قبيل مؤتمر الأطراف السابع والعشرين (كوب27) الذي انعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تلقيت دعوة من منظمة "أطباء بلا حدود" لعمل جلسة تدريبية لمجموعة من الصحفيين المقيمين في مصر حول كتابة القصص الصحفية عن قضايا تغير المناخ المرتبطة بالصحة، وبدأت التحضير للجلسة انطلاقًا من سؤال "كيف يؤثر تغير المناخ على صحتنا؟".
ووفق منظمة الصحة العالمية، هناك الكثير من العواقب الصحية المرتبطة بتغير المناخ إذ يؤثر على المحددات الأساسية للصحة وهي الهواء النظيف والمأوى الملائم والمياه النقية والغذاء والسلامة من الأمراض؛ ومن ثم تتأثر الصحة العامة للإنسان والحيوان. على سبيل المثال، يؤدي تضرر الزراعة ونقص الغذاء إلى أمراض مثل سوء التغذية. كما ينتج عن العواصف والفيضانات والحرائق التي تدمر البيوت والمدن وتلوث الهواء العديد من الإصابات والأمراض والوفيات. كما يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا والإسهال، وقد يؤدي الإجهاد الحراري إلى وفيات لاسيما في صفوف الرضع والمسنين، ويرتبط التغير المناخي كذلك بتغير في التوزيع الجغرافي للحشرات الناقلة للأمراض المعدية مثل الملاريا وحمى الضنك.
وتفيد منظمة الصحة العالمية أن تغير المناخ يقوض العديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة، مثل سبل العيش والمساواة وإتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي. ويتفاقم التأثير على أكثر الفئات ضعفًا وحرمانًا، بمن في ذلك النساء والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة والمهاجرة والمشردة وكبار السن. هذه التداعيات الخطيرة جعلت المنظمة تصف تغيُّر المناخ بأنه "أكبر تهديد صحي يواجه البشرية".
ولا يقتصر التأثير السلبي على صحة الإنسان وإنما تتأثر كافة الموجودات، ووفق دراسة بعنوان حماية صحة الحيوانات للمساعدة في الحد من آثار تغير المناخ على الجوع والفقر أعدتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( الفاو)، تؤثر الظروف البيئية مثل الجفاف والحرائق والفيضانات التي يسببها المناخ والإجهاد الحراري والطقس الذي لا يمكن التنبؤ به، على الاستجابات الفسيولوجية والمناعية لدى الماشية، في المقابل من شأن تحسين صحة الحيوانات أن يساهم في الحد من تغير المناخ لأن الحيوانات الأفضل صحة تكون أكثر إنتاجية وتسبب انبعاثات أقل.
- أدوار وقضايا يمكن أن تعالجها التقارير الصحفية:
انطلاقًا من هذه الحقائق نجد أمامنا العديد من التقارير الصحفية التي تنتظر من يكتب عنها لتنبيه الناس إلى المخاطر الحالية والمستقبلية وطرق الوقاية والعلاج، ومشاركة قصص الأشخاص المتضررين والفئات الأكثر هشاشة وطرح ومناقشة الحلول مع الخبراء والباحثين والمسؤولين والمجتمعات المحلية بما يساعد على التخفيف من هذه الآثار ومساعدة المجتمعات على التأقلم والتحلي بالمرونة المناخية والدفع باتجاه تغيير الأنشطة والسياسات التي تفاقم مثل هذه العواقب المهددة للصحة والحياة بأكملها، فمن المتوقع بين عامي 2030 و2050، أن يتسبب تغير المناخ في حدوث ما يقرب من 250 ألف حالة وفاة إضافية كل عام بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، علاوة على الخسائر الاقتصادية وتتراوح بين 2 و4 مليارات دولار أميركي سنويًا بحلول عام 2030 وفق منظمة الصحة العالمية.
يمكننا أن نكتب عن المسببات المؤدية لتفاقم الأضرار الصحية مثل التوسع في استخدام الوقود الأحفوري وتأثير الصناعات الملوثة للبيئة على صحة المواطنين والحيوانات، والسياسات الحكومية ومدى استجابتها للتوصيات الدولية، والتدابير الواجبة لتقليل الفاتورة الصحية والحد من انبعاثات غازات الدفيئة من خلال الحديث عن ضرورة تحسين خدمات النقل وإجمالي الانبعاثات الناتجة عنها وخيارات الغذاء واستخدام الطاقة وغيرها من السبل التي يمكن أن تؤدي إلى تقليل الانبعاثات ومن ثم تحسن الصحة.
