هذه المقالة نُشرت في الأصل كمورد في مجموعة أدوات وسائل الإعلام في المنفى التي نقدمها، والتي أُنتجت بالشراكة مع شبكة وسائل الإعلام في المنفى، وبدعم من صندوق جويس بارناثان للطوارئ للصحفيين.
لقد كان السيناريو الأسوأ. ففي ليلة 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، داهمت الشرطة في نيكاراجوا مكاتب كونفيدينسيال، وهي وسيلة إعلامية مستقلة مقرها في العاصمة ماناجوا، وصادرت أجهزة الكمبيوتر، ووثائق، ومعدات تلفزيونية وغيرها من المتعلقات. وفي اليوم التالي، احتل ضباط الشرطة غرفة الأخبار، ولم يعيدوها أبدًا إلى كارلوس فرناندو تشامورو، المحرر المُؤسس للمؤسسة الإعلامية.
وكانت هذه الحادثة بداية لصراع طويل خاضته وسائل الإعلام المستقلة في نيكاراجوا، حيث أُجبر العديد منها إلى النفي أو إغلاق عملياتها بالكامل نتيجة للأزمة السياسية التي بدأت في نيسان/أبريل من ذلك العام.
ولم تفقد شركة كونفيدينسيال، وهي عضو في شبكة وسائل الإعلام في المنفى، غرفة الأخبار الخاصة بها فحسب، بل جميع أشكال إيراداتها التقليدية من الإعلانات. فأُجبرت المؤسسة على تغيير نموذج أعمالها بشكل جذري لتصبح معتمدة بشكل أكبر على المنح المالية. وبجانب المحافظة على سلامة أعضاء الفريق، أصبحت استدامة المؤسسة أولوية قصوى، حيث أصبح تنويع مصادر الإيرادات جزءًا حيويًا من استراتيجية المؤسسة الإعلامية طويلة الأجل.
وللأسف، تواجه اليوم غرف الأخبار حول العالم ظروفًا مماثلة لما تعانيه وسائل الإعلام في المنفى، وإليكم خمس نصائح لمساعدة وسائل الإعلام في بناء إيراداتها من القراء أثناء العمل في المنفى:
استطلاع آراء القرّاء الأكثر ولاءً
يُعد الحصول على موافقة جمهورك الأكثر ولاءً من أفضل الطرق لتقديم منتج جديد، أو اختبار نموذج أولي، أو تطوير خدمة وتعتبر استطلاعات الرأي ضرورية لهذا الغرض.
وفي أواخر عام 2018، في كونفيدينسيال، قمنا باستطلاع آراء قرائنا عما إذا كانوا على استعداد لدعم المؤسسة ماليًا. فأشار أكثر من نصف المبحوثين إلى أنهم موافقون.
شعرنا بالتشجيع، ولكننا كنا أيضًا مترددين بعض الشيء بشأن مدى جدية قرائنا بشأن هذا الوعد. وفي يناير/كانون الثاني عام 2019، عندما تم طردنا من التلفزيون الوطني وفر العديد من أعضاء فريقنا إلى المنفى، قررنا المخاطرة وطلبنا مساعدة قرائنا.
لقد استجاب قراؤنا بالفعل، واستمروا في دعمنا طوال ذلك العام بتبرعات تتراوح بين خمسة دولارات وأكثر من ألف دولار. وكان من المُؤثر رؤية هذا الكم المساعدات بالرغم من أننا مررنا بأشهر جيدة وأخرى سيئة-حيث تميل إيرادات القراء إلى التقلب خلال الأزمات السياسية –وأثناء ذلك لاحظنا اتجاهًا: المتبرعون الأكثر ولاءً استمروا في تقديم المساعدة على مدار العام.
وكنا نعلم أننا نضع الأساس لمبادرة طويلة الأمد، ولكننا أيضًا كنا على يقين بأننا لا نستطيع الاعتماد على حملات التبرع إلى الأبد. ولذلك، أجرينا استطلاع رأي آخر، وسألنا المتبرعين هذه المرة عما إذا كانوا مهتمين بالانضمام إلى برنامج عضوية، وأوضحنا أن الهدف من العضوية هو إنشاء مجتمع يدافع عن حرية التعبير، مما سيسهم أيضًا في تعزيز استدامتنا.
فأجاب أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع بـ"نعم" مرة أخرى. وكانت هذه موافقة أخرى بالنسبة لنا، وفي يوليو/تموز 2020 أطلقنا برنامج العضوية، والذي يُشكل اليوم حوالي 40٪ من دخلنا المباشر.
