إنشاء شبكة من الصحفيين في المنفى والمحافظة عليها

بواسطةIvan KolpakovOct 30, 2024 في الصحافة التعاونية
سيدة تلوح لأربعة اشخاص عبر كاميرا الويب

هذه المقالة نُشرت في الأصل كمورد في مجموعة أدوات وسائل الإعلام في المنفى التي نقدمها، والتي أُنتجت بالشراكة مع شبكة وسائل الإعلام في المنفى، وبدعم من صندوق جويس بارناثان للطوارئ للصحفيين.


يُعد إنشاء شبكة من المراسلين والحفاظ عليها داخل الوطن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه أي وسيلة إعلامية تعمل في المنفى، فوجود مراسلين موثوقين يقومون بالتغطية الميدانية ويعملون بكفاءة- ولكن بحذر-ضروريًا للحصول على صورة موثوقة لما يحدث داخل البلاد.

في حين أن هذا ينطبق على غرف الأخبار الهجينة (المكاتب التحريرية التي تعمل بشكل شبه قانوني أو قانوني داخل بلدانها الأصلية بدون مخاطر يومية شديدة)، إلا أنه يسري بشكل خاص على غرف الأخبار التي تعمل بشكل كامل من الخارج، وللأسف، يتزايد عدد البلدان التي يُحظر فيها عمل الصحافة المستقلة، ومن بينها إيران، وأفغانستان، وبيلاروسيا، وروسيا.

لدينا خبرة تمتد لعقد من الزمن في إنشاء شبكة من الصحفيين داخل روسيا من الخارج في ميدوزا، وهي أكبر مؤسسة إعلامية مستقلة باللغة الروسية، إليكم أبرز ما تعلمناه:

سياق ميدوزا

أطلقنا ميدوزا في عام 2014 بمدينة ريجا في لاتفيا، وذلك على خلفية ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والضغوط المتزايدة التي تفرضها البلاد على وسائل الإعلام المستقلة، وبداية الحرب في منطقة دونباس في أوكرانيا. وكنا أول مؤسسة إعلامية روسية رئيسية يتم تأسيسها في الخارج، وذلك قبل عقد من مغادرة قطاع الصحافة المستقلة في روسيا بأكمله للبلاد.

وبالإضافة إلى مقرنا في لاتفيا، كان لدينا مكتب تحرير في موسكو بين عامي 2014 و 2022. وقد حصل بعض صحفيينا على اعتماد من وزارة الخارجية الروسية (التي تعاملت معهم فعليًا كمراسلين أجانب في بلادهم، للتمكن من العمل في ظروف آمنة نسبيًا).

ومع بداية الغزو الشامل لأوكرانيا وفرض الرقابة الكاملة على وسائل الإعلام في روسيا في عام 2022، اضطررنا إلى إجلاء جميع موظفينا إلى الخارج. وفي العام التالي، صُنفت ميدوزا بأنها "منظمة غير مرغوب فيها"، وفي يومنا هذا، يُعد أي تفاعل مع ميدوزا جريمة. فالتبرع لميدوزا أو إجراء مقابلات مع أعضاء فريقنا يُعدان جريمتين، وقد تؤدي الجريمة الأخيرة إلى حبس الشخص لمدة أربع سنوات أو أكثر.

ومنذ اللحظة التي اضطر فيها فريقنا التحريري على الفرار من روسيا وحتى اليوم، قمنا ببناء شبكة من الصحفيين المستقلين داخل البلاد الذين يزودون المحررين بمعلومات حيوية عمّا يحدث هناك. ففي كل يوم، يواجهون خطرًا حقيقيًا، وفي أكثر من مناسبة، حتى اضطر المحررون إلى مساعدة الصحفيين المستقلين على مغادرة البلاد على وجه السرعة.

إنّ العمل في مثل هذه الظروف هو ما نسميه في ميدوزا بـ"التغطية الصحفية المستحيلة". أما الذين يواصلون التعاون مع منظمة محظورة رسميًا؟ فنطلق عليهم اسم "مراسلي حرب العصابات".

