الضوابط الأخلاقية للتغطية الصحفية لقضايا الأطفال في مناطق النزاعات

Sep 17, 2024 في تغطية الأزمات
الصورة لطفل صغير يختبئ خلف براميل زرقاء في مخيم للاجئين

يعيش اليوم نحو 500 مليون طفل على مستوى العالم في مناطق النزاعات ــ أي ما يُعادل واحدًا من كل ستة أطفال- وعلى الرغم من أنهم يمثلون 25% من تعداد سكان العالم، إلا أنهم يُشكلون ما يقرب من نصف عدد اللاجئين في العالم.

وعندما يقوم الصحفيون بإعداد التقارير الصحفية عن الأطفال في مناطق النزاعات، يجب أن يحرصوا على مراعاة حقوقهم والحد من الضرر الذي قد يلحق بهم، كما يجب أن تكون تقاريرهم مُستندة إلى التغطية الواعية بالصدمات النفسية، أي الفهم الجيد لتجارب الناجين من الصدمات، حتى يتمكنوا من إجراء المقابلات والتقاط الصور بطريقة تُراعي مشاعرهم.                       

             

         

في هذا السياق، أوضحت هديل عرجة، مؤسسة Tiny Hand وهي منصة إعلامية رقمية مستقلة، تركز على التغطية الصحفية للأطفال في مناطق النزاع، خلال حديثها في جلسة نظمها منتدى شبكة الصحفيين الدوليين للإبلاغ عن الأزمات، قائلةً: "عندما نقوم بالتغطية الصحفية في مناطق الأزمات؛ فلا ينبغي أن تكون مهمتنا وتغطيتنا الصحفية موجهة لجعل حياة الأطفال أكثر صعوبة، لأنها صعبة بالفعل".

والجدير ذكره أنّ هديل عرجة أصدرت مؤخرًا دليلاً إرشاديًا بعنوان "الأطفال أولاً"، والذي تم إنتاجه بدعم من مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين، وذلك بهدف مساعدة الصحفيين على الالتزام بالضوابط الأخلاقية في تغطية قضايا الأطفال في مناطق النزاع، وقد انضمت إليها في الجلسة الدكتورة كيت بورترفيلد، وهي استشارية نفسية في مركز دارت للصحافة والصدمات، لمناقشة أفضل الممارسات المهنية لكي يتبعها الصحفيون عند تغطية موضوعات الأطفال في مناطق النزاع، وأدارت الجلسة إيرين كاسيلي، وهي مستشارة في مبادرة تغطية الطفولة المبكرة في مركز دارت والمُساهمة في الدليل.

إليكم أبرز محاور جلسة التغطية الصحفية الواعية بالصدمات النفسية عند إعداد تقارير عن الأطفال في مناطق النزاع:    
 

فهم الصدمات النفسية

قدّمت منظمة Children First نصائح من الصحفيين والمصورين وعلماء النفس المخضرمين حول قواعد التغطية الصحفية المصورة للأطفال في مناطق النزاعات، وكيفية إجراء المقابلات معهم. وتُلقي هذه المبادئ الإرشادية الضوء على كيفية تحقيق التوازن بين حساسية تغطية تلك الموضوعات، ومدى موضوعيتها، وضرورة المحافظة على كرامة الأطفال أثناء سرد قصصهم.
إنّ فهم الصدمات النفسية والتغطية الصحفية الواعية بالصدمات النفسية يعتبر أمرًا أساسيًا لتغطية القصص ذات الطبيعة الحساسة. وأشارت بورترفيلد إلى أهمية ذلك الأمر، قائلةً: "إن التجارب الإنسانية المرتبطة بالعنف، والعجز، والأذى، والعيش في ظل كارثة طبيعية، تترك آثارًا لا تُمحى من ذاكرة الناس والمجتمعات".
وهو ما يطلق عليه علماء النفس "ﺍﻟبصمة البيولوجية النفسية الاجتماعية"، وفي هذا الصدد، ينبغي أن يأخذ الصحفيون في اعتبارهم كيف تؤثر أعمال العنف والقسوة والألم التي يمارسها البشر على كل أجزاء الإنسان، بما فيها "أجسادهم، إحساسهم بالمعنى، وإحساسهم بالعالم وببعضهم البعض"، وذلك بحسب ما أشارت إليه بورترفيلد، ثم ذكرت أنّ التغطية الصحفية الواعية بالصدمات النفسية، مبنية على أن "هؤلاء الأشخاص قد تأثروا في جميع هذه المجالات، وبينما أقوم بتغطية أخبارهم، وتصويرهم، والتفكير فيهم، سأدرك أنّ الصدمة كانت قوة لا يمكن تجاهلها".

