كيف تستخدم "نظرية التغيير" لصياغة مقترح مشروع إعلامي احترافي؟ 

May 22, 2023 in استدامة وسائل الإعلام
صورة

تمّ نشر هذه المقالة ضمن سلسلة تبحث في تطوير المشاريع الإعلامية الناشئة.

يحتاج الأشخاص الذين يرغبون في تأسيس أو تطوير مشروع إعلامي وتقديمه إلى جهات مانحة، إلى منهجيات ناجعة لصياغة مقترحات المشاريع بأساليب احترافية تكون قادرة على توضيح الأفكار، وتكون كذلك أداة تيسّر إقناع هذه الجهات المانحة والمؤسسات الممولة بأهمية المشروع الإعلامي المقترح وضرورة تمويله. 

لهذا نقترح عليكم الاعتماد على منهجية "نظرية التغيير" Theory Of Change TOC والتي تعتبر من بين أهم المنهجيات المتعارف عليها في عالم صياغة مقترحات المشاريع والتي ينصح الخبراء باستخدامها وتحبذها مؤسسات تموّل المشاريع.

في البداية يجب معرفة ما هي نظرية التغيير، ولماذا هي مهمة جدًا؟

تعدّ نظرية التغيير من الأدوات المنهجية التي يتم استخدامها عند صياغة مقترحات المشاريع، وتمّ تطويرها للإجابة عن الحاجة لتصميم مشاريع بإطار منطقي يوضح التصور الشامل، ويعطي بشكل جلي الكيفية التي سيتم من خلالها تحقيق الأثر المرغوب فيه مع تحديد وسائل القياس للتحقق وتتبع هذا الأثر وذلك بالاعتماد على هيكلة واضحة تسهل على من يقرأ مقترح المشروع فهم ما نريد تحقيقه، وكيف يمكن التأكد من أنّ ما نريد تحقيقه تم تنفيذه بالفعل. 

ما يميّز نظرية التغيير عن باقي الطرق والأدوات الاستراتيجية المعمول بها في صياغة مقترحات المشاريع، هو كونها تعمل كخارطة طريق توضح كيف سيعمل المشروع المقترح على تحقيق التغيير، أي أنه من خلال هذه المنهجية نقوم بتحليل الإشكالية الأساسية للمشروع ثم الهدف النهائي الذي يتم تقسيمه لأهداف خاصة، وتساعدنا على تصميم الأنشطة اللازمة لتحقيق النتائج المرغوب فيها، مع تحديد الموارد التي سنحتاجها وفي الوقت نفسه تُظهر بوضوح التحديات التي قد تواجهنا في طريق التغيير المنشود.  

مجموعة من النقاط العملية وكيفية تطبيقها على مقترح مشروع إعلامي 

1 – ما هو الأثر الذي تود تحقيقه من خلال مشروعك الإعلامي؟ 

الفكرة الأساسية لنظرية التغيير هو الحث على أن يكون المشروع متمحورًا على خلق أثر سواء كان بعيدًا أو متوسط المدى، بحيث من المفترض أن يكون المشروع مبنيًا على محاولة تقديم حلول لإشكالية محددة، فالأثر هو ما سيحققه مشروعكم في النهاية لمعالجة الإشكالية. 

كمثال حينما نود تأسيس مشروع إعلامي حول الصحافة الصحية فالهدف سيكون بالتأكيد هو تحقيق أثر، إما عن طريق خلق وعي صحي لدى الجمهور المستهدف، أو توفير المعلومات الصحية الجيدة والموثوقة، أو ربما التوعية بأخطار الأوبئة وطرق التصدي لها أو غيرها، ويتغير الأثر حسب نوعية الإشكالية المطروحة. 

لهذا فمن المهم في نظرية التغيير تحليل البيئة الحالية والتعرف على العوامل المؤثرة والتفكير بعمق في الأثر الذي نرغب في تحقيقه، ويجب تدوينه ووضعه نصب أعيننا لأنّ كل ما سيأتي بعد ذلك سيتجه نحو العمل لتحقيق هذا الأثر. 

2- ما هي النتائج التي ستعمل على تحقيقها؟ 

من خلال صياغة النتائج المتوقعة باستخدام نظرية التغيير، سيتم تحديد التغيرات الرئيسية والمباشرة الذي سيحدثها مشروعك الإعلامي بشكل رئيسي على الجمهور المستهدف والتي ستظهر مباشرة بعد تلقي المحتوى الذي ستقدمه. 

مثلًا يمكن صياغة النتائج المتوقعة لمشروع في الصحافة الصحية بالشكل التالي: 

- تحسين الجودة والمحتوى الإعلامي المتعلق بالمواضيع الصحية لتلبية احتياجات الجمهور، ونشر الوعي حول بعض الأنواع من الأمراض وسبل التصدي لها. 