وفي ضوء الخطر الذي يواجهه هؤلاء الصحفيون، فمن الصعب التحدث علنًا عن الآليات المُحددة لعملهم، والبروتوكولات التي يتبعونها مع المحررين. ومع ذلك، فإنّ التوصيات التالية قد تكون مفيدة لأولئك الذين يُجبرون على بناء شبكة مُماثلة في الوقت الحاضر أو في المستقبل:

ضع قواعد العمل

ينبغي أن تضم مكاتب التحرير في المنفى أشخاصًا موثوقين على الأرض؛ فلا يمكن تقديم صحافة ذات جودة عالية من خلال المراقبة الخارجية فقط.

وعلى الرغم من أن التكنولوجيا قد تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، سواء من حيث جمع المعلومات (مثل الاستخبارات مفتوحة المصدر OSINT)، أو تقديم المحتوى والوصول إليه (من خلال شبكات VPN وغيرها من الطرق التي تتجاوز حجب المواقع الإلكترونية)، فإن هذه التطورات لا يمكن أن تكون بديلاً عن التغطية الميدانية.

وتتطلب التغطية الصحفية في بلد ما إرساء قواعد عمل صارمة توضح كيفية تفاعل الصحفيين مع المصادر، والمحررين، ومع بعضهم البعض. ومن الضروري أن تأخذ هذه القواعد في الاعتبار القوانين المحلية، وبالتالي يجب مراجعتها من قبل محامين تابعين لوسائل إعلامية لديهم معرفة بالتشريعات المحلية.

كما يتعيّن على الصحفيين تأكيد استعدادهم بشكل رسمي للعمل وفقًا سياساتك التحريرية، ويجب أن يدركوا أن أي انتهاك لهذه السياسات قد يؤدي إلى اتخاذ الصحيفة قرارًا بوقف التعامل معهم.

ومن المهم أن تسعى قواعد العمل إلى تقليل، أو بالأفضل، القضاء تمامًا على أي حالات يمكن أن يتم فيها الكشف عن صلة المراسل المستقل بوسيلة الإعلام في المنفى. ولذلك، فإنّ تطبيق الإجراءات والتقنيات التي تساعد في الحفاظ على سرية هوية المراسلين يُعد أمرًا ضروريًا.

ولا يمكن التهاون في هذا الأمر: يجب وضع قواعد لاستخدام بطاقات SIM، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المُراسلة، وحسابات البريد الإلكتروني. قم باستشارة خبراء تقنيين لتطوير إجراءات السلامة، إذا لم يكن لدى مؤسستك الإعلامية قسمًا لتكنولوجيا المعلومات، حاول البحث عن متخصصين من خلال المنظمات الدولية ووسائل الإعلام الأخرى.

وتُشكل مسألة كيفية دفع أجور الصحفيين الذين تعمل معهم في بلدك الأصلي، وكيفية نقل معدات التغطية الصحفية إليهم مجموعة أخرى من التحديات. وللأسف، قد تكون هذه المهام صعبة للغاية، مما قد يُعرض سلامة المراسلين للخطر.

كما يقع على عاتق مؤسستك الإعلامية مسؤولية تطوير إجراءات شاملة تُتيح لك دعم شبكة إعداد التقارير الصحفية مالياً وتنظيمياً، ويمكنك مراقبة هذه الإجراءات بشكل منتظم للتأكد من ملاءمتها للسياق المتغير في البلد. 

الحفاظ على الجودة الصحفية العالية

يتطلب هذا النمط من الصحافة وجود محترفين يتمتعون بعقلية متزنة، وهادئة، وأن يلتزموا بأعلى معايير الصحافة، ويجب على غرف الأخبار التي تعمل مع هؤلاء الصحفيين أن تسعى للحفاظ على معايير صحفية خاصة بها.

