التصدي للمعلومات المغلوطة في ظل الحرب: منصات تعمل كخط دفاع أول 

Oct 15, 2024 en مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة

مع تصاعد الأزمات في لبنان بفعل الحرب المستمرة، يصبح انتشار الأخبار والمعلومات المغلوطة جزءاً من الواقع اليومي الذي يواجهه المواطنون. تلعب منصات عدة في لبنان دوراً حيوياً في مواجهة التدفق الكبير للمعلومات غير الموثوقة، وتعتمد على مجموعة من الآليات التي تجمع بين الرصد الآلي واليدوي للمعلومات، مع الاستعانة بأدوات تحليل البيانات لتحديد الصور ومقاطع الفيديو المشبوهة. كما يتم توظيف شبكة من المتطوعين والمراسلين المحليين لتقصي الحقائق بسرعة ودقة، بهدف تقديم معلومات موثوقة تعتمد على مقارنة المحتوى مع المصادر الرسمية. 

التحديات الكبرى: سباق ضد الزمن 

أحد أبرز التحديات التي تواجه فريق منصة صواب هو سرعة انتشار الأخبار المضللة مقارنةً بوتيرة التحقق منها. يقول حسن شعيتاني، مدقق معلومات وأحد مؤسسي منصة "صواب": "تنتشر الأخبار المغلوطة بسرعة فائقة، ما يجعل من الصعب السيطرة على انتشارها قبل أن يتم التحقق من صحتها. تتعقد عملية التحقق من الأخبار بفعل صعوبة الوصول إلى مصادر موثوقة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد". ويُضيف: "هذه التحديات تأتي في ظل جو سياسي متوتر، الأمر الذي يعرقل الوصول إلى حقائق غير متحيزة في بعض الأحيان". 

العمل في منصة "صواب" يعتمد بشكل أساسي على جهود المتطوعين، وهو ما يتطلب تنسيقًا عاليًا بين الأعضاء لتحقيق أعلى مستويات الدقة في التحقق من المعلومات، رغم ضغوط العمل المتزايدة خلال الأزمات. وعلى الرغم من هذه التحديات، يظلّ الفريق ملتزماً بتقديم محتوى خالٍ من التحيّز السياسي أو الأيديولوجي. 

جويس حنا، صحفية في خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة فرانس برس ومدربة في مجال تدقيق الأخبار، تقول: "نتعامل في وكالة AFP مع التحقق من المعلومات وفق معايير ثابتة تتمثل في الدقة، نضع المعلومات في سياقها الصحيح، ونعتمد على أدلة حاسمة غير قابلة للشك. أما في حالة انتشار صور قديمة تُتداول على أنها مرتبطة بالحرب الحالية في لبنان، نقوم بالبحث عن أدلة إضافية لتحديد سياق الصورة الأصلي، مع مراعاة كل العوامل التي تبرر نشرها في وقت سابق وإذا تعذر الوصول إلى معلومات إضافية، قد نلجأ إلى تحديد الموقع الجغرافي أو التواصل مع أشخاص يمكنهم تأكيد صحة الصورة". 

تضيف حنا، أنه أثناء الحروب، يتم التعامل بحذر أكبر نظرًا لزيادة حجم الأخبار المضللة. ومع ذلك، لا تختلف هذه الحرب عن سابقاتها من حيث التدفق الهائل للمعلومات الذي يرافق كل الحروب والأحداث، خاصة في بداياتها. في هذه الحالة، يتم العمل على تصفية المعلومات المشكوك فيها والتحقق منها وفقًا لمعاييرعدة. على سبيل المثال، إذا كان انتشار الخبر ضئيلاً، يتم تجنب تصحيحه ونشره، لعدم المساهمة في انتشار المعلومات المضللة بشكل أوسع. 

أنواع المعلومات المضللة: بين التحركات العسكرية والمساعدات الدولية 

"رصدت منصة "صواب" خلال الأزمة الأخيرة العديد من أشكال المعلومات المغلوطة، أكثرها شيوعاً كان الأخبار الزائفة حول التحركات العسكرية، التي تثير الذعر بين المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، أُعيد تداول العديد من الفيديوهات والصور القديمة التي يتم تقديمها على أنها أحداث جارية. كما ظهرت معلومات مضللة حول المساعدات الدولية، تستغل الأوضاع لتوجيه الرأي العام"، يقول شعيتاني لشبكة الصحفيين الدوليين. 

لتوعية الجمهور، تنشر المنصة أخباراً يومية على منصاتها، كما تنظم تدريبات لطلاب الجامعات والصحفيين والمواطنين، تركز على تطوير مهارات التحقق من المعلومات وتحليل مصادر الأخبار. تُقدم المنصة أدوات رقمية لتعليم كيفية التحقق من الصور والفيديوهات، بهدف تعزيز قدرة المجتمع على مقاومة الأخبار المضللة. 

