تجربة "رحبة" لإعادة بريق الصحافة الجادة.. تعرّفوا إليها

Nov 23, 2021 in موضوعات متخصصة
صورة

أفرز العصر الرقمي قواعد جديدة في العمل الصحفي، تخلّت فيه المؤسسات الإعلامية المختلفة عن الأنماط التقليدية المتعارف عليها، كما أثرت الثورة التي أحدثها التطور التكنولوجي والرقمي على نمط تلقي القارئ للمحتوى الإعلامي الإلكتروني وحتى المدة الزمنية التي يقضيها للاطلاع عليه، فالقارئ يقضي على الإنترنت أقل من 30 ثانية يوميًا في تصفّح موقع صحيفة الكترونية، في حين تتم قراءة الصحف بمعدل 40 دقيقة يوميًا، بحسب دراسات سابقة.

تجارب ومبادرات لإعادة بريق الصحافة الجادة

هناك تجارب إعلامية ناشئة أراد من خلالها القائمون عليها إعادة بريق المقالات المطولة والجادة التي تنشر في المواقع والصحف الالكترونية، مقالات وقصص صحفية تراعي قيم الدقة والشمول والمصداقية والعمق في الطرح في المقام الأول بعيدًا عن النمط المكرس في هذا النوع من الصحافة الذي يركز على الاختصار والبحث عن السبق، مع استغلال الأدوات الجديدة والمساحات والتقنيات والتكنولوجيا التي تساعد على زيادة التفاعل، رغم أنّ التحدي الذي يبقى مطروحًا يتعلق بكيفية جعل القراء يتعلقون بمقال مطوّل، توازيًا مع وجود العديد من المواضيع المنافسة والتي تجذبهم على الإنترنت.

رحبة.. فضاء حر لتبادل الأخبار والمعارف

تستعرض عليكم شبكة الصحفيين الدوليين إحدى هذه التجارب، الأمر يتعلق بصحيفة الكترونية جزائرية أطلق عليها اسم "رحبة " التي لم تمر سنة بعد على تأسيسها، لكنها باتت تشكل نواة للتأسيس لصحافة إلكترونية جادة في الجزائر، منفتحة على النمط الجديد الذي كرسه التطور الرقمي والتكنولوجي داخل المؤسسات الإعلامية، وما يحمله من قواعد وأساليب جديدة في بناء القصة الصحفية.

موقع "رحبة" هو موقع الكتروني جزائري مستقل، أسسه بداية العام الجاري الإعلامي والكاتب الجزائري محمد علاوة حاجي، وجاء إنشاء هذا الموقع حسبه "تجسيدًا لفكرة قديمة تأخرت كثيرا لترى النور هذه السنة".  

وتم اختيار اسم "رحبة" كون هذا المصطلح "يحيلنا إلى الزخم الثقافي والاجتماعي في الجزائر باعتباره مكانًا واسعًا يلتقي فيه الناس كالعائلات والجيران وأبناء الحي الواحد يتبادلون فيه الأخبار ويطلعون على أحوال بعضهم البعض، كما يشكل هذا المكان ملتقى لعموم الجزائريين والمعاملات اليومية ومنبرًا حرًا للتبادل الثقافي والتواصل الإنساني والتعبير الثقافي والفني"، يضيف محمد علاوة حاجي.

القصص الإخبارية والاجتماعية في صلب الاهتمام

يرفع موقع رحبة شعار "نقص عليك أحسن القصص"، وهو اقتباس يوحي بمجالات اهتمام الموقع، وتبنيه في معظم مقالاته المطولة أسلوب السرد القصصي المشوق والعميق، وفي هذا الصدد فإن نجاح هذا النمط  في الصحافة الالكترونية يتطلب من الصحفي أو أصحاب المؤسسات الإعلامية الالكترونية الالتزام ببعض القواعد منها:

  • الانفتاح على جميع فئات وأطياف المجتمع.
  •  الاهتمام بالقصص الخبرية الرصينة المستوحاة من الواقع المعاش التي ترصد حياة وهموم الناس والشخصيات البارزة في المجتمع والأحداث التاريخية.
  • الاهتمام بالأحداث التي ترصد راهن المجتمع بكل أبعاده ومجالاته وخبايا هذه الأحداث.
  • معالجة المواضيع من زوايا مختلفة غير التي ألفها الناس والتعمق في تحليلها من كل الجوانب.
  •  التركيز على المواضيع التحليلية والتحقيقات الميدانية التي تطرح قضايا إشكالية من زوايا جديدة وبأساليب إبداعية بعيدًا عن الصيغ الخبرية المكرسة مع مراعاة القيم المهنية والإنسانية.
  • الاهتمام بالمواضيع التي تسترجع الذاكرة السياسية والاجتماعية والتاريخية لمختلف شعوب العالم.
  • الحرص على تقديم محتوى جيد من دون السقوط في النخبوية والابتعاد عن أسلوب الإثارة ومراعاة القيم المهنية والإنسانية المتعارف عليها في العمل الصحفي.
  • تخصيص فضاءات للمتابعات والقراءات في مجالات الفكر والآداب والفنون، وإضاءات على التجارب والشخصيات والأماكن والمعالم، إلى جانب النصوص الأدبية واليوميات والترجمات ومقالات الرأي ومقالات النقد الأدبي.

انفتاح على أنواع الكتابة الصحفية المختلفة

يتبنى موقع "رحبة" المعايير المهنية المتعارف عليها عالمياً في مجال الصحافة، مع انفتاحه على جميع أنواع وفنون الكتابة الصحفية، ويركز القائمون عليه في مقالاتهم على بعض الأنواع الصحفية كالقصة الخبرية والريبورتاج والتحقيق الصحفي وغيرها من الأصناف التي تقلص اعتمادها في الصحافة الإلكترونية، التي وعلى مدار السنوات الماضية كرّست في العموم نوعًا صحفيًا واحدًا وهو الخبر،  بل أنّ الخبر نفسه كثيرًا ما يقدَم مختزلا وخارج سياقاته وخلفياته، وهذا ما شكل تحديًا بالنسبة للمؤسسات الإعلامية من حيث التعاقد أو توظيف صحفيين وكتاب يملكون القدرة على الكتابة بجودة وعمق في الأنواع التي ذكرناها سابقًا وهي الأنواع التي يهتم بها موقع "رحبة"، يضيف محمد علاوة حاجي أنّ "هذه إحدى المشكلات التي واجهها الموقع وأعاقت تحقيق بعض أهدافه" .

 ولإحداث التنوع في القوالب الفنية لنشر القصص الصحفية والتحقيقات، تمّ استحداث أبواب خاصة بالقصة المصورة  "فيديو" والقصص السمعية "بودكاست"، وإن لم يتم تفعيلها بشكل كبير، لكنها قد تقدم إضافة كبيرة لعمل موقع "رحبة" مستقبلا.

  اللجوء إلى الاشتراكات وتوسيع مجال العمل مستقبلا

 من أكبر العوائق التي يواجهها الموقع هو التمويل، حيث يعتمد حاليًا على التمويل الذاتي بشكل كلي، بحسب حاجي، وقد يستمر هذا الوضع إلى أجل غير معلوم في ظل غياب أي إمكانية للحصول على أي نوع من أنواع التمويل، وفي انتظار تجسيد الوعود التي أطلقتها السلطات الجزائرية لدعم الصحافة الإلكترونية المستقلة، هناك خيار يتمثّل في اللجوء إلى نظام الاشتراكات، وهي طريقةٌ أثبتت نجاعتها في دعم الصحافة المستقلّة في بلدان كثيرة، لكن التجربة أثبتت فشلها في الجزائر لأسباب كثيرة، فقلة من الجرائد في الجزائر اعتمدت أسلوب الاشتراك آخرها النسخة الالكترونية لجريدة الخبر، لكنّ الإقبال على نظام الاشتراك من قبل القراء لا يزال ضعيفًا مقارنة بدول عدة.

وبهدف تطوير الموقع، يعمل القائمون عليه ليكون جزءاً من مشروع أكبر يتضمَّن نسخة باللغة الفرنسية إلى جانب مجلة مجلّة ورقية ودار نشر.

الصورة الرئيسية لموقع "رحبة"