أصوات من غزة: كيف غطّت النساء الحرب بطرق جديدة؟

Oct 8, 2024 en تغطية الأزمات
صورة

في ظلّ الأحداث المأساوية التي شهدتها غزة، برزت أصوات نسائية صحفية ولعبت دورًا حيويًا في نقل الصورة الحقيقية لما يحدث في غزة. 

وبعد عام من الحرب المستمرّة، قابلت شبكة الصحفيين الدوليين صحفيات قمن باستخدام وسائل الإعلام الحديثة لسرد قصص الحرب بطرق جديدة تلائم الجمهور. 

بودكاست "أصوات من الحرب" 

"أصوات من الحرب - أصوات فلسطينية" هو مشروع بدأ كامتداد لتطوير مشروع "الورشة بودكاست"، وهو برنامج تدريبي أطلقته نهى لملوم وهي صحفية ومدربة بالاتحاد الدولي للصحفيين بالشراكة مع الصحفي يحيى صقر. يهدف البرنامج إلى تدريب الصحفيين وطلاب الإعلام على إنتاج البودكاست الصحفي. من خلال هذا المشروع، تمّ التركيز على تقديم أصوات النساء في مناطق النزاع، وخصوصًا في غزة، حيث تم منحهن الفرصة لرواية قصصهن وتجاربهن الشخصية عبر بودكاست يعتمد على السرد الذاتي.

كانت الفكرة الأساسية هي استضافة النساء إلا أنّ نهى رأت أن تمكينهن من أدوات السرد الرقمي وتعليمهن المهارات اللازمة للإنتاج سيكون أكثر فعالية، وربما يفتح لهن أبواب عمل مستقبلية، لكنّ التحدي الأكبر كان في إيصال هذه الأصوات، مما دفع نهى إلى إطلاق برنامج تدريبي يتيح للنساء في غزة إنتاج قصصهن الخاصة. بالرغم من التحديات التي واجهتها، مثل انقطاع الإنترنت وصعوبة التواصل مع الصحفيات في ظل القصف، استمرت نهى وفريقها في العمل حتى تمّ إنتاج حلقات متميزة عبّرت عن تجارب النساء في تلك الظروف الصعبة.

دور البودكاست في الصحافة
ساهم البودكاست في تقديم القصص الصحفية بشكل مشوق وجذاب، حيث مكّن المستمعين من التعرف على جوانب جديدة من حياة الأشخاص في مناطق الحرب، كما أتاح المجال لقصص لم يكن بالإمكان توثيقها بالصور أو الفيديو، لتصبح الأصوات هي الوسيلة الأساسية لنقل المشهد، أحيانًا بقوة وتأثير أكبر من الصورة. في بعض الحالات، فضّل أصحاب القصص التعبير عن تجاربهم من خلال أصواتهم بدلًا من الظهور العلني، مما أضاف طابعًا شخصيًا وعاطفيًا للقصص.

تحدثت نهى عن التحديات التي واجهها الفريق، خاصة في تسجيل الأصوات في بيئات غير مستقرة، لكنها رأت أنّ هذه التحديات أضافت بُعدًا واقعيًا للقصص. كل قصة كانت تحديًا بحد ذاته، ونجح الفريق في توثيق قصص متنوعة مثل قصة "البحث عن شهادة ميلاد"، التي تناولت معاناة عائلة في غزة لعدم تمكنها من توثيق ولادة طفلة بسبب الأوضاع الأمنية.

كما شملت القصص الأخرى سردًا لحياة امرأة غادرت غزة أثناء الحرب، وقصصًا أخرى تعكس يوميات العيش تحت الحصار والقصف، مثل قصة "البحث عن علاج"، التي روت مأساة فتاة كانت تسعى لإنقاذ والدها المريض في ظل انهيار النظام الصحي في غزة.

أهمية البودكاست في الإعلام الجديد
يعتبر البودكاست اليوم مساحة حيوية للتعبير عن الأصوات المهمشة والمنسية، فهو يتيح للصحفيين والمستمعين استكشاف القصص التي قد لا تحظى بالاهتمام الكافي في وسائل الإعلام التقليدية. يتيح البودكاست سرد القصص بطريقة تفصيلية وجذابة، مما يجذب جمهورًا جديدًا وخاصة الأجيال الشابة التي أصبحت تميل لاستهلاك المحتوى الصوتي بشكل أكبر.

بالنسبة لنهى، يُعد البودكاست أداة قوية لإيصال القصص التي تختفي عادة خلف العناوين العاجلة والأخبار اليومية. تمكنت من خلال هذا المشروع من تقديم صوت النساء في غزة بشكل يعكس واقعهن اليومي، وفي نفس الوقت يروي حكاياتهن الشخصية التي تحمل في طياتها القوة والإلهام.