- تغيير المواقف والآراء حول بعض السلوكيات الصحية، وزيادة تفاعل الجمهور والمشاركة في النقاشات حول القضايا الصحية. 

هذه فقط بعض النماذج التي يمكن تطويرها وتكييفها حسب كل مشروع. 

3- حدد مخرجات مشروعك الإعلامي  

يساعد تحديد المخرجات للمشروع الإعلامي على معرفة المحتوى أو الإنتاجات التي سنقدمها في هذا المشروع والتي ستعمل على تحقيق النتائج المحددة وهي نتاج لأنشطة أو العمل الذي سنقوم به. 

ارتباطًا بالمثال المقدم سابقًا حول مشروع في الصحافة الصحية نقدم لكم الأمثلة التالية: 

النتيجة: تحسين الجودة والمحتوى الإعلامي المتعلق بالمواضيع الصحية لتلبية احتياجات الجمهور، ونشر الوعي حول بعض الأنواع من الأمراض وسبل التصدي لها. 

النشاط لتحقيق النتيجة: كمثال نشر مقالات صحية أو حلقات بودكاست مبنية على مصادر علمية موثوقة لتحسين الجودة والمحتوى الإعلامي المتعلق بالمواضيع الصحية. 

المخرج الأول: ستتم تلبية احتياجات الجمهور المستهدف بمقالات صحية مبنية على مصادر علمية موثوقة. 

المخرج الثاني، سيزداد وعي الجمهور المستهدف حول بعض الأنواع من الأمراض وسبل التصدي لها. 

وتساعد هذه العملية على وضع الافتراضات والمخاطر، وبالتالي اقتراح وسائل لتجنب هذه المخاطر. 

4- المؤشرات لقياس مدى تحقق النتائج 

باستخدام المؤشرات قابلة للقياس، يمكن معرفة مدى تحقق النتائج المرغوب فيها وهي الوسيلة لمعرفة إن ما كنا نسير وفق الإطار المنطقي المحدد، وهي الطريقة التي يستخدمها المانحون لمعرفة إن كان المشروع المقترح يمكن قياسه والتحقق من نتائجه. 

ويفضل أن يكون عبارة عن أعداد، ويمكن تطبيقه على المثال السابق كالتالي: 

المؤشرات: كتابة 20 مقال صحي أو إعداد 20 حلقة بودكاست مبنية على مصادر علمية سيتم إنتاجها في إطار المشروع. 

مثال آخر: 10 آلاف من الجمهور المستهدف سيصلهم المحتوى الذي سيقدمه في المشروع الإعلامي الصحي.  

5- وسائل التحقق من المؤشرات 

وهي الوسائل التي من خلالها يتحقق المانحون من أنّ ما تم تحديده تم تطبيقه، ويمكن أن يكون عبارة عن التقارير أو المحتوى المنتج أو روابط على الإنترنت للمحتوى ولقطات شاشة للإحصائيات وغيرها، وغالبًا ما يتم طلبها ضمن التقارير ويجب أن تكون مقرونة بالمؤشرات السابقة. 

6. الأنشطة هي وسيلتكم لتحقيق كل ذلك 

بالرغم من أننا تطرقنا لهذه النقطة في السطور السابقة إلا أنه من المهم تخصيص محور خاص بالأنشطة لأنّ تصميم الأنشطة المناسبة هو ما سيأخذنا إلى تحقيق المؤشرات المطلوبة والتي من خلالها سيتعرف المانح على كون أن ما وعدنا به تحقق بالفعل. 

لهذا فالأنشطة هي حلقة الوصل ما بين ما نريد فعله، والواقع المباشر، بحيث أن المقالات أو حلقات البودكاست التي كانت مثالًا لنا، هي بمثابة أنشطة لمشروع إعلامي وليست هي الوحيدة، بل هناك العديد من أنواع الأنشطة. 

وبتصميم الأنشطة سيتضح لنا بمباشرة نوع الموارد التي سنحتاجها. كمثال لنشاط إنتاج حلقات البودكاست: قد نحتاج للمحتوى واستوديو للتسجيل، أو يمكن تعويضه بهاتف حسب الموارد المتاحة، وسنحتاج للشخص أو الأشخاص في إنتاج المحتوى وتسجيله وتحريره، وكذلك المنصة التي سنقدم من خلالها المحتوى. 

وبالتالي فهذه العملية توضح الموارد وتكاليفها وتساعد مباشرة على صياغة الميزانية وتبويباتها الرئيسية. 

كانت هذه المحاور ملخصًا لأهم الخطوط العريضة لنظرية التغيير وكيفية تطبيقها على مشروع إعلامي ويمكن التوسع أكثر في المنهجية عبر التدريب المستمر أو الاطلاع على دروس تقدمها بعض المؤسسات المانحة التي توصي باستخدام هذه النظرية عبر هذا الرابط وهذا الرابط.

 
الصورة المستخدمة تحمل رخصة الاستخدام المجاني على موقع Pexels