مناهج كليات الصحافة والإعلام: جهود لتطوير الخطط الدراسية في الأردن وفلسطين 

por ناديا الشياب وعبد الرحمن محمود
Nov 16, 2022 em موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية

أسهم ظهور الإعلام الرقمي في زيادة عدد العاملين في مجال الصحافة والإعلام، بعد تحول عدد من الصحف العالمية من ورقية إلى إلكترونية، وازدياد حاجة المؤسسات الإعلامية كمحطات التلفزة والإذاعات لنشر محتوى رقمي على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بها؛ بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية. 

ولم يعد الأمر حكرًا على خريجي التخصص وحدهم، بل يكفي لشخص يمتلك هاتفًا ذكيًا وبعض الخبرة والمهارات الرقمية في التصوير والمونتاج أن يصنع قصة رقمية ينشرها وتنال رواجًا واسعًا.  

وضع هذا النموذج كليات الصحافة أمام تحدٍ حقيقي حول كيفية الخروج من الطابع الكلاسيكي لتدريس الإعلام وممارسته نحو المفاهيم الجديدة للصحافة الرقمية وأشكال النشر الرقمي؛ كالسرد القصصي الرقمي، وصحافة الموبايل، وإدارة غرف الأخبار الرقمية، بالإضافة إلى إدارة المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي والتسويق من خلالهما.   

وتبرز أهمية الوقوف على هذه التحديات، المعطيات التي تشير إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف خريجي الصحافة والإعلام؛ ففي الأراضي الفلسطينية وصلت نسبة البطالة إلى (44.3%) في عام 2021، مقارنة مع (56%) في عام 2020، وفقًا لإحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (هيئة حكومية). 

أما في الأردن، فقد صُنِف تخصص الصحافة والإعلام، في دراسة أطلقها ديوان الخدمة المدنية لعام 2021،  بعنوان "مؤشرات واقع عملية العرض والطلب على التخصصات العلمية في الخدمة المدنية لحملة المؤهل الجامعي والدبلوم الشامل لكليات المجتمع لعام 2022" بأنه تخصص راكد لكلا الجنسين؛ حيث يندر الطلب عليه، وعلى أثر ذلك جاء قرار الحكومة في أيلول/سبتمبر المنصرم بتخفيض عدد المقبولين في التخصص المذكور بنسبة (50%) في الجامعات الحكومية.   

ويستعرض المقال التعاوني الآتي واقع التطوير الحاصل للخطط الدراسية لتخصصات الصحافة والإعلام ومناهجها في عدد من الجامعات الأردنية و الفلسطينية والتحديات التي تواجه الخريجين، مع ذكر أهم التوصيات التي تساهم في اندماج طلاب الصحافة والإعلام في سوق العمل بشكل أكبر. 

في حديثه لـ"شبكة الصحفيين الدوليين"، علّق مدير الإنتاج المرئي في وكالة الرأي بفلسطين، أحمد المدهون قائلًا: "يمكن إرجاع مسببات البطالة بين صفوف خريجي الإعلام إلى سببين: الأول انخفاض معدلات القبول في كليات الإعلام عما كانت عليه قبل عقد من الآن؛ مما رفع نسبة الانتساب على حساب الاهتمام بالكفاءة. أما السبب الثاني، فهو التطور الذي طرأ مؤخرًا في مناهج كليات الإعلام والذي ما زال يتبع الفعل ولا يصنعه، ولذلك تبقى الفجوة قائمة بين ما يُدرس والمهارات الذاتية والعملية التي يحتاجها سوق العمل اليوم". 

ويتميز الإعلام الرقمي بأنه "ديناميكي التطور" يومًا بعد آخر، فأنماط النشر الرقمي تتجدد بالتزامن مع ظهور منصات تواصل جديدة على فترات، بل باتت الدائرة تتسع لتشمل صحافة البيانات والمصادر المفتوحة، والمدونات الصوتية، إلى جانب تقنيات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار. 

طوّرت جامعة اليرموك الخطة الدراسية لتخصص الصحافة التابعة لكلية الإعلام في الأعوام 2013، 2016، و2021، وأدخلت مساقات جديدة تتناسب مع التطورات الحاصلة في علم الصحافة والإعلام، والتكنولوجيا أيضًا. نذكر منها: مساقات الصحافة الإلكترونية المتقدمة، وتصميم المواقع الإخبارية، وتصميم مواقع الانترنت في الخطة الدراسية لعام 2016، ومساقات الصحافة الاستقصائية، وصحافة البيانات، والحديث الصحفي في خطة عام 2021. كما أوقفت جامعة فيلادلفيا، في الأردن، برنامج البكالوريوس لهذا التخصص في عام 2020. كما أوقفت جامعة فيلادلفيا، في الأردن، برنامج البكالوريوس لهذا التخصص.

