دليل للصحفيين والناشرين للاستفادة من التجارة الإلكترونية

Apr 10, 2023 в استدامة وسائل الإعلام
صورة تعبيرية

تمّ نشر هذه المقالة ضمن سلسلة تبحث في تطوير المشاريع الإعلامية الناشئة.

حين قررت صحيفة "نيويورك تايمز" إنشاء اشتراك مستقل لقسم مراجعة المنتجات الشهير على موقعها، والذي يحمل اسم Wirecutter، كانت تبحث عن مصادر أخرى للإيرادات، لكنها في الوقت نفسه، قدمت دليلًا عمليًا على أنّ دمج التجارة الإلكترونية بمجال النشر والإعلام يمكن أن يعوض الصحافة عن قلة عائدات الإعلانات. تنشر الصحيفة الأميركية في هذا القسم مقالات خدمية عديدة، ولتطمئنكم على كونها مستقلة، كتبت الصحيفة بوضوح على الصفحة الرئيسية لهذا القسم: "نجري مراجعة لكل المنتجات التي نرشحها لكم على موقعنا بشكل مستقل. عندما تشتري من خلال روابطنا، قد نربح عمولة". 

ما قامت به "نيويورك تايمز" يؤكد أنّ هناك مجالات عديدة في عالمنا الحديث يمكن أن تفيد الصحفيين والناشرين وتجعل عملهم الإعلامي أفضل وأكثر تأثيرًا، ومن تلك المجالات "التجارة الإلكترونية"، وهي عملية بيع وشراء البضائع والخدمات عبر الإنترنت، وإذا اقتربنا أكثر من تفاصيل هذا العالم، سنقابل مصطلحات مثل B2B وB2C، وكلاهما يمكن أن يفيد الصحفيين والناشرين بدرجة كبيرة، كيف هذا؟ ستأخذكم شبكة الصحفيين الدوليين في رحلة تجارية جدًا، ولكن اطمئنوا، الرحلة لن تكون معقدة، سنبسط لكم كل شيء، وسنعود من رحلتنا بنصائح ستفيد عملنا الإعلامي. 

قد يتساءل البعض؛ هل هناك علاقة بين النشر والإعلام وبين التجارة الإلكترونية؟ سؤال هام، أجاب عليه داميان رادكليف، وهو أستاذ الصحافة بجامعة أوريجون، وزميل في مركز تاو للصحافة الرقمية بجامعة كولومبيا، وزميل لدى الجمعية الملكية لتشجيع الفنون والتصنيع والتجارة (RSA)، والذي لفت نظرنا في مقال إلى أنّ التجارة الإلكترونية حظيت بقفزة عملاقة إلى الأمام خلال المراحل الأولى من جائحة "كوفيد 19"، ما جعلها تصبح متأصلة بشكل متزايد في عادات التسوق للمستهلكين في جميع أنحاء العالم، ويكمل أنّ الاتجاه نحو هذه التجارة له عدد من التأثيرات على الناشرين وشركات الإعلام، أبرزها اضطراب نماذج الإعلان التقليدية، حيث حولت أعدادًا ضخمة من الشركات تركيزها وميزانيات إعلاناتها نحو منصات جديدة. 

بحسب رادكليف، فإنّ التأثير وصل إلى المحتوى أيضًا؛ فعادات وتفضيلات القراء والمستخدمين أصبحت متغيرة، وقد يحتاج الناشرون إلى تكييف استراتيجيات المحتوى الخاصة بهم لتتوافق مع احتياجات الجمهور والمعلنين. 

ويصل رادكليف إلى الخلاصة، قائلًا: "بينما نتطلع إلى المستقبل، من المتوقع أن تستمر التجارة الإلكترونية في النمو، مما يجعلها سوقًا أكبر من أن يتجاهلها الناشرون". 

