صحفيات الشرق الأوسط: تمييز جندري في الأجور والترقية والنقابات

Jan 16, 2024 em التنوع والإدماج
صورة تعبيرية

بعد يوم عملٍ شاق، تعود للمنزل لتستقبل اتصالًا هاتفيًا من أحد زملائها بالجريدة، يطلب منها المشاركة في اعتصام للمطالبة برفع الأجور، فتستجيب لطلبه، ليأتي طلبه الثاني بكتابة اسمها والراتب في ورقة سيرسلها لها ويرفعها للإدارة للتفاوض على المطالب، لتجد حينها أنّ راتب زميلها الذي التحق بالعمل عقب التحاقها بالجريدة بالدرجة الوظيفية نفسها يفوق راتبها بنسبة تصل لـ25%.

أسماء فتحي، صحفية مصرية عملت بصحف ومواقع مختلفة منذ ما يقرب 15 عامًا، حيث بدأت كصحفية في قسم الأخبار ثم انتقلت لقسم الاقتصاد، والآن اتجهت لقضايا المرأة. بعد سنوات عدة عاشت خلالها التمييز في العمل لأنها أنثى، بدايةً من التمييز في الأجور، وفرص الترقية، التي كان يحصل عليها الذكور في المؤسسة نفسها بسهولة، بينما تواجه الإناث صعوبات أكثر.

ما تعيشه أسماء هو واقع تعيشه صحفيات كثيرات ليس في مصر فقط، ولكن في دول عدة بالشرق الأوسط. في هذا السياق، تواصلت "شبكة الصحفيين الدوليين" مع 10 صحفيات من مصر ولبنان وتونس والأردن واليمن، 8 منهن أكدن أنهن تعرضن للتمييز في الأجور وفرص الترقية والوصول للنقابات المهنية مقارنة بالذكور.

ووفقًا لمسح أجرته "بي بي سي"، خلص إلى أنّ واحدًا من بين 4 رجال في المنطقة العربية يدعم المساواة بين الرجل والمرأة. وأشار المسح، الذي أُجري على 10 آلاف شخص، إلى أنّ قرابة نصف العينة رفض حصول المرأة على حقوق متساوية في العمل مع الرجال.

بالعودة لأسماء، فالبرغم من أنّ قانون العمل المصري، حظر التمييز ضد النساء فيما يخص الأجور، وفقًا للمادة 35، إلا أنه بحسب ما أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2017، تحتلّ مصر المرتبة 134 من أصل 144 دولة تعاني من فجوات في الأجور بين الرجال والنساء، وهو أيضًا ما أكده المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2018، الذي أوضح أن المرأة تتقاضى أجرًا شهريًا أقل من الرجل بنسبة 32%، وهو ما دفع أسماء لمناقشة الأمر مباشرة مع مديرها، الذي جاءت عباراته جميعها حول أنّ "الرجال يبذلون الجهد الأكبر مقارنة بالنساء حتى لو كانت المرأة تشغل نفس منصب الرجل"، لتؤكد أنّ "حديثه كان ذكوريًا فقط ولا علاقة له بالعمل أو الجهد المبذول، إنما جاء على أساس نظرة تمييزية للنساء".

عبارات مماثلة سمعتها غدير طيرة، صحفية من اليمن، تعمل منذ ما يقرب من 5 سنوات، حيث قالت: "في عام 2019 كنت أعمل مع إحدى المؤسسات، لكن مدير المؤسسة حينها قرر وقف العمل للجميع، فجاء الخبر بمثابة صدمة، حينها وجدته يسخر مني ومن زميلات أخريات، ويردد عبارات منها: أنتن لا تحتجن للعمل، الرجال هم من يحتاجونه"، مشيرة في حديثها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إلى أنّ نسبة النساء اللواتي يعلْنَ أسرهن في اليمن كبيرة، ولكن بالرغم من ذلك فما زالت النظرة لقدرات المرأة سلبية للغاية.

ولم يختلف التمييز في الترقية كثيرًا عن التمييز في الأجور، كما حدث مع ربى سعد، صحفية لبنانية، تعمل بالمهنة منذ 7 سنوات، بدأت كمحررة في القسم السياسي في الجريدة التي التحقت بها، وبعد 3 أعوام جاءت حركة ترقيات، توقعت ربى أن تكون الترقية من نصيبها خاصة أنها بذلت مجهودًا كثيرًا "خاب ظني عندما ذهبت الترقية برئاسة القسم لزميل آخر، بالرغم من أنه استلم العمل قبل عام ونصف فقط من ترقيته، وفقًا للحسابات المنطقية كنت أنا الأولى بتلك الترقية إذا تمت على أساس الأقدمية، أو على أساس الجهد فأنا أيضًا بذلت المجهود الأكبر".

في حديثها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين"، أكدت ربى أنّ الزميل الذي حصل على الترقية كان متدربًا تحت إشرافها في بداية عمله لمدة 3 أشهر، وطلب منها مدير التحرير تدريبه لأنها تملك الكثير من الخبرة، وبعد ترقيته، تواصلت مع مدير التحرير "كان الرد صادمًا وهو أنه رجل ولديه العديد من الالتزامات المادية والأسرية، وتلك الترقية ستساعده في الحصول على أجر أعلى وأيضًا مكانة أكبر، أما أنا فلدي زوج يتكفل بمصاريفي، كان الحوار محبطًا حتى أنه انتهى بأن المدير قال ساخرًا إنني أحتاج الراتب لشراء أدوات التجميل كبقية النساء، أما الصحفي الرجل فلديه أسرة مسؤولة منه".