قواعد بياناتك هي منجم ذهب
لا أستطيع التأكيد على ذلك بما يكفي: لا تُقلل من شأن نشراتك الإخبارية. فالأشخاص الذين سيقدمون لك معلومات مباشرة حول البيانات الديموجرافية، وأنماط الاستهلاك، والظروف المعيشية، والدخل، وغير ذلك- بدون الحاجة إلى الاعتماد على الوسطاء مثل شركات البيانات الضخمة-هم المشتركون في قوائم النشرات الإخبارية.
وسيساعدك المشتركون في نشراتك الإخبارية في تكوين "محبي العلامة التجارية"، أو القراء الذين يشعرون بارتباط قوي مع وسيلتك الإعلامية. وهؤلاء الأفراد كانوا أول من استجاب لحملات التبرعات، وملء استطلاعات الرأي، وإرسال اقتراحات بالمحتوى عبر البريد الإلكتروني، وحضور ندواتنا عبر الإنترنت وغيرها من الأنشطة الأخرى.
وإذا لم تكن وسيلتك الإعلامية تُقدم نشرة إخبارية مجانية حتى الآن، فقد حان الوقت لتقديم واحدة الآن. وهناك سر صغير قد يفيدك: لست مجبرًا في البداية على توظيف شخص ما لكتابة وإرسال نشرة إخبارية، ويمكنك الاعتماد على نظام RSS الخاص بك لملء قالب النشرة الإخبارية بشكل تلقائي، واستخدام منصة متعلقة بحملات التسويق عبر البريد الإلكتروني لإرسالها. ومن السهل جدًا إنشاء عادة قراءة بين المشتركين والتي ستؤتي ثمارها عندما تكون في أمس الحاجة إليها.
قم بمراجعة منتجاتك
من المحتمل أن تتأثر القدرة التشغيلية لغرفة الأخبار إذا اضطرت إلى الانتقال إلى المنفى. وبالتالي سيواجه فريق العمل ضغطًا كبيرًا وخصوصًا مع قلة الوقت المُتاح لإنشاء منتجات جديدة من الصفر.
ولحسن الحظ، أنت لست مُجبرًا على إعادة اختراع العجلة عند إعداد نموذج لإيرادات القراء، واسأل نفسك: ما قنوات المحتوى التي يمكنك إعادة توظيفها؟ وما التقارير التي يمكنك إعادة تقديمها في قالب جديد؟ ضع في اعتبارك هذه الأمثلة:
إعادة توظيف المنصات الرقمية
أنشأ فريقنا قناة على يوتيوب لتحميل محتوى البرامج الذي عرضناه سابقًا على شاشات التلفزيون الوطني وذلك قبل سنوات من مغادرتنا نيكاراجوا، وقد ساعدنا ذلك في الوصول إلى جماهير خارج البلاد التي لم يكن لديهم إمكانية متابعة البث المباشر لبرامجنا، كما أصبحت القناة بمثابة أرشيفًا لمحتوى الفيديو الذي ننتجه.
وعندما طُردت كونفيدينسيال من التلفزيون الوطني في يناير/كانون الثاني عام 2019 وفقدنا أهم مصدر للإيرادات (الإعلانات التلفزيونية)، طلبنا من جمهورنا الاشتراك في قناتنا على يوتيوب وبدأنا في بث برامجنا التلفزيونية عبر هذه المنصة.
وفي غضون أربع سنوات، ارتفع عدد المشتركين في قناة كونفيدينسيال نيكا بأكثر من 2000٪، وبعد ذلك، أصبحت الإعلانات التي تأتي من برامجنا على يوتيوب- والتي تعتمد أرباحها بشكل مباشر على مستوى التفاعل مع المتابعين - عنصرًا جوهريًا في نموذج أعمالنا.
إعادة تقديم المحتوى
في عام 2019، كان أحد منتجاتنا عبارة عن مجلة مطبوعة قمنا بتوزيعها على السفارات، والمنظمات غير الحكومية، وقادة الفكر الذين يعيشون في ماناجوا. وكانت المجلة بمثابة "عرض حصري" للمحتوى الذي سيتم نشره على موقعنا الإلكتروني في الأسبوع التالي.