وقد خلصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنّ تفادي الآثار الكارثية على الصحة ودرء حدوث ملايين الوفيات المرتبطة بتغير المناخ يقتضيان من العالم أن يحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية.
كما يمكن للتقارير والتحقيقات أن ترصد وتوثق الأضرار الصحية الواقعة في بقعة محددة وربطها بالملوثات والأنشطة البشرية المحيطة، أو تستعرض الدراسات التي كشفت التأثيرات المتنوعة وطرق تأقلم وتكيف الحيوانات الأكثر تضررًا من تغير المناخ والمهددة بالإنقراض، مثل الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة جنوب الدنمارك في 2022 ووضعت من خلالها قوائم للحيوانات الأقل والأكثر تهديدًا بفعل تغير المناخ.
ويمكن أيضًا أن تكون التغطية لقضايا الصحة وتغير المناخ من منظور صحافة الحلول، وتستعرض الحلول المطروحة والمقترحة لتحسين الصحة وتقليل الأضرار الصحية الواقعة على فئة معينة من البشر أو سكان منطقة محددة أو فصيل معين من الحيوانات من خلال استعراض وشرح وتفسير ومناقشة الدراسات والأبحاث والمبادرات والمشاريع القائمة على المستوى المحلي والدولي ومدى النجاح الذي حققته في تقليل الضرر الصحي. أو ترصد التغطية التأثيرات الصحية المرتبطة بقطاع معين مثل النظام الغذائي وكيف يمكن تقليل الانبعاثات من هذا القطاع وكيف لذلك أن يحسن الصحة، على سبيل المثال، يمكن اختيار زاوية لمعالجة موضوع "الرعاية الصحية الذكية مناخيًا"، (وهي نظم الرعاية الصحية التي تراعي المعايير البيئية وتحاول تخفيض الانبعاثات الناتجة عنها في محاول لبناء الصمود والمرونة المناخية)، مع تقديم الشرح والتوضيح للإجراءات التي يمكن أن تقلل من الانبعاثات الكربونية في المؤسسات الطبية والتواصل مع إدارة إحدى المستشفيات الخضراء للحديث حول تجربتها، ويمكن الرجوع لهذا المواقع لمعرفة المزيد حول الرعاية الصحية الذكية مناخيًا: رعاية صحية بدون ضرر، شبكة مستشفيات عالمية خضراء وصحية.
ولا يجب أن نغفل في تغطية ملف الصحة وتغير المناخ عن رصد تأثيرات الصحة النفسية الناتجة عن تغير المناخ ويمكن الرجوع لهذة المقالة السابقة (تأثير صحي لتغيّر المناخ.. وهذه أبرز الطرق لتغطيته) لمعرفة المزيد عن القلق والحزن البيئي وطرق التغطية الصحفية.
- مصادر للحصول على البيانات والمعلومات:
-يتضمن موقع منظمة الصحة العالمية العديد من التقارير التي تقدم المعلومات والإحصاءات فعلى سبيل المثال يمكننا أن نتعرف من خلال هذا التقرير الصادر عام 2021 والمتضمن لعدد من التوصيات التي تقدمها المنظمة بهذا الصدد، أن الوقود الأحفوري يتسبب في مصرع 13 شخصًا في الدقيقة حول العالم، وأن تخفيض مستويات تلوث الهواء يمكن أن يخفض إجمالي الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء على المستوى العالمي بنسبة 80%.
كما نعرف أن من شأن التحوّل إلى اتباع نظم غذائية نباتية مغذية أن يؤدي إلى تخفيض الانبعاثات العالمية بشكل كبير، ويكفل زيادة قدرة النظم الغذائية على الصمود، ويحول دون وقوع ما يناهز 5.1 مليون وفاة سنوياً بسبب النظام الغذائي بحلول عام 2050.
-تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حول الأخطار المناخية ذات التأثيرات الصحية، ونعرف منه على سبيل المثال معلومات وشرح وتفسير لبعض الظواهر الجوية وتداعياتها على الصحة مثل الجفاف والفيضانات والعواصف ودرجات الحرارة المتطرفة، ومن هذه المعلومات أن هناك نحو 60 ألف شخص يموتون سنويًا نتيجة ظواهر الطقس المتطرفة.
-تقرير الصحة تحت رحمة الوقود الأحفوري والصادر عن دورية لانست عام 2022، ويقدم الكثير من المعلومات حول الوفيات المرتبطة بالحرارة ويرصد انتشار الأمراض المعدية مثل الملاريا وحمى الضنك في بعض المناطق، وكيف زادت الظواهر المناخية المتطرفة من الضغط على الخدمات الصحية.
-تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) صادر عام 2022 بعنوان "دور صحة الحيوان في الإلتزامات الوطنية المتعلقة بالمناخ" ويكشف عن أن الاهتمام بصحّة الحيوانات أصبح ضرورةً لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويدعو الدول إلى وضع نظام لإدراج تحسين صحة الحيوان ضمن التزاماتها الوطنية المتعلقة بالمناخ.
كما يمكن التعرف على المزيد من الإحصاءات حول حجم الانبعاثات الصادرة عن الثروة الحيوانية من خلال تقرير آخر للفاو بعنوان معالجة تغير المناخ من خلال الثروة الحيوانية ومن الأرقام التي يتضمنها التقرير أن غاز الميثان وحده يشكل 44% من انبعاثات الثروة الحيوانية.
-يمكن الرجوع لموقع Environmental Insights Explorer التابع لشركة جوجل من أجل الحصول على بيانات حول إجمالي وتفاصيل الانبعاثات الصادرة عن قطاعات مثل النقل، والمباني داخل كل دولة ومدينة والكتابة عن أكثر وسائل المواصلات تلويثًا وإضرارًا بالصحة أو عمل مقارنات بين المدن والدول في إنتاج الانبعاثات من قطاع المباني.
-منظمات وهيئات دولية معنية بالصحة وتغير المناخ:
مؤسسة البيئة الصحية والعمل المناخي
شبكة مستشفيات عالمية خضراء وصحية
مركز هارفرد للمناخ والصحة والبيئة
- نصائح عند التغطية:
-أنسنة القصص من خلال التواصل مع الأشخاص المتضررين صحيًا ونقل معاناتهم بصدق وحساسية.
-اختيار زاوية محددة للتغطية حتى لا يتحول التقرير إلى ورقة بحثية.
-التنوع في المصادر بين الباحثين والأطباء وأصحاب المبادرات والمسؤولين والمجتمعات المحلية لإبراز مختلف الجوانب المتعلقة بالقصة.
-إبراز وتوثيق الأضرار الصحية بالأدلة الممكنة مثل التقارير الطبية، سجلات المستشفيات، الاختبارات العملية وغيرها من الوثائق المتاحة.
-نشر فيديوهات وصور توثق الأنشطة المُلوثة ومصادر الانبعاثات.
-الاعتماد على دراسات حديثة لضمان الحصول على بيانات وأرقام مُحدثة.
-مقارنة الوضع المحلي بما يحدث دوليًا لتقديم صورة صحيحة من دون مبالغة أو تهوين.
-تبسيط المحتوى العلمي والطبي، وتقديم الشرح والتوضيح للقارىء لمختلف التأثيرات الصحية وطرق الوقاية والعلاج كلما أمكن.
-عدم اقتصار التغطيات على استعراض تزايد معدلات الإصابة وتفاقم الأمراض بدون تقديم حلول ومبادرات لاحتواء الضرر حتى لا تؤدي التقارير الصحفية لنتائج عكسية تدفع القارىء للنفور من المحتوى المُقدم.
- نماذج صحفية:
"عقارب أسوان" توجه الأنظار إلى المخاطر الصحية المرتبطة بتغيُّر المناخ
ربو وأمراض مناعية ووهن- كبار السن الأكثر تأثرًا بتبعات تغير المناخ
الصورة الرئيسية من جلسة تدريبية نظمتها مؤسسة أطباء بلا حدود في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بالقاهرة - بعدسة بسام القاضي