مبادرات لدعم صحافة المواطن في تونس

Feb 1, 2022 en موضوعات متخصصة
صورة

لا يزال النقاش محتدمًا حول "صحافة المواطن"، المصطلح المتجدد في مجالي الإعلام والمواطنة الذي تباينت حوله الآراء والتفاعلات بين داعم ومؤيد، ولكلّ رأي حججه وتبريراته.

وقد برزت مبادرات تسعى إلى تسليط الضوء على صحافة المواطن، والتشجيع على تشكيل إعلام خاص بها باعتباره سلطة خامسة، أي السلطة التي تحدّث عنها الباحث دان جيلمور عام 2004 في كتابه "نحن الإعلام" الذي يدافع عن الصحافة "من قبل الشعب من أجل الشعب".

في حديثٍ لشبكة الصحفيين الدوليين، ترى الباحثة والمدربة في مجال التربية الإعلامية وهيبة الغالي أنّ مصطلح صحافة المواطن "بدأ يفرض وجوده ويقترن بمباحث أخرى مثل التربية على وسائل الإعلام والحوكمة الرشيدة والديمقراطية التشاركية"، وهي في واقع الأمر توجهات قديمة بطرائق حديثة تغذّت من عوامل عدة أبرزها:

- الطفرة الإعلامية وتنوّع المشهد الإعلامي.

- انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي سهّلت من عملية نشر الخبر والصور والفيديوهات.

- التطور التكنولوجي والتقني وانتشار الهواتف الذكية المتاحة لجميع شرائح المجتمع ما يمكن من التقاط الصور والفيديوهات ومعالجتها بسهولة.

- سهولة الحصول على المعلومة وإنتاجها وبثها.

بناءً على العوامل السالفة الذكر تقول غالي: "بات جليًا أنّ إنكار هذا المصطلح لا يجدي لأنه أصبح واقعًا، من خلال تعددية الأدوار التي يلعبها، فالمواطن أصبح مصدر خبر من خلال المعلومة التي يبثها في شكل صورة أو نص أو تسجيل صوتي، ولم تعد وسائل الإعلام التقليدية هي المصدر الوحيد للخبر، ففي الأزمات مثلًا عندما تشحّ المعلومة أو تحجب، يصبح المواطن هو المصدر".

أدوار إعلامية متعددة للمواطن التونسي

في السياق التونسي، باتَ المواطن يلعب دورًا بارزًا في توثيق بعض الأحداث ونشرها، حتى أنه في كثير من الأحيان يحقق السبق الصحفي قبل وسائل الإعلام التقليدية ووكالات الأنباء المحترفة، كما تجده يسارع في نقل ونشر مشاغل ومشاكل "الفضاء العام المشترك مع مواطنين آخرين يتقاسم معهم الاهتمامات نفسها"، وهنا ترى غالي أنها مسؤولية تقرّ العديد من النظريات والمقاربات من أدوار الصحافة المهنية التقليدية، لكن نجد المواطن كذلك يتحملها، فالعديد من حملات النظافة والحملات التطوعية المختلفة أطلقها المواطنون عبر صفحاتهم وتفاعل معها بقية المواطنين، والملفت أنها سريعة الانتشار والمشاركة ودرجة التفاعل معها عالية جدًا لأنّ المواطنين يتابعون الصفحات المواطنية كما يتابعون وسائل الإعلام المهنية، وفي بعض الحالات تنخرط المؤسسات الرسمية في تلك المبادرات.

فالمواطن الصحفي في تونس يمارس بعض أدوار الصحفي في محيطه المحلي الضيق، على سبيل المثال: 

  • يقوم بتوثيق ونشر الأحداث، وكثيرًا ما تعتمد عليها المؤسسات الإعلامية الكبرى في نقل الأخبار والصور والفيديوهات.
  • ينتقد أداء المؤسسات والإدارات بكل حرية.
  • ينشر مشاكل الحي أو المدينة وينقل معاناة الناس للمسؤولين.
  •  ينشر الأخبار التي تهمّ المجتمع المحلي، خاصة حالات الوفاة والنجاح والزواج.
  •  ينشر إعلانات البيع والشراء التي عادة ما تكون خدمات مجانية.

وقد خصصت صفحات مواطنية لكل جهة أو قرية أو مدينة، كجزء من الديمقراطية التشاركية التي يمكن أن تتطور بصفة جلية، والتي يكون فيها المنتج الإعلامي مجانيًا.

دعوات للاعتراف بصحافة المواطن وتنظيمها

للاستفادة من هذا النوع من الصحافة، تتجه آراء باحثين في مجال الإعلام إلى حتمية الاعتراف به، وذلك من خلال تواصل الفاعلين والمؤسسات الإعلامية مع هؤلاء المواطنين الصحفيين، وتدريبهم على أخلاقيات العمل الصحفي وأساسياته والمرجعيات القانونية التي يخضع لها، حتى لا يقعوا في الأخطاء التي قد تؤدي أحيانًا إلى مقاضاتهم بسبب مخالفة أو جريمة كانوا يجهلونها. ومن هذا المنطلق برزت مبادرة هي الأولى من نوعها في تونس، تدعم صحافة المواطن وتجعل المواطن شريكًا أساسيًا في صناعة المحتوى الإعلامي، وهي مبادرة موقع "ماذا يحدث؟".

