مبادرات إعلامية عربية لمواجهة خطاب الكراهية

Aug 3, 2023 en موضوعات متخصصة
صورة تعبيرية

تحظى قضايا التنوع الثقافي والديني والاجتماعي في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بأهمية قصوى لدى مختلف الفاعلين في المنطقة، خصوصًا لما تتطلبه من جهود للتعريف بهذا التنوع وكيفية تقبله بهدف تحقيق التسامح والتعايش، من خلال نشر رسائل توعوية تعزز قبول الاختلاف، ومناهضة التطرف، واحترام الآخر وتعزيز القيم الإيجابية. 

ونظرًا لأنّ الإعلام يعتبر من الوسائل الأكثر فاعلية لنقل أي رسالة لمختلف شرائح المجتمع، تبرز الحاجة إلى استغلال مختلف الوسائل الإعلامية للقيام بدور حيوي يُمَكّن من نشر رسائل إيجابية حول قضايا التنوع وتسهم في تعزيز روح التعايش والتسامح، وكذلك تعزّز قدرات الصحفيين لتبني تلك الرسائل ونشرها بشكل فعال. 

وبناءً على ذلك، انبثقت لدى نشطاء وصحفيين أفكار لتأسيس مبادرات إعلامية تحقق هذه الأهداف وفي الوقت نفسه تنشر قيم احترام التنوع لدى الصحفيين. 

وفي هذا السياق، تواصلت شبكة الصحفيين الدوليين مع مؤسسي تجربتين إعلاميتين مختلفتين للتعرف على الهدف منهما وكيف تعملان على تعزيز التماسك الاجتماعي. 

"المجرة" مجلة مصرية متخصصة في صحافة الحوار وإعلام السلام 

في حوارنا مع رئيسة تحرير مجلة المجرة، الكاتبة الصحفية والباحثة الإعلامية المصرية هناء شلتوت، وهي خريجة زمالة مركز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات "كايسيد"، أشارت لكون فكرة تأسيس مجلة المجرة جاءت من منطلق ضرورة تنمية الوعي حول احترام التنوع الديني وتعزيز الحوار والمسؤولية تجاه المجتمعات والشعوب، والانتقال من مرحلة التعليم التقليدي، إلى التعليم القائم على ضبط المفاهيم والمصطلحات، إضافة إلى المسؤولية المهنية تجاه المجتمع التي تفرض على الإعلاميين المساهمة في بسط سبل السلام وتبني قيم الحوار بعيدًا عما يحدث من انقسامات وخلافات وعدم تقبل الآخر، في وقت يموج فيه العالم بالصراعات والاختلافات، حيث أصبح العداء أقرب قرار للاختلافات، مع تفشي ظواهر العنصرية والتنمر وخطاب الكراهية وغيرها من الأوبئة التي قد تودي بالأرواح.
وبعد تخرجها من زمالة "الصحافة للحوار"، التي ينفذها مركز كايسيد، رأت هناء في ذلك الفرصة لإخراج فكرتها للواقع وهو ما توج بقبول مشروعها من طرف المركز لتكون بذلك ولادة أول مجلة مصرية متخصصة في صحافة الحوار وإعلام السلام. 

وتضيف الأستاذة هناء أنه وبالرغم من صعوبة المهمة والتحديات التي تواجهها مجلة المجرة إلا أنّ فريق العمل الذي يتمدد من داخل مصر وخارجها، كان مؤمنًا منذ اللحظات الأولى بالفكرة ويبذل كل الجهد لنجاح هدفها في ترسيخ التعايش والاندماج في المجتمع العربي، رغم الاختلاف الجندري والعقائدي والثقافي.

وجاء اتخاذ فريق المجلة لشعار "الكون يتسع لنا جميعًا"، ليولي عناية خاصة بمناقشة قضايا التعليم والمناهج التعليمية باعتبارها أحد مرتكزات التنمية المستدامة، وتفعيل دور المؤسسات التعليمية في نشر ثقافة الحوار مع الآخر، وإبراز قيمة الحوار باعتباره أرقى الأساليب الدعوية، وكذلك إبراز التطبيقات المعاصرة لحوار الأديان، والإسهام الصحفي في إثراء الإعلام العربي بموضوع حوار الأديان، بحسب هناء.

وتركز المجلة بصفة أساسية على تعزيز التماسك الاجتماعي في المنطقة العربية، ويظهر ذلك بشكل واضح في تناولها للموضوعات التربوية التي تلقي الضوء على المشاكل الاجتماعية وكيفية حلها من زاوية نفسية واجتماعية وتربوية ودينية، وتقوم أيضًا بإنتاج محتوى لنبذ التعصب والكراهية وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية، وكذلك الاهتمام بمشاكل المهاجرين واللاجئين واندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة.

وتعتمد المجلة أيضًا على التشبيك والتعاون مع مبادرات أخرى تعمل في نفس السياق بحيث تتعاون مع مجموعة من المبادرات من بينها مبادرة "أصواتهن للسلام" و"نون للحوار" ومبادرة "مركز الإبراهيمية للإعلام"، ومبادرة "التعايش بين أطفال أصحاب الديانات المختلفة".

