غالبًا ما يتوقّع القراء والمتابعون من الصحفيين تقديم المعلومة في قالب مبسط ومفهوم، لكنّ المعلومات القادمة من المؤسسات البرلمانية تبقى في كثير من الأحيان غير واضحة بالنسبة للبعض، على الرغم من اهتمامهم بها، لا سيما إن لم يكن المتابعون ملمّين بالمفاهيم السياسية وأدوار الفاعلين السياسيين.
وليكتمل عمل الصحفي الذي تناط به مهمة تغطية أشغال المؤسسات البرلمانية، من الضروري أن يُدرك عمل هذه المؤسسات ومختلف جوانب العمل البرلماني في علاقته مع اهتمامات المواطنين وربطها بمختلف جوانب العمل الصحفي.
وللإحاطة بكل هذه الجوانب، أعدّ الصحفي والباحث في الإعلام والعلوم السياسية يونس مسكين دليلًا تدريبيًا شاملًا موجهًا للصحفيين لتغطية أشغال مجلس النواب بصفته مؤسسة برلمانية تشريعية، وجاء في مقدمته التعريفية أنّ الدليل "يعتمد على منهجية تجمع بين المقاربة القانونية من خلال تقديم صورة شاملة حول أدوار وخصائص وطرق اشتغال مؤسسة مجلس النواب، باستحضار دائم لاهتمامات ومجال اشتغال الصحفيين؛ ثم مقاربة مهنية إعلامية مقارنة، تتمثل في مسح شامل للتجارب الدولية، سواء منها العريقة أو الناشئة ديمقراطيًا، وتقديمها في قالب مبسط ومنهجية عملية تلامس مختلف جوانب العمل الصحفي في علاقته بتغطية مؤسسة برلمانية كمجلس النواب".
شبكة الصحفيين الدوليين تواصلت مع الصحفي يونس مسكين للتحدّث عن أهمية هذا الدليل بالنسبة للصحفيين حيث جاء في رده أنّ "أهمية هذا الدليل تكمن بأهمية موضوعه"، وأضاف أنه لا يخفى على أحد مدى ارتباط عمل الصحافة ووظائفها بالدولة الحديثة القائمة على الديمقراطية وفصل السلطات وتمكين المواطن وإسماع صوته، وأنه لا يجهل أحد أهمية ومركزية المؤسسة البرلمانية في هذه الدولة الحديثة.
انطلاقًا ممّا سبق، أكّد أنّ هذا الدليل يرمي أولًا إلى إثارة انتباه الصحفيين وتحفيزهم على التفكير في الخصوصيات التي تطبع عملهم عندما يتعلق الأمر بتغطية أشغال المؤسسة البرلمانية، ولخّص الصحفي هذا الدليل بشكل عام بأنه "يقدّم المؤسسة البرلمانية من الزاوية التي تهم الصحفي وتخدم وظيفته، والجانب العملي للممارسة الصحفية، بالاعتماد على الكثير من التجارب المقارنة والممارسة الفضلى التي طوّرتها الأمم المتقدّمة في مجالي الديمقراطية والإعلام، مع محاولة تقديمها بشكل مكثف حتى يتمكن الصحفيون من ملامسة الخصائص التقنية والمهنية للعمل على الموضوع البرلماني، والمحاذير الأخلاقية ومكامن المسؤولية التي ينطوي عليها عملهم في هذا المجال".
من خلال اطلاعنا على نسخة من الدليل المتوفرة على موقع جمعية سمسم - مشاركة مواطنة بصفتها المؤسسة المشرفة على إنتاجه نجده ينقسم إلى محورين أساسيين، الأول يشمل تعريفات شاملة من أجل بناء معرفة لدى الصحفيين بخصائص وأدوار مجلس النواب انطلاقًا من توضيح وتفسير معنى التمثيل السياسي تاريخيًا وتوضيح لماذا يحتاج المواطنين إلى منتَخَبين للنيابة عنهم.
كما يتوجه الدليل إلى التخصص أكثر في المواثيق الدستورية المتعلقة بالبرلمان والتمثيلية السياسية، ويقدّم شرحًا مفصلًا لمساعدة الصحفيين في فهم مراحل الانتخابات بصفتها الطريق إلى مجلس النواب مع شرح مبسط لنمط الإنتخاب ومراحل إعلان النتائج وتقسيم الأدوار والمهام ووظائف اللجان التشريعية وكيف يتم تحضير مشاريع القوانين.
ويتطرّق الدليل إلى وسائل وأدوار المواطنين في عملية اتخاذ القرار من إمكانية مراقبة عمل الحكومة وآليات تقييم السياسات العمومية، معتمدًا في ذلك على رسوم توضيحية ومراجع قانونية لتيسير الوصول لمصادر المعلومات المعتمدة، ويختتم هذا المحور بقاموس العمل البرلماني الذي يسهّل التعامل مع المصطلحات المعمول بها.