مستقبل استخدام البودكاست في تغطية النزاعات والحروب

تحدثت نهى عن أهمية البودكاست كأداة قوية وواعدة في تغطية النزاعات والحروب، حيث يوفر مساحة لإيصال الأصوات المهمشة والمنسية، ويسلط الضوء على القصص الغائبة في خضم التغطيات الإخبارية العاجلة. وأشارت إلى أنّ البودكاست يسمح بالاستماع إلى الحكايات بشكل مريح في أي وقت ومكان، مما يجعله وسيلة جذابة لجمهور جديد يتطلع إلى محتوى رائج وهادف. وذكرت أنّ الناس يميلون دائمًا للاستماع إلى القصص، سواء كانت وثائقية أو سردية، مما يُتيح للأبطال الحقيقيين أن يكونوا في الصدارة بينما يبقى الصحفي في الخلفية، مما يعزز من قرب القصة للجمهور. لذا، فإنّ المستقبل يتجه نحو استخدام البودكاست كوسيلة لتعزيز الوعي بالقضايا الإنسانية، من خلال تسليط الضوء على التجارب الفردية وتحقيق تأثير إيجابي على الوعي العام.

رواية القصص وتسليط الضوء على معاناة الأطفال

بينما كانت نهى تعمل على البودكاست، كانت هديل تسعى لتقديم قصص مختلفة، وذلك من خلال عملها في تغطية قضايا الأطفال المتضررين من الحرب عبر منصة "Tiny Hand"، التي تُعنى بتغطية قصص الأطفال في مناطق الحروب والصراعات. ركزت هديل على توثيق القصص الإنسانية للأطفال المتأثرين بالحرب في غزة، حيث يعتبر الأطفال الفئة الأكثر ضعفًا في ظل الحرب وهم الأكثر ضررًا سواء من الناحية النفسية أو الجسدية.

إحدى القصص التي أثرت فيها بشدة كانت عن طفل صغير فقد عائلته بأكملها في قصف جوي، وبقي وحيدًا يواجه الحياة بدون دعم أسري. وحرصت هديل على تقديم القصة بشكل مهني وإنساني يحافظ على خصوصية الطفل ويحترم مشاعره، بدون إثقاله بأسئلة مباشرة قد تسبب له ضررًا نفسيًا إضافيًا.

من خلال تجربتها، أشارت هديل إلى صعوبة إجراء مقابلات مع الأطفال في بعض الحالات، لأنهم غير قادرين على التعبير عن مشاعرهم بشكل كامل، أو لأنهم لا يزالون في حالة صدمة من الأحداث التي شهدوها. وفي بعض الأحيان، كان الأطفال يترددون في التحدث عمّا مروا به، مما جعل هديل تعتمد على استخدام صور ورسومات تعكس حالتهم النفسية وتسرد قصصهم بدون الحاجة للكثير من الكلام.

تحديات التغطية الميدانية في غزة

رغم الأهمية الكبيرة لهذه القصص، واجهت هديل تحديات كبيرة خلال عملها حيث كل قصة وكل مقابلة تطلب منها التغلب على صعوبات جمة. وعند التعامل مع قضايا حساسة، كان من الضروري إيصالها بالصورة الكاملة، مما يتطلب المزيد من الوقت والجهد. على سبيل المثال، التحقيق الصحفي الذي يمكن إنجازه في الظروف العادية كان يستغرق ضعف المدة في غزة، خاصة مع نقص وسائل الاتصال وصعوبة الحصول على الإنترنت. وبرز التحدي الأكبر عند لقاء الأطفال المفقودين وأهاليهم، حيث كان من الصعب اختيار الأسئلة المناسبة التي تعكس هذه القضية بشكل مهني، مما يتطلب تفكيرًا دقيقًا وحساسية كبيرة تجاه مشاعرهم وتجاربهم المؤلمة.

التأثير النفسي على الأطفال

كان الهدف الرئيسي لهديل هو تسليط الضوء على التأثيرات النفسية التي يعاني منها الأطفال نتيجة الحرب، مع التركيز على الجانب الإنساني في قصصهم. أحد الأمور التي لاحظتها هو أن العديد من الأطفال يعانون من الكوابيس واضطرابات النوم بسبب الأحداث العنيفة التي شهدوها. كما أن العديد منهم فقدوا الشعور بالأمان، وهو ما ينعكس في سلوكهم اليومي وتفاعلهم مع الآخرين.

لكنّ العمل مع الأطفال في هذه الظروف كان أيضًا يمنح هديل شعورًا بالأمل، حيث كانت تجد في بعض القصص نقاطًا مضيئة، مثل الطفل الذي استعاد شعوره بالأمان بفضل الدعم الذي قدمته له عائلته أو المجتمعات المحلية. هذه القصص كانت تؤكد لها أنّ الحرب، رغم قسوتها، لم تتمكن من القضاء على روح التحدي لدى الأطفال في غزة.

