قد يبدو أن أدوات مثل شات جي بي تي وكأنها تتحدث لغتك، لكنها في الواقع تعتمد على الاحتمالات والتخمين المدروس. ويُمكنك تحسين فهمك والحصول على نتائج أدق وأكثر احترافية وذلك من خلال استخدام بعض التقنيات البسيطة في صياغة أوامر التوجيه. إليك أهم هذه الأساليب لتضيفها إلى مجموعة أدواتك.

توجيه الأوامر التي تكتبها لأدوات الذكاء الاصطناعي
ويعني مفهوم توجيه الأوامر أن تطلب من الذكاء الاصطناعي أداء دور محدد ليقوم به. وعلى سبيل المثال، يُمكنك أن تقول: "أنت مراسل متخصص في شؤون التعليم"، أو "أنت محرر في صحيفة بريطانية وطنية"، وذلك قبل أن توضح له المهمة المطلوبة. وكلما كانت التفاصيل أكثر وضوحًا، زادت فعالية النتائج التي ستحصل عليها.
وبالرغم من الأبحاث المتباينة حول مدى فعالية توجيه الأدوار، فإن تحديد دور واضح يُعد في أبسط صوره، وسيلة جيدة لتوفير السياق، مما يُحدث فرقًا كبيرًا في مدى ملاءمة ودقة الردود التي تم توليدها.
ولا يقتصر السياق هنا على الإطار المهني للعمل فقط (مثل تحرير الأخبار أو الصحافة الصحية، إلخ)، بل يشمل أيضًا الجمهور المستهدف والنبرة أو الأسلوب الذي يتطلب من أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تتبناها أثناء عملية توليد المحتوى.
وعلى سبيل المثال، تميل أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي غالبًا إلى إرضاء المستخدمين، والإطالة في الردود، والافتقار إلى النظرة النقدية (وهو ما سنوضحه لاحقًا)، وبالتالي يُمكنك توجيه الأداة من خلال منحها شخصية للتقليل من هذه السمات، وعلى سبيل المثال عندما تكتب أمرًا توجيهيًا مثل: "أنت مراسل متخصص في الشؤون الصحية وتتعامل دائمًا مع المعلومات بتشكك وحذر"، فإنك تساعد الذكاء الاصطناعي على تقديم اقتراحات أكثر نقدًا وعمقًا لأفكار القصص الصحفية التي تريدها.
التوجيه التكراري

يشير التوجيه التكراري ببساطة إلى عدم الاكتفاء بأول رد تحصل عليه من أداة الذكاء الاصطناعي، بل تضيف ملاحظاتك في توجيهات لاحقة كنوع من "التكرار" أو التعديل التدريجي.
وعلى سبيل المثال، إذا طلبت عددًا من الأفكار، يُمكنك الإشارة إلى الفكرة التي تُعبر بشكل أدق عن احتياجاتك، ثم تطلب من الأداة أن تقوم بتوليد أفكارًا مشابهة لها.
ويُمكنك أيضًا تزويد الأداة بالمزيد من المعلومات حول طلبك وذلك إذا لاحظت أن أداة الذكاء الاصطناعي لا تفهم ما تقصده تمامًا.
وإذا كانت ردود الذكاء الاصطناعي أطول مما ترغب، يُمكنك أن تطلب من الأداة في أوامر التوجيه التالية التي ستكتبها بأن تكون أكثر اختصارًا في إجاباتها.
ومن الأمور التي يجب أخذها في الاعتبار عند استخدام الأسلوب التكراري في طرح الأسئلة هو الأثر البيئي؛ إذ إن اعتماد أسلوب المحاولة والخطأ للحصول على إجابة مناسبة يتطلب استهلاكًا أعلى للطاقة، مقارنةً بصياغة أمر توجيهي مُصمم بعناية والذي يُجنبك الوقوع في المشكلات منذ البداية.
التحفيز بنموذج واحد One-shot، أو بعدة نماذج few-shot، أو بدون أي نموذج zero-shot prompting
عندما تطلب من إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بمهمة بدون أن تُقدّم لها مثالاً على ما تريد، يُطلق على ذلك "التحفيز بدون أمثلة" أو "zero-shot prompting"، أي أنك تعتمد كليًا على معرفة الأداة بما قد يقصد به، وعلى سبيل المثال كلمة "قصة" أو "عرض لمقترح صحفي".
وعندما تُقدّم مثالًا أو أكثر لما تريد من الأداة أن تفعله، يُسمى ذلك "التحفيز بنموذج واحد" أو "التحفيز بعدة نماذج"، وهو الأسلوب الذي يتوقف على عدد الأمثلة التي تُقدّمها.

