بعضهم البعض.
وبغض النظر عن المبادرات التي تُقرر تنفيذها، تذكر دائمًا أنك موجود لخدمة جمهورك، ويجب عليك أن تضع نفسك مكانهم، وبالرغم من أن الصحفيين يحددون عادة الأجندة التحريرية، إلا أنّ المحتوى يجب أن يكون مُوجهًا دائمًا لتلبية احتياجات من يجعلون وسيلتك الإعلامية ممكنة: القراء.
سينثيا ميمبرينيو هي مُنسقة شبكة وسائل الإعلام المنفية (NEMO) وشغلت سابقًا منصب مديرة ولاء الجمهور في Confidencial، وهي مؤسسة إعلامية نيكاراجوية منفية مقرها في كوستاريكا منذ عام 2019.