صحفيان عربيّان قطعا خطوط النار في أفغانستان.. وهذه إرشاداتهما للصحفيين

31 août 2021 dans السلامة الرقمية والجسدية
صورة

يواجه الصحفيون والصحفيات في أفغانستان مخاطر جمّة خلال التغطيات الميدانية التي يصبون في تنفيذها إلى نقل الصورة الواضحة إلى الأفغان والعالم بأسره، ما يحتّم عليهم أن يدرسوا خطواتهم بدقّة وأن يحضّروا لمراحل التغطيات الصحفية، من حساب المخاطر وحقيبة السلامة إلى ضمان السلامة خلال التغطية وصولًا إلى الصحة النفسية والعقلية بعد إنتهاء المهمة الصحفية.

وتتضاعف أهميّة تنظيم الصحفيين لعملهم والعناية بأنفسهم في أفغانستان، لا سيما مع توثيق مرصد الصحفيين المغتالين الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة حالات قتل الصحفيين والصحفيات في أفغانستان، وما كشفته الأمم المتحدة في تقرير نُشر في آذار/مارس 2021 عن أنّ "أكثر من ثلاثين صحفيًا وعاملًا في مجال الإعلام قُتلوا في أفغانستان منذ العام 2018، كما قُتل ما لا يقل عن ستة صحفيين جراء تعرّضهم لمحاولات اغتيال متعدّدة في مناطق أفغانية، خلال الفترة بين سبتمبر/أيلول 2020 ويناير/كانون الثاني 2021".

كما أفاد مركز الصحفيين الأفغان أنّ الصحفي علي رضا أحمدي، مراسل وكالة "رها" الإخبارية والمذيعة نجمة صادقي كانا بين ضحايا الهجوم الإنتحاري الذي وقع في كابول في 26 آب/أغسطس. وأوضح المركز أنّه "بمقتل الصحفيين في مطار كابول يرتفع عدد الصحفيين والعاملين بهذا المجال الذين قتلوا في أفغانستان منذ العام 2001 حتى الآن إلى 127 صحفيًا، ما يجعل أفغانستان من أخطر الدول بالنسبة للصحفيين".

كذلك فقد تمّ اغتيال رئيس المركز الإعلامي التابع للحكومة الأفغانية داوا خان مينابال، وقُتل مؤخرًا مدير محطة إذاعية في كابول، توفان العمري وخُطف الصحفي نعمة الله همت في ولاية هلمند الجنوبية. وتوفيت أيضًا المذيعة مينا خيري مع والدتها، إثر انفجار في العاصمة الأفغانية، وبحسب مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) فإنّ خيري البالغة من العمر 23 عامًا هي الخامسة بين الصحفيين والإعلاميين الذين قُتلوا في العام 2021.

وفي خضمّ هذه المخاطر ومع إغلاق أكثر من 90 مؤسسة إعلامية في أفغانستان بحسب تقرير أعدّته إذاعة صوت أميركا، وقّع 150 صحفيًا ومصورًا أفغانيًا رسالة مفتوحة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الداعمة لوسائل الإعلام، مطالبين بتأمين الحماية لهم.

إقرأوا أيضًا: قائمة بموارد واقتراحات لدعم الصحفيين الأفغان

إنطلاقًا ممّا تقدّم، التقت شبكة الصحفيين الدوليين بصحفيين خبيرَيْن قاما بتغطية الحرب في أفغانستان منذ 20 عامًا، وهما الإعلامي المصري عمرو عبدالحميد، وهو مذيع برنامج "رأي عام " على قناة TeN TV المصرية ومقدّم برنامج "من القاهرة" على قناة "سكاي نيوز عربية"، الذي قام بتغطية العديد من الحروب مثل حرب الشيشان الثانية عام 1999 وحرب أفغانستان 2001-2002 وحرب العراق 2003 وحرب جنوب لبنان 2006 وكذلك الأزمات التي اشتعلت في جمهوريات سوفيتية سابقة مثل أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان وغيرها.

صورةالصورة للإعلامي عمرو عبدالحميد خلال تغطيته في أفغانستان. مصدر الصورة: حساب عبدالحميد على تويتر

والصحفية المصرية أمل سرور التي عملت مع جريدة الأهرام وحصدت جوائز عدّة، بعدما أعدّت ملفات صحفية عن الدول ذات الأحداث الساخنة من بينها أفغانستان التي زارتها ثلاث مرات، المرة الأولى خلال فترة حكم "حركة طالبان" واستمرّت ثلاثة أسابيع وأجرت فيها مقابلات إضافةً إلى عملها الميداني، وبعدها ذهبت إلى أفغانستان لأسبوعين كمراسلة عسكرية للأهرام وغطّت الحرب الأميركية عام 2001، أمّا المرة الثالثة فغطّت فيها سرور الإنتخابات الأفغانية.    