من جهتها، توافق حنا زملاءها في منصة "صواب" على أنه دائمًا ما تهدف الأخبار المضللة خلال الحروب إلى نشر الخوف والذعر بين الناس، مضيفةً: "نحاول إيقاف انتشارها في الوقت المناسب. الفرق في عملنا هو أننا نكتب مقالات تدقيق المعلومات، وهنا نثني على المنصات الصغيرة التي تسهم في تصحيح المعلومات ونشرها بسرعة لتقليل تأثير الأخبار المضللة، مثل الأخبار التي تثير الذعر أو تدعو إلى إخلاء أماكن محددة". وتتابع: "رغم أننا لا نستطيع العمل بنفس سرعة هذه المنصات، إلا أننا نحرص على وضع الأخبار في سياقها الصحيح. ليس لدينا خطة خاصة لتغطية هذه الحرب، لكننا نلتزم بمعايير موحدة تقوم على العودة إلى المصدر الأساسي للمعلومات". 

النزاهة والحياد 

النزاهة والحياد ركيزتان أساسيتان في عمل منصة "صواب"، إذ يؤكد شعيتاني على أن عملية التحقق من المعلومات تجرى بغض النظر عن مصدرها، مع الاعتماد على مجموعة واسعة من المصادر المتنوعة. يتم تقييم كل خبر بناءً على معايير محددة، مثل تحليل مصدر الخبر، والتحقق من الصور والفيديوهات، والبحث عن تأكيدات من مصادر رسمية، وتسعى المنصة إلى الابتعاد عن أي تحيّز سياسي أو أيديولوجي في المحتوى الذي تقدمه. 

جويس حنا تعمل بوكالة عالمية معروفة بجودة عملها وشفافيتها، حسب ما تقول. وتضيف: "نتمتع بمصداقية ونتلقى يوميًا العديد من الأخبار من جميع أنحاء العالم. في بعض الأحيان، نلجأ إلى زملائنا في بلدان أخرى لمساعدتنا في التحقق، سواء من خلال الترجمة أو معرفتهم المباشرة بالسياق المحلي للأحداث. هذا التشبيك مع زملائنا يساعدنا على فهم أعمق للسياق الذي انتشرت فيه المعلومات أو الصور، ويتيح لنا الوصول إلى معلومات إضافية قد لا تكون متاحة عبر المصادر المفتوحة فقط، مثل مقالات الصحف أو تغطيات أخرى. لدينا محررون يعملون بـ26 لغة، وزملاء في مختلف القارات، مما يشكل قوة كبيرة لفريقنا". 

التعامل مع الطوارئ: خطة مرنة للعمل في زمن الحرب 

خلال هذه الحرب الدائرة في جنوب لبنان، يعمل فريق "صواب" لساعات طويلة وبمرونة عالية. ويتم توزيع المهام لضمان تغطية مستمرة للأحداث على مدار الساعة، حيث يتلقى الفريق استفسارات وأسئلة عبر منصات التواصل الاجتماعي ويقدم استجابات سريعة ودقيقة. بالإضافة إلى ذلك، توفر المنصة بيئة عمل مرنة تدعم الفريق التطوعي لضمان سلامتهم ورفاهيتهم. ويقول شعيتاني: "نعالج حوالي 6 أو 7 أخبار يوميًا ونتحقق منها، في بعض الأيام يقتصر ذلك على خبرين فقط". 

ظهور تحديات جديدة في نوعية المعلومات المزيفة 

في هذه الحرب، رصدت منصة "صواب" نوعاً جديداً من المعلومات المغلوطة يتمثل في المقاطع الصوتية المجهولة التي يتم تداولها مع ادعاءات كاذبة، إلى جانب تداول صور وفيديوهات مرتبطة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا على أنها أحداث حالية في لبنان. كما برزت الرسائل المفبركة التي تُرسل إلى هواتف المواطنين وتتسبب في حالة من الذعر. للتعامل مع هذه التطورات، تعمل المنصة على رصد هذه المعلومات وتقديم تقارير سريعة لتوعية الجمهور بمخاطرها. 

أما أبرز التحديات التي تواجهها وكالة فرانس برس، تقول جويس حنا: "هو عدم الوصول إلى الحل النهائي في بعض الأحيان، سواء كان ذلك يتعلق بالمعلومات أوالصور، مما يمنعنا من نشر تقرير التحقق. كما أنّ الضغط الزمني يلعب دورًا كبيرًا، حيث تنتشر الأخبار بسرعة ولا تنتظر أسابيع للتحقق منها. الهدف الأساسي لنا هو إيصال الحقيقة للعالم، وتوعيتهم بعدم الإنجرار وراء تصديق كل ما يشاهدونه، كما أننا نعمد إلى مشاركة الجمهور بالأدوات التي استخدمناها في عملية التحقق لنرفع مستوى الوعي لديهم". 

الصورة الرئيسية منتجة بواسطة Chat GPT.