طلب الحصول على الموافقة

أشارت عرجة إلى أنه عند اتخاذ قرار بإجراء مقابلة صحفية مع الأطفال، ينبغي على الصحفيين اتباع بعض القواعد الأساسية، فإذا كان أحد الوالدين حاضرًا لسرد قصة حياته أو حياة طفله، فينبغي على الصحفيين إجراء المقابلة معه أولاً.
وأضافت بورترفيلد أن "الحصول على موافقة الطفل لإجراء المقابلة معه تختلف بشكل كبير عن موافقة البالغ، كما يجب عليك أن تقلق بشأن موافقة البالغين الذين تعرضوا لصدمات نفسية". وقد اقترحت على الصحفيين التعامل مع مسألة الحصول على الموافقة من خلال طرح بعض الأسئلة مثل: "أود أن أروي قصتك، وأود أن ألتقط صورتك، لكنني سأتوقف لمدة دقيقة للتفكير معك فيما إذا كنت ترغب في القيام بذلك أو إذا كانت لديك أي أسئلة حول ذلك الأمر".
وحذرت عرجة من أن هناك خطوطاً معينة لا ينبغي تجاوزها في التغطية الصحفية، مضيفةً: "لا ينبغي أن ننشر صوراً [أو أي وسيلة إعلامية أخرى] لأطفال يتحدثون عن تجارب تعرضهم للاغتصاب أو التحرش الجنسي، أو لأطفال تم تجنيدهم في الجماعات المسلحة؛ لأن ذلك يُعرضهم لخطر الوصمة الاجتماعية أو المخاطر الأمنية".
وعند إجراء مقابلة صحفية مع الأطفال، يجب على الصحفيين إعطاء نبذة عن أنفسهم، وتوضيح ما يفعلونه، وما يأملون في توثيقه، كما ينبغي عليهم الإشارة إلى منصة نشر القصة الصحفية التي يعملون عليها، وأن يسمحوا للطفل بالشعور بالراحة الكافية ليقول "لا أريد التحدث إليك"، بحسب ما ذكرته عرجة.
فيما أوضحت بورترفيلد أن تجنب تعرض الأطفال لمواقف مستقبلية قد يشعرون فيها بالاستغلال أو الندم على مشاركة قصصهم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال "تفكير متأن ومدروس بعناية".
وقدمت عرجة مثالاً من تجربتها في إعداد تقارير عن مخيمات اللاجئين، فقد لاحظت أن بعض الآباء أو الأوصياء يدفعون أطفالهم للتحدث أمام الكاميرا بدون الحصول على موافقتهم الكاملة، مشيرة إلى أنه "في مثل هذه الحالة، يجب علينا التوقف عن إعداد التقرير".
ومن ناحية أخرى، أشارت بورترفيلد إلى أنه ينبغي على الصحفيين أن يكونوا على دراية بأن الأطفال الذين يتواجدون أثناء سرد البالغين لصدماتهم الخاصة قد يتعرضون "لصدمة بشكل مضاعف"، مثل تأثرهم برؤية والديهم في محنة، فالأطفال سيواصلون حياتهم بعد إجراء المقابلة معهم، مضيفةً: "بمجرد نشر أمر ما على الإنترنت، تصبح مواردنا محدودة لمعالجته، ولا يمكننا حذف المحتوى".