وقدّم الصحفيان خلاصات تجربتيهما ليستفيد منها الصحفيون والصحفيات الذين يتنقلون في المناطق الأفغانية الآن من أجل نقل الأحداث الراهنة للعالم:

فقد أوضح الإعلامي عمرو عبدالحميد أنّه قام بثلاث مهام في أفغانستان من أكتوبر/تشرين الأول 2001 إلى مايو/أيار 2002، بإجمالي ثلاثة أشهر ونصف الشهر في مناطق عديدة أهمها طالوقان وغارديز وكابول. فيما تحدّثت الصحفية أمل سرور عن الصعوبات التي واجهتها خلال سفرها إلى أفغانستان لأوّل مرة، حيث ذهبت مع المصوّر إلى باكستان ومكثا أيّامًا بانتظار الحصول على تأشيرة. وعن دخولها أفغانستان لأول مرة، قالت في حديثها لشبكة الصحفيين الدوليين: "لم يكن المسكن بمأمن عن المخاطر، وكانت "طالبان" حينها قد خصصت فندقًا للصحفيين، لكننا كنّا نتحرّك بوجود مرافقين – بل مراقبين - من الحركة"، وأضافت: "كنا نسمع تبادل إطلاق نار في الزيارة الأولى، وخلال تغطية الحرب، كانت الكهرباء تنقطع في الفندق وفي إحدى المرات تناثر الزجاج عليّ وانجرحت".

العوائق خلال التغطية في بيئة خطرة

أوضح عبدالحميد في حديثه لشبكة الصحفيين الدوليين أنّ أبرز عائق واجهه في بداية التغطية حين وصلَ عبر الحدود الطاجيكية الأفغانية إلى بلدة "خواجة بهاء الدين" التي شهدت إغتيال أحمد شاه مسعود على يد عنصرَين قدّما نفسيهما لمسعود كصحفيين، وأثناء الحوار قاما بتفجير كاميرا مفخخة في عملية انتحارية نفّذاها. وقال عبدالحميد: "وصلت بعد مرور شهر ونصف على حدوث تلك العملية، وكانت مشاعر أنصار مسعود في أوج الغضب، وتلقيت تهديدات بالقتل".

وذكّرت سرور بالضغط النفسي والعصبي الذي عاشته، وقالت: "كنت أعلم أنني أذهب بمغامرة لكنّ تحركاتي محسوبة جيدة بطريقة أحافظ على سلامتي وأحقق هدفي العملي. وكان من الصعب أن أقنع طالبان بدخولي أفغانستان في البداية، لكنني تمكنت من ذلك"، مضيفةً أنّ من الصعوبات التي واجهتها كصحفية في أفغانستان كانت "الطرقات الوعرة والجبال التي يجب اجتيازها وآثار الدبابات والمناطق الملغمة، فقد استغرقت إحدى الرحلات تسع ساعات مع أنّها تحتاج ساعة واحدة فقط، ما تسبب لها بآلام جسدية لا تزال ترافقها حتى اليوم"، وأردفت: "تتمثّل العوائق أيضًا بلغة البشتو، وكنت أحتاج مترجمًا وأطلب منه تكرار الترجمة أكثر من مرة ليكون المعنى دقيقًا".

صورةصورة للصحفية أمل سرور خلال تغطيتها في أفغانستان. المصدر: حساب سرور على فيسبوك.

وردًا على سؤال حول وجود تباينات بين التغطية الصحفية للغزو الأجنبي وبين التمرّد المحلي أو الحرب الداخلية، قال عبدالحميد: "المسألة نسبية، رغم أن تغطية الغزو الأجنبي تبدو أسهل، أو هكذا شعرت أثناء تغطية حرب أفغانستان، فربما يعرّض التمرد المحلي الصحفي لخطورة أكبر لأن المعادلات على الأرض تكون غير واضحة، كذلك فإنّ التحالفات لا تبدو مضمونة أو دائمة".

إقرأوا أيضًا: الصحفيون الأفغان بخطر داهم ويحتاجون دعمًا عالميًا

من جهتها، شدّدت سرور على ضرورة أن يقرأ الصحفي ويعرف جيدًا عن المنطقة التي سيذهب لتغطيتها، سواء كانت ساحة حرب داخلية أو تتعرّض لغزو أجنبي. وقالت: "على الصحفي أن يُدرك أنّ طريقه لتغطية منطقة نزاع لن تكون مفروشة بالورود، ويجب أن يحضّر نفسه جيدًا".

تدريبات السلامة

أوضح عبد الحميد أنّه لم يخضع لتدريبات حول السلامة المهنية قبل التغطية في أفغانستان، قائلًا: "كانت الأحداث متسارعة واضطرت إدارة القناة حينها لإيفادي إلى هناك على وجه السرعة"، مضيفًا: "كنت أحاول التعامل بحكمة مع التهديدات التي كانت تصلني، مستعينًا بالمترجم المحلي وكنت أتحرك مع زملاء روس وألمان يملكون خبرة في تغطية حروب مماثلة، مما أتاح لي الاستفادة من تعاملهم في شتى المواقف الصعبة".