من جانبها، استحدثت جامعة البتراء الخاصة في الأردن تخصص البكالوريوس في "الصحافة والإعلام الرقمي" في العام الجامعي 2020/2021، ليحل محلّ التخصص السابق "الصحافة والإعلام"، وطوّرت لـه الخطة الدراسيَة والمخرجات التعليمية؛ بالإضافة إلى التدريب العملي في حرم الجامعة في المختبرات والاستوديوهات الإذاعية والتلفزيونية المتطورة. كما استحدثت الجامعة تخصصًا جديدًا بالكامل وهو "الإعلام الترويجي الرقمي" في العام الجامعي 2021/2022؛ استجابًة لحاجات السوق في الترويج والعلاقات العامة الرقمية. 

وقالت رئيسة قسم الصحافة والإعلام الرقمي في الجامعة، د. رشــا اليعقوب، لـ"شبكة الصحفيين الدوليين": "إنّ الفكرة باستحداث هذا التخصص جاءت بعد دراسةٍ مستفيضة، من خلال لجنة متخصصة، شملت الجامعات المحلية وعددًا من الجامعات العربية والعالمية التي تطرح تخصصات الصحافة والإعلام والإعلام الرقمي في برامجها؛ لمواكبة التطور في المجال الأكاديمي للتقدم التكنولوجي السريع في عالم الاتصال والإعلام"، مضيفةً: "أجرت اللجنة تعديلًا نوعيًا على تخصص الصحافة والإعلام الرقمي؛ تضمن المسمّى نفسه، والخطة الدراسية والوصف الدقيق للمساقات المطروحة، وتحديد المخرجات التعليمية لكل مادة ومن ثم ربطها بالمخرجات التعليمية المطلوبة للتخصص". فأدخلت — الجامعة مساقات جديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، صحافة الهاتف المحمول، والتصميم الجرافيكي، والرسوم التوضيحية المتحركة، والشبكات الاجتماعية، وغيرها. كما طوّرت مساقات سابقة، مثل: إعداد وإنتاج الفيلم الوثائقي التلفزيوني، المدخل للاتصال التسويقي، والتقرير الصحفي الرقمي وغيرها.

كما استحدثت جامعة البلقاء التطبيقية في كلية السلط للعلوم الإنسانية برنامج الدبلوم المتوسط في تخصص الإعلام الرقمي للعام الدراسي 2020/2021، لتكون أول جامعة حكومية تمنح درجة الدبلوم في هذا التخصص. وتحتوي الخطة الدراسيّة على مساقات عملية، مثل: التصوير والمونتاج الرقمي، صحافة الموبايل، صناعة  المحتوى الرقمي، وصحافة البيانات وغيرها. 

ولكن، كيف ينظر طلاب الصحافة والإعلام للمناهج التي يدرسونها في كلياتهم؟

طالبة الصحافة والإعلام في الجامعة الإسلامية في فلسطين، مريم دباش، توضح أنها لم تلمس تغيرًا جذريًا على المنهاج خلال فترة دراستها طيلة الأربع سنوات، وبقي التدريس مقتصرًا في الغالب على الجانب النظري مع محدودية تقنيات التدريب. وأضافت لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أنّ "ذلك الواقع يدفع الطالب إلى صقل مهاراته الرقمية بشكل ذاتي بعيدًا عن أسوار الجامعة حتى يضمن لنفسه مكانًا في سوق العمل"، موضحة أنّ الجامعة استحدثت أيضًا برنامج البكالوريوس في الإعلام الرقمي، والذي يشمل مواد متعددة منها: إدارة الحملات الرقمية، والتسويق الإلكتروني، والتصميم الجرافيكي. 

لا يختلف الحال كثيرًا عند الطالب في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، في غزة، أحمد البلتاجي، الذي قال: "خلال الفترة الماضية طرأ تغيير على بعض المساقات كالتصوير الرقمي وإعداد القصص الرقمية، ولكني أرى أنّ التغيير كان بمثابة تقديم عناوين حديثة "براقة" من دون أثر ملموس على المهارات العملية أو الاكتفاء بإعطاء الطالب طرف خيط". 