عبارة "أنت سيدة لا يوجد لديك التزامات"، استمعت إليها معظم الصحفيات اللواتي تحدثن مع "شبكة الصحفيين الدوليين"، كمبرر لعدم المساواة في الأجور بينهن وبين الرجال، وأيضًا المساواة في فرص الترقية أو الوصول للنقابات المهنية وتمثيل الصحفيين، وهو ما دفع أسماء للانتقال للاهتمام بقضايا المرأة منذ 4 سنوات، وتدشين مؤسسة تحمل اسم "مؤنث سالم"، بجانب عملها الصحفي، لتكون صوتًا للحديث عن أصوات النساء، والمطالبة بحقوق متساوية لهن مع الرجال داخل أماكن العمل.

تتذكر أسماء ما وصفتها بالمعركة حين طلبت من مديرها أجرًا مساويًا لزملائها من الذكور "رغم أنني كنت أعمل نفس ساعات العمل وأحيانًا أعمل ساعات إضافية في المنزل، إلا أنّ عبارات الإشادة دومًا كانت تصل لزملائي الذكور، وكأنّ المكافأة سواء مادية أو تشجيعية مرتبطة بالجنس وليس بالعمل، وهو ما دفعني لتدشين المؤسسة، والعمل على حملات لكسر تلك المفاهيم، وبالفعل كانت واحدة من ضمن الحملات للمطالبة بالمساواة في الأجور، وتلقت خلالها المؤسسة مئات من الشهادات من صحفيات يشكين من عدم المساواة للأسباب نفسها".

وضع مماثل عاشته منيرة شريف من تونس، التي تعمل منذ ما يقرب من 11 عامًا، بالرغم أنها لم تعانِ بشكل واضح من التمييز في الأجور، إلا أنها تواجه نوعًا آخر، وهو التمييز في الترقي، فمن خلال ما يقرب من عشر مؤسسات صحفية مختلفة عملت بها، كانت نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب إدارية لا تتعدى الـ10%، وأحيانًا تكون تلك المهام مسنودة بالكامل للرجال، بالرغم من تقديم النساء الجهد نفسه الذي يقدمه الرجال، فبالتالي تكون فرص الترقي أمامهن متاحة، ولكن الرجال يحصلون عليها، كما قالت لـ"شبكة الصحفيين الدوليين".

يتفق حديث منيرة، مع آخر إحصائيات قدمتها النقابة التونسية للصحفيين في 2022، من خلال ورقة بحثية حول تمثيل النساء في وسائل الإعلام، أكدت بها أنه على الرغم من هيمنة الإناث على القطاع، فإن تولّي الصحفيات مناصب صنع القرار في الإعلام التونسي لا يتجاوز الـ 15%. وفسرت الورقة هذه النسبة المنخفضة، بسبب مجموعة من العوائق المجتمعية التي تحول دون وصول النساء إلى دوائر اتخاذ أو صنع القرار، وعلى رأسها الثقافة  القائمة على الهيمنة الذكورية، والتي تهمش أدوار النساء.

لا يختلف الوضع كثيرًا في مصر، فعلى مدار سنوات عدة، كان تمثيل المرأة في مجلس نقابة الصحفيين ضئيلًا لا يتجاوز عضوة واحدة، كما خلَت بعض الدورات من أي تمثيل نسائي، وصولًا للمجلس الحالي الذي يتألف من 12 عضوًا بينهم سيدة واحدة فقط، وفي 2015 أصدرت مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، ورقة حول تمثيل النساء في مجلس نقابة الصحفيين المصريين في 15 مجلسا متتاليًا، ووصلت إلى أنّ النسبة تراوحت بين 7 لـ23%، وأوصت ببرنامج عمل من أجل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين داخل المؤسسات الصحفية بما يضمن المساواة النوعية في الأجور والتوظيف والترقية، مع إقرار نظام انتخابي يتضمن كوتا للنساء في مجلس نقابة الصحفيين بحيث يخصص ثلث مقاعد المجلس للنساء.

وعن الحلول، توضح أسماء فتحي بصفتها نسوية وصحفية، أنها تأتي من خلال عقود واضحة للصحفيين اللواتي يعملن بدوام كامل، أو حتى للواتي يعملن بشكل مستقل أو حر مع مؤسسات صحفية، ببنود تؤكد المساواة في الأجور بين الجنسين، حتى يكون هناك مسار قانوني يمكن للصحفيات اتخاذه عند مخالفة البند "لا نطالب بأجور أعلى من الرجال، إنما نطالب بأجور متساوية، وأن يتم تقييم العمل بناء على العمل والجهد، وليس أشياء أخرى لا تتعلق بالعمل نفسه".

وتتفق أسماء وغيرها من الصحفيات على أنّ تغيير الثقافة التي تنظر دومًا للصحفيات على أنهن أقل من الرجال، هو الطريق الأول للحل، والوصول للعدالة في المؤسسات الصحفية بدون تمييز على أساس النوع الاجتماعي، فالأزمة الحقيقية تكمن في عدم الاقتناع بأحقية المرأة في الترقية والصعود المهني.

تضيف أسماء، أنه حتى الآن يتم الحكم على الصحفيات أنهن غير قادرات على تولي مناصب قيادية بدون تجربتهن في الأساس "حتى الآن لم تحظَ النساء بتمثيل كافٍ في المواقع القيادية حتى يمكن انتقادها أو انتقاد أدائها"، الحل من وجهة نظر أسماء ليس في تمييز إيجابي لصالح السيدات برغم أنهن تعرضن للإقصاء، ولكن في عدالة جندرية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Vanilla Bear Films.