وبعد إجبارنا على العيش في المنفى، قمنا بإعادة تقديم هذه المجلة كمنتج رقمي، وكان مصممنا قد أنشأ بالفعل نسخة PDF من المجلة لطباعتها، لذلك لم نضطر إلى بذل أي جهد إضافي: المنتج كان موجودًا بالفعل، رقميًا وسهل التوزيع، وسرعان ما أصبح أحد الامتيازات الرئيسية التي نقدمها للمانحين والأعضاء. فبدأنا بإرسال المجلة الرقمية كنشرة إخبارية مُوقعة من رئيس التحرير.
وكررنا هذه التجربة لتشمل محتويات أخرى، فقمنا بإعادة تقديم أبرز تحقيقاتنا والمقالات المصورة، ومقالات الرأي والرسوم الكاريكاتيرية على هيئة كتب إلكترونية، وقدمناها كميزة في حملات التبرع التي أطلقناها.
قم بتعيين شخص واحد (على الأقل) للتعامل مع مجتمعك
أعلم أن هذا الأمر صعب، وخاصة إذا كنت في المنفى. فالميزانيات محدودة، والحقيقة هي أن الصحفيين لا يستطيعون القيام بكل شيء. أنت بحاجة إلى شخص -ويفضل أن يكون فريقًا- للتفكير بشكل إستراتيجي، ويُطور أفكارًا حول إيرادات القراء، ويُكون نقطة التواصل معهم.
ولا أستطيع أن أخبرك كم مرة قال لي القراء إنهم ممتنون لوجود شخص يجيب على رسائل البريد الإلكتروني، وأسئلتهم، ويتلقى اتصالاتهم، ويناديهم بأسمائهم، فعليك أن تجعل قراءك يشعرون بأنهم مميزون لأنهم كذلك.
التحلي بالإنسانية هي المفتاح لتعزيز الثقة- الثقة تؤتي ثمارها.
لا تتوقف الآن.. من المُحتمل أن يكون الوقت مبكرًا جدًا
لإطلاق نموذج ناجح لإيرادات القراء، ينبغي أن تتعرف على جمهورك. وسيقدرون بعض جهودك، ولكن ليس كلها. ومن المهم تطوير الحد الأدنى من المنتجات القابلة للتطبيق ومنح نفسك الوقت لاختبارها.
وفي حالة كونفيدينسيال، قمنا بتعديل بعض جوانب مبادرات التفاعل لتكون ناجحة. فبالنسبة لحملات التبرع، عرضنا على القراء الذين تجاوزت تبرعاتهم حدًا معينًا فرصة إجراء محادثات خاصة مع الصحفيين، ولكن اتضح أن قراءنا شعروا براحة أكبر (وربما أقل رهبةً) عند الانضمام إلى الأحداث الافتراضية والتي يُمكن لأي شخص المشاركة فيها، ووفقًا لذلك، نظمنا فعاليات مفتوحة أتاحت للمانحين والأعضاء فرصة "الحجز المبكر".
وفي موقف آخر، بعد إطلاق برنامج العضوية الخاص بنا، أخبرنا العديد من قرائنا أنهم يفضلون التبرع فقط بدون الانضمام كأعضاء، فكان من الواضح أن بعض الأشخاص لا يريدون هذا النوع من الالتزام طويل الأجل الذي يصاحب العضوية، فأنشأنا صفحة تبرعات مُخصصة لهؤلاء القراء وقدمنا خيارات إضافية لتلبية التفضيلات الأخرى.
فإذا كنا قد أوقفنا أيًا من هذه المبادرات خلال الأسابيع الأولى من تنفيذها، لما تَمكّنا من المعلومات اللازمة لتعديلها وتكييفها مع احتياجات قرائنا.
وبعد مرور خمس سنوات من بدء الأزمة السياسية في نيكاراجوا، قامت وسائل الإعلام في البلاد بتجربة طرق مختلفة لتحقيق الربح من الثقة، ويفعلون ذلك الأمر في سياق الاضطهاد الشديد للصحافة المستقلة، حيث تُبث معظمها من المنفى بموارد قليلة جدًا.
وإذا كنت تواجه موقفًا مشابهًا، تذكر أن جمهورك يمكنه مساعدتك في تطوير منتجات تُسهم في توليد إيرادات من القراء، وستجدهم حاضرين لدعمك ماديًا.
والأهم من ذلك، سيعلمونك هذا الدرس: إيرادات القراء لا تتعلق بالسرعة، بل إنها مسألة صمود.
سينثيا ميمبرينيو هي مُنسقة شبكة وسائل الإعلام المنفية (NEMO) وشغلت سابقًا منصب مديرة ولاء الجمهور في Confidencial، وهي مؤسسة إعلامية نيكاراجوية منفية مقرها في كوستاريكا منذ عام 2019.