توثيق قصص الأطفال: أداة للتوعية الدولية

القصص التي وثقتها هديل لم تكن مجرد وسيلة لنقل الأخبار من غزة، بل كانت أيضًا أداة لرفع مستوى الوعي الدولي حول معاناة الأطفال الفلسطينيين. من خلال تقديم هذه القصص بطريقة إنسانية، كانت تأمل في جذب انتباه العالم إلى الأثر العميق الذي تخلفه الحروب على الأجيال الشابة، والدفع نحو اتخاذ خطوات عاجلة لحماية الأطفال في مناطق النزاع.

استخدام التكنولوجيا والقصص التفاعلية لتوثيق الحرب في غزة 

مارينا ميلاد، الصحفية والمحاضرة المتخصصة في السرد القصصي الرقمي، قدمت تجربة صحفية رائدة في تغطية الحرب على غزة. منذ بداية الحرب، أنتجت حوالى عشر قصص Cross-media، تمزج بين النصوص والوسائط السمعية والبصرية والإنفوجرافيك، إلى جانب البودكاست. ومن أبرز إنجازاتها كان إدخال تجربة جديدة في الصحافة المصرية وهي إنتاج قصص غامرة مستلهمة من عالم الألعاب، بالإضافة إلى قصص باستخدام تقنية الواقع المعزز. وتعتمد القصص الغامرة على إشراك المستخدم بشكل أعمق، حيث ينغمس في عالم القصة بحواسه كافة، وهو ما يتطلب محتوى ملائمًا وتوظيفًا ذكيًا للتكنولوجيا لتقديم تجربة مشوقة.

من ضمن القصص التي نالت إشادة كبيرة كانت قصة "برج فلسطين"، التي فازت بجائزة منتدى باميلا هوارد لتغطية الأزمات العالمية كإحدى أفضل التغطيات الصحفية لحرب غزة. هذه القصة سلطت الضوء على برج فلسطين السكني، الذي كان رمزًا لصمود غزة قبل أن يتم تدميره بالكامل في الحرب الأخيرة، ليكون البرج مرآة لتاريخ المدينة ومعاناة سكانها. واستخدمت تقنية السرد التفاعلي في قصة "أيام الموت"، حيث وضع المستخدم في مكان عائلة نازحة، لتعكس صعوبة النجاة. كما سلطت الضوء على الهجمات على المقابر في "دفن اضطراري"، وعرضت معاناة أهل غزة في رمضان عبر البودكاست. تناولت أيضًا خطر مخلفات الحرب في "ذكريات مُلغمة"، ودمجت تقنية الواقع المعزز في قصة "أطفال غزة النازحين إلى مصر".

التحديات التي واجهتها مارينا

واجهت مارينا العديد من التحديات والصعوبات أثناء تغطية الحرب، كان من أبرزها الوصول إلى المصادر في ظل الانقطاع شبه الكامل لشبكة الإنترنت. كانت تنتظر طويلًا لتجميع المعلومات، مع ضرورة مراعاة مشاعر المصادر وظروفهم الصعبة، مما تطلب منها بناء علاقات ثقة معهم واستخدام مصطلحات حساسة والتزام المعايير الأخلاقية في التعامل مع مصادرها. 

أما من ناحية الابتكار، فقد كان التحدي يكمن في التفكير في طرق عرض جديدة وجذابة للقصص، وهو ما تطلب منها الكثير من الوقت والجهد في ظل سرعة تطور الأحداث. كان عليها تحقيق توازن بين تقديم تصاميم مبتكرة وجذابة للقصة وبين ضرورة السرعة في التنفيذ لمواكبة الحدث.

ومن خلال هذه القصص، حرصت مارينا على تنويع الموضوعات والزوايا لتكمل بعضها البعض بدون تكرار. تحدثت عن معاناة سكان غزة، نزوحهم، تدمير البنايات والمعالم التاريخية، والمقابر بالإضافة إلى مناسبات مرت في ظل الحرب مثل شهر رمضان، والتهديد الذي تشكله مخلفات الحرب. كما غطت أيضًا قصص النازحين الذين لجأوا إلى مصر ومعهم ذكرياتهم وحكاياتهم. 

في خضم الحروب والصراعات، برزت أصوات النساء في غزة كأدوات قوية لنقل المعاناة والألم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني بطرق إبداعية ومبتكرة. من خلال البودكاست، والقصص الإنسانية للأطفال، والتغطيات الإعلامية التفاعلية، استطاعت نهى، هديل، ومارينا تقديم نماذج متميزة من الصحافة التي لا تكتفي برواية الأحداث، بل تسعى لتوثيق التجارب الإنسانية بطرق تلامس القلوب وتحرك الضمائر. هذه التجارب تلقي الضوء على قدرة الصحافة الرقمية الحديثة على تجاوز الحدود المادية والمعنوية، لتصل رسائل هؤلاء النساء إلى العالم أجمع، مطالبةً بالعدالة والسلام.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Leon Wu.