وقد تمّ تخصيص المحور الثاني من الدليل للإعلام البرلماني، بالتطرق لمبادئه وخصائصه وأدواره حيث يستهلّ هذا المحور بتعريف لعالم الاجتماع الفرنسي دومينيك والتون، الذي عرّف فيه الإعلام البرلماني بأنّه "الفضاء الذي يتم فيه تبادل الآراء المتعارضة من قبل ثلاثة لاعبين هم: رجال السياسة والإعلاميين والرأي العام".
ثمّ يقدّم الدليل تلخيصًا لمبادئ الإعلام البرلماني في ثماني نقاط وهي كالتالي: أن يكون إعلامًا نشطًا واستباقيًا؛ موجزًا وشاملًا يلخّص ما هو أساسي؛ دقيقًا ومباشرًا درءًا للتأويلات والغموض؛ متوازنًا وعادلًا في التغطية؛ مستدامًا وليس مناسباتيًا؛ صادقًا ولو تطلب الأمر الإبلاغ عن أمور مزعجة؛ واضحًا ومفهومًا وقابلًا للاستيعاب من طرف العموم؛ وأن يصاغ بلغة المتلقي.
أما بالنسبة لوظائف الإعلام البرلماني، فقد قدّمها الدليل في كونها من وسائل تعزيز الديمقراطية، وتساهم في الحضور الفاعل للإعلام من خلال تمكين المواطن من متابعة العمل البرلماني، مع الدفاع عن صورة البرلمان بإظهار دوره في تعزيز الثقة في الممارسة الديمقراطية، كما أن من أهم وظائف الإعلام البرلماني هو قدرته على دعم الوظيفة التمثيلية والرقابية لمؤسسة للبرلمان بتوفير فرصة مراقبة العمل البرلماني من طرف المواطنين عبر متابعة الجلسات والقرارات الصادرة وتقييمها بنقلها من نقاشات داخل قبة البرلمان إلى الفضاء العام.
وعمل الدليل على إبراز ثلاث تقنيات وقواعد للإعلام البرلماني وهي كما يلي:
1. السرعة في نقل الخبر بدون إغفال الجانب المتعلق بالإجراءات المسطرية المعمول بها في إصدار القرارات في البرلمان.
2. تبسيط المعلومة بالشكل الذي يجعلها في متناول المتلقي.
3. نقل المعلومات الصادرة من البرلمان من العمومية إلى الخصوصية للتناسب مع اهتمامات المتلقي وتطلعاته.
وقد قدّم الدليل أيضًا عشر قواعد للتغطية الصحفية للبرلمان كتلخيص القواعد المرجعية الكبرى في مجال المواكبة الصحفية لعمل المؤسسات البرلمانية التي قدمها الخبير الإعلامي والصحفي السابق في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، بوب إيجينتون.
ولم يغفل الدليل إبراز مميزات الصحفي المتخصص في الشأن البرلماني، وإعطاء نصائح لما قد ما يحتاجه الصحفي المتخصص في تغطية العمل البرلماني من مهارات ومعارف.
وخصّص أيضًا قسمًا لقواعد الكتابة والتغطية من داخل البرلمان مع تقديم مصادر للأخبار في التغطية الصحفية للبرلمان. وبعدما قدّم عدة نقاط متعلقة بأخلاقيات التغطية الصحفية للبرلمان، اختتم الدليل بتوصيات ونصائح عامة ومصادر ووثائق مرجعية لكل المعلومات المذكورة في الدليل.
في نهاية حوارنا مع الصحفي يونس مسكين طلبنا منه أن يقدم إرشادات لكيفية استفادة الصحفيين من دول أخرى من مخرجات هذا الدليل وكيفية تطبيق هذه التجربة في بلدانهم، فردّ كما يلي: "هذا الدليل، وباستثناء الجزء الخاص بوصف مجلس النواب المغربي وسلطاته ومساطر اشتغاله الداخلي، لا يحمل أي خصوصية مغربية في مجال التغطية الصحفية للمؤسسة البرلمانية، لكونه استلهم جلّ مضامينه من التجارب الرائدة عالميًا، سواء منها التي أفرزتها الممارسة العملية لبعض الهيئات والمؤسسات البرلمانية أو تلك التي أنتجتها دراسات وأبحاث علمية في هذا المجال. بالتالي يشكل هذا الدليل مرجعًا موحدًا، مع إمكانية تطويره، لكل الناطقين باللغة العربية".
تمّ نشر الصورة الرئيسية والمعتمدة لغلاف الدليل بعد موافقة الجهة الناشرة