ولا يجب أن نغفل أبدًا النتيجة التي خلص لها استطلاع أجراه معهد رويترز لدراسة الصحافة، والذي أفاد أنّ أكثر من 30٪ من الناشرين التجاريين قالوا إن التجارة الإلكترونية كانت إما "مهمة" أو "مهمة جدًا" كمصدر دخل لهم في العام 2022. 

التجارة الإلكترونية ونموذجا  B2B وB2C 

يمكن تعريف التجارة الالكترونية أو الـ E-commerce بأنها عملية شراء وبيع المنتجات أو الخدمات، والقيام بالتحويلات المالية ونقل البيانات باستخدام وسيط إلكتروني (الإنترنت). وهذه العملية تتيح للأفراد والشركات القيام بأعمالهم التجارية بدون أيّ قيود مرتبطة بالوقت أو بالحواجز الجغرافية، وهناك أنواع رئيسية للتجارة الإلكترونية، أبرزها نموذجا B2B وB2C. 

بعض الشركات في عالمنا تبيع منتجاتها وخدماتها لشركات أخرى بدلاً من المستهلكين الأفراد، وهو ما يطلق عليه "B2B" وهو اختصار "شركة إلى شركة" أو business to business، أما حين تكون المبيعات موجهة مباشرة إلى المستهلكين الأفراد، فهذا ما يطلق عليه المبيعات "من شركة إلى مستهلك" أو B2C أو "Business to Consumer". 

كيف يمكن الاستفادة من B2B وB2C في مجال النشر والإعلام؟ 

إذا قررت على سبيل لمثال إطلاق شركة ناشئة لبيع قصص مدعمة بالبيانات إلى وسائل الإعلام المختلفة، سواء كانت محلية أو أجنبية، فأنت في هذه الحالة تطبق نموذج B2B، فجمهورك هنا هو مؤسسات وكيانات وليس مجرد أفراد، أما إذا قررت إطلاق قسم خدمي في موقعك الصحفي، تقوم من خلاله بعمل مراجعات للمنتجات في الأسواق، وفي نهاية كل مقال ستضع روابط تتيح للقراء والمستخدمين شراء المنتجات التي تتناولها في مقالاتك، فأنت هنا تطبق نموذج B2C، ما يعني أنّ جمهورك المستهدف هو "أفراد". 

الجمهور المستهدف لشركات B2B 

لا زلنا مع المثال التخيلي لشركة ناشئة سنفترض أنك تمتلكها، تنتج صحافة مدعمة بالبيانات، والهدف الأساسي هو تنفيذ أو بيع قصص مدعمة بالبيانات لوسائل الإعلام الأخرى (الأمر يشبه عمل الوكالات الإخبارية). إذًا فجمهورك المستهدف هو شركات أخرى. الآن مطلوب منك كصاحب شركة ناشئة تطبق نموذج B2B الوصول بشكل استراتيجي مدروس إلى الشركات الأخرى، لكن انتظر، الأمر ليس بهذه السهولة، إذ يجب أن يشعر جميع الشركاء في المؤسسة التي تتواصل معها أن قرار الشراء في مصلحتهم جميعًا، لذلك يجب أن تكون خططك التسويقية كشركة B2B دقيقة وواضحة وجذابة. 

وتذكر دائمًا أن قرار اختيار منتجات B2B غالبًا ما يتم قبل لجنة شراء تتكون من عدة صناع قرارات، منهم صانع القرار التجاري، وهو الشخص المسؤول عن الميزانية، إضافة إلى صانع القرار التقني، وهو الشخص المؤهل لتقييم المنتجات، لكن هذا ليس كل شيء، فهناك المؤثرون أيضًا، وهم أفراد تؤثر آراؤهم في القرار النهائي للمؤسسة أو الشركة التي ستتعامل معك. 