وتعتمد المجلة في تطوير علمها على استراتيجية طويلة المدى سيتم خلالها تدشين مجموعة من الأنشطة والبرامج الحوارية، من بينها إقامة ورش عمل ومعارض فنية تحاكي طرائق الحوار وتهدف إلى ترسيخ ثقافة الاندماج والتعايش المشترك في المجتمعات، إضافة إلى التحضير لبرنامج حواري سيتم إطلاقه عبر منصات زووم ويوتيوب وسكايب، من المنتظر أن يجمع ثلة متنوعة من المحاورين على مستوى الوطن العربي من أيدولوجيات وثقافات مختلفة، إلى جانب اعتزام فريق العمل على إنتاج محتوى تفاعلي يخاطب فئات مستهدفة من فئات عمرية صغيرة بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي ويهدف إلى تنمية المهارات الحوارية. 

الهوية بودكاست: حوار التنوّع في المنطقة العربيَّة 

"الهوية بودكاست" هو برنامج حواري، يستضيف باحثات وباحثين، أكاديميات وأكاديميين، ناشطات وناشطين، يمثلون انتماءات دينية وثقافية متنوعة تعيش في المنطقة العربيّة، بهدف تسليط الضوء على التنوع الثقافي والديني، ونشره وترويجه في المجال العام الرقمي.

بهذا التعريف قدم لنا الأستاذ عبدالله الجبور الباحث والكاتب في الاجتماع السياسي، تجربته هذه التي تبلورت خلال عمله لسنوات عديدة في إعداد برامج المواطنة والشأن العام، حيث تأكد لدى الأستاذ عبد الله الإرتباط الوثيق بين الهوية والعيش المشترك، والذي رأى فيه تناميًا أكبر بعد جائحة كوفيد 19 التي حولت المجتمع التقليدي إلى مجتمع رقمي بشكل كبير، وبالتالي أصبح هناك مجال عام رقمي، ورأي عام رقمي، وهوية رقمية حسب وصف الأستاذ عبدالله الجبور.

وفي معرض رده عن سؤال حول مصدر فكرة هذا البودكاست أجاب بأنه "نظرًا لامتياز المنطقة العربية بالتنوع، لا تزال الهوية إحدى مصادر الصراع والتعصّب بسبب غياب الانفتاح على الآخر المختلف بالأفكار والمعتقدات، وفي ظل التحولات الرقمية للإعلام والمعرفة، ومن هنا جاءت فكرة إغناء هذا التنوع وتداوله في الفضاء الرقمي بهدف توثيقه وتسليط الضوء عليه عبر الحوار مع من يمثلون طيف هذا التنوع".

وأضاف أنه "من بين أهم الفرضيات المتعلقة بالصراع القائم على الهوية، أننا لا نعرف الآخر بشكل جيد أو أن لدينا صورة نمطية مسبقة عنه، وكلما غاب الآخر وضعف تداوله في المجال العام؛ كلما كانت فرص الصراع قائمة. لذلك تساهم معرفة الآخر ثقافيًا وفكريًا في إضفاء الطابع الإنساني على العلاقات والتواصل الحضاري بين المكونات المختلفة بالمعتقدات والأفكار، ومن المهم محو الأمية بالآخر المختلف بالفكر والمعتقد والثقافة وتسخير المجال العام الرقمي ليكون مصدر غنى وإثراء لهذا التنوع".

وعن اختياره لإنتاج محتوى بطريقة البودكاست لمعالجة هذه القضايا، أشار إلى أنه اختبار جاء نظرًا لكون البودكاست يلقى انتشارًا واسعًا في المنطقة العربية، وهي مؤشرات ظهرت أيضًا خلال عمل عبدالله وزملائه في راديو النجاح ومبادرات أخرى على برامج خلال سنوات عديدة وأيضًا خلال انتشار الجائحة.
ومن خلال حلقات "الهوية بودكاست"، تتم استضافة شخصيات عربية متخصصة بالهوية والتنوع الثقافي والديني وتُجرى حوارات معهم بأسلوب شيق  للتعرف على معلومات جديدة حول الآخر مثل الزواج والعادات والتقاليد وينشر فريق العمل تلك الحلقات في قنوات التواصل الرقمي ويقوم بتتبعها وقياس ردود الأفعال عليها، بالإضافة إلى ذلك يتم إرسالها عبر نشرة بريدية متخصصة لقواعد بيانات واسعة من الشباب من مختلف الدول العربية.

وقد تمّ إنتاج 10 حلقات متنوعة، متوسط الحلقات نحو 25 دقيقة، ومجموع كلي وصل إلى 290 دقيقة من الحوار حول التنوع، تركّزت على هوية التنوع الديني في المنطقة العربية وتم نشر الحلقات عبر منصات التواصل الاجتماعي ومنصات البودكاست الخاصة براديو النجاح ومركز المواطنة.

ويرى الأستاذ عبدالله أنّ هناك العديد من الأمثلة الإيجابية لتأثير الحلقات، من أهمها تزايد الطلب من قبل مؤسسات المجتمع المدني على استخدام الحلقات في البرامج التدريبية والتوعوية التي تنفذها تحت إطار التربية المدنية، بالإضافة إلى طلب محطات إذاعية مجتمعية بث الحلقات في أثيرها. 

وحاليًا تتم تجربة خطة للتوسع للوصول إلى انتماءات أخرى في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط العربية مع التركيز على التنوع الديني والهوية الاجتماعية، وبعد انتهاء وبث حلقات الهوية بودكاست سيتم العمل على تطوير مشروع جديد يهدف إلى تمكين منظمات المجتمع المدني من إنتاج حلقات بودكاست مع التركيز على قضايا المواطنة والتعددية وحقوق الإنسان.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة Priscilla Du Preez.