كما يجب على غرف الأخبار تطبيق قوائم مرجعية، واعتماد أدوات تسمح لها بالتحقق بشكل مستقل من تقارير الصحفيين. وعلى سبيل المثال، ينبغي أن يكون لدى المحررين إمكانية الوصول إلى المواد الداعمة للمراسلين (التي يتم إرسالها عبر قنوات آمنة)، ويجب مناقشة أي عملية ميدانية بعناية مع المحرر، ويجب أيضًا مناقشة هوية كل شخصية، وخبرتها، وعلاقتها بالسلطات، وأهميتها للقصة.

وينبغي على المحررين اختيار الأشخاص الذين يعملون معهم بعناية، ويجب أن يكون لديهم خطة للتحقق من المراسلين المُحتملين. وعلى سبيل المثال، تستطيع غرف الأخبار التحقق من استقلالية المراسلين عن السلطات من خلال التحدث مع زملاء مشتركين ومراجعة نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وهناك العديد من التفاصيل الدقيقة هنا، حيث يؤدي خطأ واحد في التوظيف إلى تدمير شبكة كاملة من المراسلين المستقلين وتقويض مصداقية المؤسسة الإعلامية، فتوظيف شخص غير مناسب يتعاون مع السلطات أو يتصرف بلا حذر يمكن أن يُعرّض الشبكة بأكملها للخطر.

الاعتبارات التحريرية

يتطلب العمل مع المراسلين الميدانيين تركيزًا مستمرًا من غرفة الأخبار بأكملها، وعندما يعمل الصحفيون في بيئة خطرة لفترات طويلة، فإنهم يبدأون في اعتبار المخاطر أقل خطورة مما هي عليه في الواقع. ويمكن للناس أن يعتادوا على أي شيء، وغالبًا ما يكونون في أشد حالات الخطر عندما يشعرون بالراحة.

وينبغي على غرف الأخبار مراجعة وتقييم القواعد التي تضعها للصحفيين المستقلين بشكل منتظم لمواكبة التغييرات في التشريعات، وطريقة عمل أجهزة إنفاذ القانون، ويجب أيضًا أن يكون التدريب المستمر إلزاميًا للمحررين الذين يعملون مع الصحفيين المستقلين.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب على المحررين الذين يعملون مع المراسلين الميدانيين أن يكونوا مستعدين لحل مشكلات بالغة التعقيد وغير مسبوقة، وعندما تقوم بالتغطية الإعلامية في بلد مثل روسيا، فأنت مجبر على تضمين مصادر مجهولة فقط في تقاريرك، مما يُمثل تحديات جديدة لم يتم  تناولها في برامج التدريب الصحفي التقليدي.

وقد يكون من المُفيد الاستعانة بتجارب النشطاء الاجتماعيين، والسياسيين، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، وحركات المعارضة التي تعمل في المنطقة لإعداد القواعد الخاصة بشبكة المراسلين داخل البلاد. ففي كثير من الأحيان، يعتمدون على نفس الصحفيين المستقلين. ويُعد التنسيق بين المنظمات أمرًا مهمًا، وإذا كانت البروتوكولات الموضوعة في مكاتب التحرير المختلفة تختلف بشكل كبير، فإن الخطر الذي يتعرض له المراسلون يتزايد بشكل كبير.
وأخيرًا، يجب على أي غرفة أخبار تسعى لبناء مثل هذه الشبكة أن تكون مستعدة لوجستيًا وماليًا لإجلاء الصحفي المُعرض للخطر ودعمه في المنفى. وقد يكون من الضروري أيضًا تقديم المساعدة النفسية. والتوصية الأساسية هنا بسيطة: إذا ظهرت أي مشكلة أمنية خطيرة، فعليك إيقاف تقارير الصحفي فورًا.

وإذا كانت مؤسستك الإعلامية في المنفى تخطط لبناء شبكة من الصحفيين المستقلين داخل البلاد وتحتاج إلى المشورة، أو إذا كانت لديك أفكار مهمة ترغب في مشاركتها معنا، فيمكنك التواصل معي أو مع زملائي من خلال info@exiled.media.


إيفان كولباكوف هو المُؤسس المشارك ورئيس تحرير ميدوزا، أكبر منصة روسية مستقلة، والتي تعمل في المنفى من ريغا، لاتفيا.