وأهمية نموذج B2B فرضتها حاجة كل شركة أو مؤسسة إلى شراء منتجات أو خدمات تزيد من شهرتها ونجاحها، خصوصًا إذا كانت هي نفسها لا تمتلك فريقًا مدربًا ومحترفًا يقدم هذه الخدمة بشكل لائق لجمهورها. فقد يكون توظيف محررين متخصصين ومحترفين وقادرين على صناعة صحافة بيانات جذابة ودقيقة أمرًا مكلفًا، أو سيأخذ وقتًا طويلًا لتدريب هذا الفريق، فتلجأ بعض المؤسسات إلى التعامل مع وكالات لشراء القصص الجاهزة. 

أما إذا اخترت تطبيق نموذج B2C مثل الذي قامت به "نيويورك تايمز"، فستحتاج للاستعانة بفريق يمتلك الكثير من الأفكار الإبداعية، ويكون قادرًا على تطوير أعمالك، وفي نفس الوقت يفهم مجال النشر والإعلام بشكل كبير، ويدرك مصادر الأفكار متعددة، فيمكن أن تنهي مقالات المراجعات بروابط من مواقع تسوق وحين يشتري جمهورك عبر الروابط الخاصة بك فستحصل شركتك على عمولة، أو يمكن عمل متجر خاص تبيع من خلاله منتجات مثل الحقائب والقبعات ويكون عليها شعار مؤسستك، لكن تذكر دائمًا أن جدوى إنشاء هذا المشروع من عدمها تحتاج منك لدراسة احتياج الجمهور، وهذا يتطلب عينة ذات عدد مناسب، وتحديد طريقة مناسبة للوصول إليهم، وإلى تجهيز استطلاع رأي محترف بشكل يضمن نتائج جيدة ومفيدة وكذلك إلى مجهود ودراسة. 

حدد استراتيجيتك.. فورًا! 

خلال ندوة، قال داميان رادكليف: "إنّ التجارة الإلكترونية أصبحت جزءًا أساسيًا من عالم اليوم، ويجب على ناشري وسائل الإعلام الذين لم يتعاملوا معها من قبل أن يبدأوا فورًا في العثور على استراتيجيات يمكن أن تعمل لصالحهم"، ويصف عالم التجارة الإلكترونية بأنه "سوق كبير جدًا لا يمكن تفويته، سواء كنت تشعر بالراحة تجاه ذلك أم لا، فهذه مساحة يحتاج الناشرون إلى اختراقها، لأنه بخلاف ذلك، يعد هذا قدرًا هائلاً من الإنفاق الاستهلاكي والإعلاني الذي يذهب إلى مكان آخر. لا يمكن للناشرين التغاضي عن هذا السوق". 

يرى رادكليف أنه مع انخفاض عائدات الإعلانات، فإن المزيد من الناشرين "يتبنون بشكل متزايد التجارة الإلكترونية كجزء من مجموعة من استراتيجيات الإيرادات المختلفة". لقد أصبح الآن رابع أهم نوع من الإيرادات للناشرين. ومع إدراك الشركات الإعلامية أنها بحاجة إلى ثلاثة أو أربعة مصادر مختلفة للإيرادات، فسوف تستمر في النمو من حيث القيمة والأهمية. 

أمثلة على ابتكارات التجارة الإلكترونية 

صحيفة "نيويورك تايمز"وقسمها للمراجعات ليس المثال الوحيد على استخدام وسائل الإعلام للتجارة الإلكترونية كوسيلة جديدة لزيادة الأرباح، فنموذج توصية المحتوى المستخدم على المنصات الرقمية (موجود في مواقع عربية عديدة وغالبًا ما يكون أسفل كل مقال على الموقع) يستخدم لتشجيع القراء على شراء المنتجات. هناك أيضًا منصة أميركية مهمة، اسمها "تبولة"، توفر أداة للتجارة الإلكترونية تسمح للناشرين بدمج عروض المنتجات والتوصيات في مواقع الويب الخاصة بهم، مما يؤدي إلى تدفق كبير للإيرادات، كما قامت بعض المنصات الصحفية المهمة مثل Forbes وGQ، بإنشاء متاجر للتجارة الإلكترونية تقدم شعار علامتها التجارية على الملابس والبضائع، بمعنى أنه يمكنك شراء قبعة أو قميص من متجر فوربس عليه العلامة التجارية لشركة النشر الأميركية الشهيرة، وقد قامت وسائل إعلام عربية، منها موقع مدى مصر المستقل، بتنفيذ نفس الفكرة، إذ عرضَ منتجات للبيع عليها شعار الموقع، مثل الأكواب والقبعات والقمصان، لكن توقفت الفكرة في الوقت الحالي، ربما لأنها كانت تحتاج لمزيد من الدراسة، والتأكد من احتياج الجمهور. 