كذلك الأمر بالنسبة لسرور التي قالت إنّها لم تخضع لتدريبات السلامة "فقد رمينا أنفسنا بالنار" على حدّ تعبيرها. ولكن بعد الرحلات إلى أفغانستان، قدّمت سرور محاضرات في عدد من الجامعات المصرية حول كيفية إعداد الرحلة وتأهيل الصحفي نفسه نفسيًا للإنطلاق وحساب المخاطر، وقالت: "كنت أسمع الموسيقى لتهدئة نفسي". وشدّدت سرور أيضًا على حماية الصحفي لنفسه جسديًا، موضحةً أنّها حاولت ارتداء لباس مناسب وهو زيّ باكستانيّ فضفاض.

وعن حقيبة السلامة التي يحرص عبدالحميد على حملها خلال هذا النوع من التغطيات، شرح أنّها تتضمّن "أدوية لعلاج شتى الحالات الطارئة، حبوبًا لتنقية المياه وأطعمة محفوظة خفيفة الوزن، وكيسًأ للنوم sleeping bag ومصباحًا يدويًا flashlight".

ماذا عن الصحة النفسية والصدمات؟

أجاب عبدالحميد: "بالتأكيد تأثرت نفسيًا، لأنني لم أكن أتخيل نمط الحياة المأساوي الذي كان يعيشه الأفغان في ذلك الوقت. وشعرت بصدمة وخوف بعد مقتل أحد الزملاء الصحفيين الأوروبيين الذي كان يسكن في منزل ملاصق للبيت الذي كنا نستأجره، فقد سمعنا أصوات طلقات الرصاص فجرًا وخرجنا لنكتشف مقتل الزميل على يد مجموعة بهدف السرقة".

من جهتها، كشفت سرور أنّ مسلحين أوقفوها بعد انتهاء مهمتها الصحفية، وقالت: "دخلنا أفغانستان وكدنا نموت عند الخروج". مضيفةً: "تعرضت لضغط نفسي كبير بعد الرحلة، ويوجد ألم وتعب وأحاول أن أنسى ما رأيته وصرخات الأطفال ومعاناة الأمهات اللواتي فقدن أولادهن، لكن كلّ هذه المشاهد لا يمكن نسيانها، فنحن نبحث في البشر قبل الحجر. وستظل آثار الألم والحنين للبحث عن المغامرة". 

ومن النصائح التي قدّمتها سرور للصحفيات والصحفيين الذين يعملون في المناطق الخطرة:

  • احتساب الخطوات بدقّة ودراسة المغامرات جيدًا.
  • الخوف على النفس أساسي ويجب أن يشعر الصحفي أنّه مسؤول ويحسب المخاطر.
  • السعي نحو إيصال المعلومة للقراء والفضول للوصول إلى المجهول أمر أساسي.
  • لا تيأسوا وحاولوا أكثر من مرة لكي تحصلوا على المعلومة والصورة.
  • فهم عادات وتقاليد البلد لكسب ثقة الناس في الشارع والتحدث معهم.
  • يجب أن ينتبه الصحفي عند الحديث مع الزملاء باللغة العربية في أفغانستان إلى المصطلحات المُستخدمة، وإلى ما يقوله وألا يظنّ أنّ المقاتلين لن يفهموا عليه، لأنّ عددًا كبيرًا يجيد العربية.

توازيًا، قدّم عبدالحميد عددًا من النصائح للصحفيين والصحفيات الذين يغطّون الحروب والنزاعات، خصوصًا في أفغانستان، وهي:

  •  السلامة الشخصية قبل البحث عن السبق الصحفي.
  • ضرورة إبلاغ الزملاء في إدارة القناة أو الصحيفة والزملاء الموجودين بنفس مكان التغطية بكل التحركات.
  • الإطلاع بشكل وافٍ على أهم محطات التاريخ الحديث لأفغانستان.
  • فهم خريطة أفغانستان الإثنية، والعادات والتقاليد في هذا البلد.

إشارةً إلى أنّ عبدالحميد أطلقَ مركز الدراسات العربية الأوراسية (CAES) الذي يضمّ عددًا من الباحثين والخبراء في شؤون منطقة أوراسيا، ويستقبل المركز استفسارات الصحفيين حول تلك المنطقة.  

تقدّم شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة من الموارد التي تساعد الصحفيين في تغطية الصراعات والأزمات، اطلعوا عليها هنا

أفادت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية أنها بصدد العمل مع مجموعات مختلفة لمساعدة الزملاء الصحفيين على الخروج من أفغانستان: "إذا كنتم تعرفون صحفيين يحتاجون إلى الإجلاء، يرجى إرسال ملف حالتهم عبر البريد الإلكتروني إلى safety@womeninjournalism.org و emergencies@cpj.org".

تبحث لجنة سلامة الصحفيين الأفغان - التي تعمل بالشراكة مع منظمة دعم الإعلام الدولي - عن التمويل "لتأمين الحماية للصحفيين وضمان مواصلة عمل وسائل الإعلام المستقلة". يمكنكم التبرع من خلال الضغط على هذا الرابط.

كما تستقبل المؤسسة الدولية لإعلام المرأة التبرعات من أجل دعم الصحفيات في أفغانستان.

 سارة عبدالله هي مديرة برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلاميّة الناشئة وموقع شبكة الصحفيين الدوليين بالنسخة العربية.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الإستخدام على أنسبلاش