التغطية المُصورة لقضايا الأطفال                                                       

يلعب المصورون الصحفيون دورًا بالغ الأهمية في نقل القصص والمشاهد في مناطق الصراع، حيث تستخدم صورهم في تسليط الضوء على الأزمات الإنسانية أو الكشف عن الفظائع التي يتسبب فيها الصراع ضد المدنيين. وفي مثل هذه الحالات، يتحمل المصورون الصحفيون أيضًا مسؤولية التقاط الصور ونشرها من خلال منظور الصحافة الواعية بالصدمات.   
وعلى سبيل المثال، في غزة، فقد قُتل ما يقرب من 15 ألف طفل على يد إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتيتّم 17 ألف طفل، ونُشرت صور صادمة لأطفال على الإنترنت وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد، حددت عرجة "مبادئ مهمة لا ينبغي تجاوزها" عند التغطية الصحفية لمثل هذه الحالات، قائلةً: "لا نُظهر أطفالًا ملطخين بالدماء، ولا نصور مع الأطفال بدون حضور أحد والديهم أو الوصي القانوني عليهم"، مضيفةً: "وإذا أردنا إجراء مقابلة مصورة مع الأطفال، فيجب أن يعرفوا أننا سنقوم بتصوير ذلك"، كما أوضحت أنه عند تصوير الأطفال في مناطق النزاع، يجب على الصحفيين أن يدركوا أن الصور التي تبرز معاناة هؤلاء الأطفال يمكن أن تنتشر بسرعة عبر المواقع الإلكترونية، ويتم مشاركتها بدون سياق.                 
وقد حثت بورترفيلد الصحفيين على أن يضعوا أنفسهم في مكان كل من الجمهور والموضوع وذلك قبل مشاركة صورة أو تضمينها في تقاريرهم، مضيفةً: "هل يمكن أن تتصور هذا الشخص بعد 20 عامًا، ينظر إلى تلك الصورة ويقول: أنا فخور بأنه تم تمثيلي بهذه الطريقة أثناء مروري بهذه التجربة"، وتساءلت "هل سيرغب هذا الطفل في أن تكون هذه الصورة موجودة على الإنترنت بعد عامين، أو 10 أعوام، أو 20 عامًا؟".
وذكرت عرجة مثالاً توضيحيًا لصورة عن امرأة في غزة تحمل بين ذراعيها جثمانًا لطفل مغطى، وتخفي وجهه بين يديها، كمثال لصورة تحترم كرامة الناجين من الصدمات، وفي الوقت نفسه تبقى مُؤثرة. واستطردت قائلةً: "التقاط هذه الصورة كان أمرًا صعبًا للغاية لأن المصور الصحفي محمد صدام كان مُحاطًا وقتذاك بجثث الموتى، ربما في المستشفى، كان صدى صراخ الناس الباحثين عن أحبائهم يملأ المكان، لكنه استطاع بمهارة فائقة توثيق هذه اللحظة الإنسانية للمرأة".
وقالت بورترفيلد إنّ استجابة الإنسان الطبيعية عند رؤية الصور الصادمة هي "الابتعاد عنها وإغلاقها"، مشيرة إلى أن الصور المراعية للصدمات قد تكون أكثر قوة، لأنها تُظهر مشاعر الفقدان والمعاناة البشرية بطريقة تُمكن للناس من التفاعل والتعاطف معها.
واختتمت بورترفيلد حديثها قائلةً: "قد تنظر إلى شيء ما ويُثير لديك مشاعر الفقدان والحزن في الوقت نفسه".


الصورة الرئيسية تحمل رخصة المشاع الإبداعي على موقع Unsplash  بواسطة صلاح درويش.