قال رادكليف كذلك إنّ "هناك الكثير من الطرق المختلفة التي يمكن بها تنفيذ وتفعيل التجارة الإلكترونية في مجال النشر والإعلام، ويمكن إدماجها عبر أي محتوى تقريبًا". في رأي رادكليف، فإنّ استخدام أدوات تسمح للمستهلكين بالنقر وشراء السلع الواردة في المقالات، هو أمر هام، إذ يرى أنّ معظم الأشخاص الذين يقرأون المراجعات مستعدون للشراء، ويكمل أن "المستهلكين يقدرون التقييمات حقًا. يذهبون إلى المواقع التي يثقون فيها في التقييمات"، مؤكدًا أن الخطوة المنطقية التالية لشركات النشر والإعلام هي السماح لجمهورها بالنقر فوق رابط يتيح لهم شراء المنتج، لأن "هذا يتعلق فقط بجعل رحلة المستهلك بسيطة قدر الإمكان". 

كما قدم رادكليف بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن يستخدمها ناشرو الأخبار لدمج التجارة الإلكترونية في عملهم وجعلها مصدرًا جديدًا لإيراداتهم، ومنها على سبيل المثال: 

1 - التسويق بالتبعية: ويعد هذا حاليًا المصدر الأكثر استخدامًا للتجارة الإلكترونية للناشرين، مما يسمح لهم بكسب عمولات على التحويلات أو النقرات على مواقع الويب ووسائل التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك.  

2 - شراكات البيع بالتجزئة: يمكن للشراكة مع بائعي التجزئة عن طريق تقديم تجربة شراء عبر النقر إلى زيادة الإيرادات. والمثال الأهم هنا هو ما قامت به BuzzFeed’s Tasty، (منصة تقدم للجمهور وصفات لإعداد طعام) والتي تسمح لجمهورها من المستهلكين بالنقر فوق عربة التسوق في نهاية وصفات الطعام لشراء جميع المكونات.

3 - الفصول والدورات: أصبحت الدورات التدريبية عبر الإنترنت والفصول الدراسية المنفردة ضرورية منذ جائحة "كوفيد 19"، ويمكن لوسائل الإعلام وشركات النشر أن تقدم دورات لجمهورها. 

4 - خدمات حجز السفر: يمكن لشركات النشر والإعلام أن تقدم لجمهورها خدمات مثل حجز السفر جنبًا إلى جنب مع المقالات المتعلقة بالوجهات السياحية وغيرها. 

احترف التجارة الإلكترونية 

هناك مصادر باللغة العربية يمكن أن تبحر بك بسلام في عالم التجارة الإلكترونية، منها مقالات داميان رادكليف على شبكة الصحفيين الدوليين. أيضًا ستجد هنا مقدمة مفيدة تعرفك الفرق بين أن يكون مشروعك B2C أو B2B، وهنا دليل سيساعدك بالخطوات على إعداد استراتيجية تسويق B2B، وهنا مزيد من المعلومات عن B2B وB2C كنماذج الأعمال التجارية الحديثة، وهنا ستجد دليل شامل لفهم شخصية العميل وتصميمها في أعمال B2B وB2C، ومن هنا ستعرف كيف تجهز استراتيجية للتسويق. 

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة إيجور مسكه.