نجح المدون الفلسطيني سعيد قديح في تحويل اللقطات العابرة، التي يصادفها أثناء تنقله بين محافظات قطاع غزة، إلى قصص مثيرة تتناقلها العديد من وسائل الإعلام، مشكلا بذلك النواة الأولى لمشروع إعلامي رقمي حمل اسم (My Story) يجمع بين النص والصورة معًا.
وأتقن قديح مهارات الكتابة والتدوين خلال سنوات دراسته بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية في غزة، وذلك سعيًا وراء تسليط الضوء على القضايا الإنسانية وكعنصر يطمح في التغيير المجتمعي.
وفي الحرب الأخيرة على غزّة 2014، استثمر قديح حسابه على فايسبوك في نشر قصصٍ مُصورّة تُبرز الحالة الإنسانية أثناء الحصار في بلدته القريبة من الحدود شرق خان يونس جنوب القطاع، ليزداد عقب ذلك متابعيه على حسابه الشخصي تدريجيًا، حيث وصلوا في الوقت الحالي لنحو 416 ألف متابع من حول العالم.
ويقول قديح لـ"شبكة الصحفيين الدوليين": "أحببت الكتابة للصورة أكثر من أي شيء آخر، فبدأت مطلع السنة الماضية 2018 بتوثيق قصص الناس في غزّة عبر مشروعٍ صحفي اسميته My Story برفقة المصور أحمد سلامة".
ويضيف: "نتجول بين حارات القرى وأحياء المُدن، نبحث عن أشخاص من مختلف الأعمار والفئات، كي نحول مخاوفهم وأحلامهم أو اللحظات الفارقة في حياتهم إلى قصص رقمية تفاعلية، وأحيانًا نستهدف أشخاص برزت نجاحاتهم في مجالات عدّة لنكتب عن تجاربهم".
ونال المشروع تفاعلًا كبيرًا على صفحات التواصل الاجتماعي، وأصبح المكان المُفضّل لمن يريد أن يعرف عما يفكر فيه الناس بغزّة أو يواجهونه، خاصة في ظل حرص قديح على ترجمة القصص من اللغة العربية إلى الإنجليزية بهدف الوصول إلى أكبر نسبة متابعين.
ويُدرك قديح أن "كل شخص لديه القصة التي يرغب أن يعرفها العالم عنه، ومتى ما وجد المرء القوة ليحكي قصته، مخاوفه وأحلامه من دون ترددٍ، فقد تكون تلك الكلمات قنديل النور الذي يتركه المرء خلفه للعالم؛ آخر بعيد لا تعرفه ولا يعرفك لكنه شعر أن قصتك المنشورة تُعبر عما عاشه، عما كابده، عما يرغب أن يعرفه أكثر".
وبعد قرابة الأربعة أشهر من إطلاق المشروع، تمكن قديح من الحصول على دعم وتمويل مالي من شركة الاتصالات الفلسطينية "جوال"، الأمر الذي أعطى مشروعه دفعة جديدة لإنتاج المزيد من القصص.
تتميز قصص My Story بالإيجاز ووضوح الفكرة والتركيز على زاوية واحدة مثيرة في حياة بطل القصة، فغالبا ما تتراوح عدد الكلمات (150 - 250) كلمة، إلى جانب صورة تفاعلية عالية الجودة تتناسب مع محتوى القصة المنشورة.
ويُعطي My Story تعريفًا جميلًا للقصة بجعلها موجزة أكثر بلغة فصحى سهلة، وتأتي صور المشروع أيضًا مُعبّرة عما يشعر فيه الشخص، عما تصفه القصة. يكمل قديح "لا نركز على أشخاص معروفين، بل قصص لأناس عاديين نطمح ليعرفهم العالم من خلال مشروعنا الذي يصل لكثيرين".
وكتابة قصة رقمية لمنصات التواصل الاجتماعي ليست أمرا سهلا، كما يقول قديح، موضحا "يسبقها وقت طويل للإستماع إلى كل ما يرويه الشخص، وأسئلة كثيرة، وإجابات أكثر، نلتقي بنوعية من الناس تحمل يأسًا، كثيرون لا يتعاملون معك لإنهم يعتقدون أن رواية القصة لن يغير من الحال شيئًا، ونوعية أخرى متحمسّة ليعرف العالم عنهم".
وتتمحور عناصر القصة الرقمية الناجحة، حول "البساطة، والإيجاز، واللغة السهلة، إلى جانب التركيز لا التكثيف، وتجنب الحشو، بالإضافة إلى القدرة على جعل صاحب القصة مُطمئنًا حين يروي لك القصة"، بمعنى أن يكسر الصحفي أو المدون الجليد بينه وبين بطل القصة حتى يبوح أكثر.
أما عن الصدى الذي حققه المشروع فيقول: "فور نشر أي قصة تُصبح محط اهتمام الكثيرين، سواء في التفاعل معها أو حتى طلب بيانات التواصل مع صاحب القصة، أذكر أنه بعد نشر كثير من القصص يتواصل صحفيون عرب أو أجانب ليكون صاحب القصة شخصيّة تقريرهم أو قصتهم التالية".
وللمشروع العديد من القصص المميزة التي حازت على تفاعل كبير، منها "قصة دلال" وهي امرأة فلسطينية مكفوفة عثر عليها المسعفون بينما كانت طفلةً في أواخر السبعينات بين أنقاض مُخيّمٍ للاجئين في جنوب لبنان دُمِر خلال الحرب، وضعوها في ملجأ، وأثناء زيارات وفود الإغاثة الأجانب للملجأ، تعلمت الإنجليزية والموسيقى إلى أن انتقلت للقاهرة وأكملت الثانوية، ومنها إلى غزّة.
في غزة طلبت الالتحاق بقسم الأدب الإنجليزي في جامعة الأزهر، فرفضت، ومع إصرار دلال انتزعت الموافقة لتصبح أول طالبة مكفوفة تدخل الجامعة في غزّة. لم تعرف دلال عائلتها بعد، تتقن ثلاث لغاتٍ، وقد نالت الماجستير، وتُحاضر حاليًا في جامعات غزّة، وتطمح لتكمل الدكتوراه.
لقراءة المزيد من القصص التي سلط My Story الضوء عليها، يمكنكم زيارة صفحة المشروع عبر فايسببوك