أمّا عامر السعودي الذي تخرج قبل أشهر من كلية السلط للعلوم الإنسانية، فقال: "ما دفعني لدراسة التخصص هو شغفي وحبي لمهنة الإعلام منذ سنوات، بحثت ووجدت أنّ هذه الكلية تطرح مساقات حديثة ولديها خطة دراسية تواكب متطلبات السوق توازي برامج البكالوريوس في الجامعات، فالتحقت بها". ويضيف أنّ "توجه الشباب في هذه الأيام هو الإلمام العملي بالتقنيات والمهارات الرقمية في مجال الصحافة والإعلام بأشكالها المختلفة؛ المرئي والمسموع والمكتوب".

في حين يتفق المحاضر بالإعلام الرقمي في جامعة العقبة للتكنولوجيا، د. وسام الزعبي، وسكرتير التحرير في صحيفة فلسطين، نبيل سنونو، في حديثهما لشبكة الصحفيين الدوليين على أنّ النتائج المتوقعة لعملية تطوير المناهج تتمثل بأربعة عناصر، هي: 

  1. رفد سوق العمل بصحفيين رقميين يستندون على قاعدة علمية حديثة. 
  1. تعزيز مهارات الطلاب ليكونوا رياديين قادرين على تأسيس مشاريعهم الإعلامية الخاصة. 
  1. إكساب الطلاب مهارات العمل عن بُعد، بما يساهم في التقليل من مشكلة البطالة في السوق المحلي. 
  1. إعلاء قيمة التدريب العملي خلال سنوات الدراسة الجامعية، والتشبيك مع المؤسسات العاملة في الميدان لإعطاء مساحة للطلاب للممارسة الفعلية وتطويرها.

من جهة أخرى، أجرى معهد الإعلام الأردني تطويرًا لبرنامج الماجستير الذي يطرحه منذ عام 2009 في الصحافة والإعلام الحديث؛ إذ عـدّل الخطة الدراسية للعام الجامعي 2021/2022، وأدخل مساقات جديدة كمساقي صحافة الموبايل والصحافة المتخصصة، وأخرى تم تطويرها، كمساقي الاستقصاء وصحافة البيانات، والإعلام الرقمي - الصوت والصورة. 

كما استحدث المعهد مساقًا جديدًا بعنوان "غرفة الأخبار والإنتاج الإعلامي"؛ ليمثل تجربة حقيقية لغرفة أخبار تحاكي الواقع، ويشكل الطلاب فيها كادرها الإنتاجي؛ فيقومون بإعداد المواد الإعلامية وإنتاجها ومن ثم بثها عبر عدد من الوسائل الإعلامية. بالإضافة إلى ذلك، أدخل المعهد مساقين اختياريين، هما: مهارات إعلامية باللغة الفرنسية، ومهارات إعلامية باللغة الإنجليزية لرفد الشبكات الإعلامية الأجنبية الناطقة بالعربية بخريجين مؤهلين لذلك.

عميدة المعهد، د. مـيـرنـا أبوزيـد أوضحت لـ "شبكة الصحفيين الدوليين" أنّ "المعهد يركز أيضًا على تعريف الطلاب على الخبرات المتنوعة في العالمين العربي والغربي؛ حيث ينظم ورشات عمل وتدريبات موازية يقدّمها مدرسون ومدربون لتثبيت المعارف والمهارات التي يتلقاها الطلاب في إطار المواد الدراسيّة والبناء عليها، بإضافة أبعاد جديدة في الممارسة الصحفية المهنية". 

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، عقدت جامعة الشرق الأوسط، في الأردن، مؤتمرًا دوليـًا بعنوان "الإعلام بين مخرجات التعليم الجامعية ومتطلبات سوق العمل"؛ بهدف تجويد المخرجات التعليمية لكليات الإعلام بمشاركة باحثين وإعلاميين ومديري غرف أخبار محلية وعالمية من 11 دولة عربية. 

وناقش الحضور محاور عدة، كان أبرزها: جذب الإعلام الرقمي لطلاب كليات الصحافة، وفاعلية المناهج الإعلامية في ضوء تحديات سوق العمل، والأداء الإعلامي بين مخرجات التعليم وضغوطات العمل. 

وكانت أبرز التوصيات إلى كليات الإعلام:  

  • بذل الجهود التي من شأنها تقليل حجم الفجوة الرقمية بين التدريس الأكاديمي والممارسة التطبيقية. 
  • إعادة بناء المناهج التعليمية بالاعتماد على الريادة والإبداع؛ لتوفير كفاءات تلائم متطلبات سوق العمل.
  • استحداث مساقات جديدة في الخطط الدراسية ذات صلة بقواعد العمل الحر في العمل الإعلامي الرقمي. 

الصورة الرئيسية من انسبلاش بواسطة سكوت غراهام.