ماذا يحدث؟ الخبر من قلب الحدث

ماذا يحدث، هو موقع مخصص لصحافة المواطن في العالم العربي وأفريقيا، تأسّس في تونس خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي على يد مجموعة من الأساتذة والمتخصصين في مجال صحافة المواطن وتدقيق الأخبار تحت إشراف الدكتورة نهى بلعيد، وتبنّى الموقع شعار "الخبر من قلب الحدث" حيث يقدّم المعلومات بالاشتراك مع الصحفيين المواطنين عبر منحهم الفرصة للمساهمة في النقاش العام عبر الإنترنت، أي من خلال مدونات وشبكات التواصل الاجتماعي، والمساهمة أيضًا في تغطية الأحداث الآنية ومن قلب الحدث يقدّمها المواطن ويرسلها للموقع ليتمّ التحقق منها من قبل فريق صحفي قبل نشرها.

تعزيز دور المواطن الصحفي

إلى جانب إتاحة الفرصة أمام المواطنين لنقل انشغالاتهم وتطلعاتهم بكل حرية، يأتي هذا الموقع أيضًا لأغراض أخرى مهمة في مجال العمل الصحفي منها:                             

  • دعم حرية الرأي والتعبير.
  • تعزيز مفهوم المواطن الصحفي وإشراكه.
  • معالجة المعلومات المرسلة من قلب الحدث من قبل المواطنين.
  • مشاركة معلومات موثوقة وذات مصداقية.
  • تعزيز الحوكمة التشاركية.
  • المساهمة في جهود مكافحة انتشار الأخبار الزائفة.
  • إشراك المرأة وتشجيعها للمشاركة في الموقع كمواطنة صحفية.

طريقة عمل تشاركية بين المواطن والصحفي

ترتكز طريقة عمل موقع "ماذا يحدث؟" على التشاركية الكاملة بين المواطن وفريق العمل التابع للموقع من خلال الخطوات التالية:

- استقبال المحتوى الذي أعدّه المواطن وإرساله الكترونيًا للموقع عبر هذا الرابط، وقد يشمل المحتوى المرسل التغطيات المباشرة بالفيديو والصور والتسجيلات الصوتية، الشهادات، المقابلات والتقارير ومقالات الرأي.

- تصنيف المحتوى ما إذا كان خبرًا أو مقال رأي.

- إذا كان مقال رأي فيتم نشره بدون تعديل ولا يحتاج للتواصل مع صاحبه، حيث يلتزم الموقع بنشر كل مقالات الرأي التي ترسل إليه.

- بحال كان المحتوى الذي تم إرساله من قبل المواطن الصحفي خبرًا، يقوم فريق صحفي بالتأكد منه والحصول على المعلومات المتعلقة به.

- يتولّى هذا الفريق الصحفي المهني إعادة صياغة الخبر بأكمله أو تهذيب الصياغة.

- الاتصال مع المواطن في حال الحاجة إلى معلومات إضافية.

- التحقق من الصور أو الفيديوهات والوثائق التي يرسلها المواطن، باستخدام التطبيقات المخصصة لهذا الغرض.

- تُنشر المقالات باسم المواطن الصحفي بعد التحقق من المعلومات الواردة فيها والتدقيق بها من قبل الصحفي المهني.

- في حال كان المواطن لا يتقن الكتابة والتعبير، لكنه يمتلك فيديو للحدث أو صوراً له، يتمّ تكليف صحفي بصياغة المقال أو المحتوى.

قواعد أخلاقية لضبط عمل المواطن الصحفي

يخضع العمل بموقع ماذا يحدث، لميثاق أخلاقي يلتزم فيه المواطن الصحفي بالقواعد الأخلاقية والمهنية المتعارف عليها في العمل الصحفي والتي تتمثّل بما يلي:

- السعي إلى ممارسة صحافة الجودة.

- تجنب إهانة الناس لتحقيق السبق الصحفي.

- عدم المساس بنظام الأمن العام للدولة. 

- احترام الحياة الخاصة للأفراد.

- الامتناع عن السرقة الأدبية.

كما أنّ الموقع لا ينشر أي خبر يصله إلا بعد التواصل مع كاتبه أو مصدر المعلومة والتحقق منه بشكل كلي، لهذا لا يتم اللجوء إلى نشر العديد من الأخبار بقدر السعي إلى نشر أخبار متيقن منها، وهذا يدخل ضمن التزام القائمين على الموقع بمحاربة الأخبار الزائفة وإضفاء مصداقية أكبر على عمل المواطن الصحفي.

وجرى اختيار هذا المشروع الإعلامي في العام 2021، من بين أفضل 25 مشروعًا للمواطنين الشباب في إفريقيا، كجزء من برنامج احتضان المشاريع الذي تشرف عليه وكالة تنمية الإعلام الفرنسية CFI.

الصورة الرئيسية لموقع "ماذا يحدث؟"