وفي حال قيامك بعرض أفكار القصص الصحفية مثلاً، حيث ترغب بأن تتبع الأداة قالبًا محددًا، قد يكون تقديم مثال واحد (تحفيز بنموذج واحد) كافيًا.
ويُستخدم التحفيز بعدة نماذج غالبًا في مهام التصنيف، أو عندما ترغب في منح الأداة مساحة أكبر من الحرية، وذلك مثل تقديم عدة أمثلة لتحديثات فعالة على وسائل التواصل الاجتماعي.
توليد النصوص المُعزز بالاسترجاع (RAG)
ويُمكن أن تكون قوة الذكاء الاصطناعي المتمثلة في تدريب نماذج اللغات الكبيرة (LLMs) على ملايين النصوص، نقطة ضعف أيضًا، فالمعرفة في نماذج اللغات الكبيرة واسعة، إلا أنها محدودة أيضًا؛ فعلى سبيل المثال، من غير المرجّح أن يكون الذكاء الاصطناعي مُطّلعًا على الأحداث الحديثة بقدر ما يعرف عن الأحداث القديمة.
وتُعتبر تقنية التوليد المُعزز بالاسترجاع-أي تزويد النموذج بمعلومات محددة حسب الطلب- استراتيجية فعّالة لمواجهة هذا التحدي، فعلى سبيل المثال، تستخدم منصة الذكاء الاصطناعي التوليدي Perplexity هذه التقنية للبحث عن معلومات حديثة أو ذات صلة بهدف تحسين جودة الردود.
ولكن يُمكننا أيضًا "تعزيز" أوامر التوجيه بأنفسنا من خلال إضافة معلومات خارجية.

ومن الأمثلة الشائعة في هذا الأمر هي تحليل الوثائق: فبدلاً من أن نطلب من النموذج اللغوي الضخم LLM توليد أفكار لقصص عن شركة ما، يُمكننا تحميل تقاريرها السنوية لتعزيز معرفة النموذج وتوجيه انتباهه. وقد صُممت أدوات مثل NotebookLM من جوجل خصيصًا لهذا النوع من الطلبات المُعززة بالوثائق.
وهناك سيناريو آخر يمكن أن يُكون فيه التوليد المعزز بالاسترجاع مفيدًا، ألا وهو صحافة البيانات: فمن خلال لصق بعض الصفوف من البيانات أو إرفاق ملاحظات حول المنهجية المُتبعة سيؤدي ذلك إلى تعزيز فهم النموذج، وربطه بسياق واقعي أكثر دقة وتحديدًا. لكن من المهم أن توضح أنك لا تريد من النموذج إجراء أي تحليل، وإلا فإن النموذج سيحاول تقديم نتائج تتجاوز المطلوب منه.
وقد يكون تحميل دليل أسلوب النشر مثالاً آخر على التوليد المُعزز بالاسترجاع، لكن هذه التجربة تشير إلى أنه ليس فعالًا بدرجة كبيرة.
أسلوب سلسلة الأفكار (CoT)
وعندما تطلب من أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي أن تشرح طريقة تفكيرها (سلسلة الأفكار) بالإضافة إلى تقديم النتائج، فإن ذلك يؤدي إلى تحسين جودة النتائج في بعض الحالات.
وفي أبسط صوره، أي عند طلب نتائج بدون إعطاء أمثلة مُسبقة للنموذج (zero-shot)، يُمكنك استخدام أسلوب "سلسلة التفكير" وذلك من خلال إضافة عبارة مثل "دعنا نُفكر في هذا الأمر خطوة بخطوة" إلى طلبك. لكن في العمل الصحفي، من المرجح أنك ستحتاج إلى تحديد إطار عمل تطلب من الأداة الالتزام به أثناء تنفيذ المهمة.
وعلى سبيل المثال، بدلًا من سؤال الأداة عن سبب وجود مشكلة ما، يُمكنك أن تطلب منها استخدام نموذج "الأسباب لحل المشكلات" وشرح طريقة تفكيره. أو بدلًا من أن تطلب منها إعطاءك فكرة لتحقيق استقصائي، يمكنك شرح أسلوب التحقيق الاستقصائي القائم على القصة أو أسلوب SCAMPER، ثم تطلب منها أن تقوم بتحليل تفكيره وفقًا لهذا الأسلوب.
وبإمكانك أيضًا تحديد الخطوات التي ترغب بأن تتبعها الأداة. وعلى سبيل المثال، إذا كنت تريد توليد أفكار لقصص صحفية متعمقة، يمكنك أن تقول: "اتبع الخطوات التالية بالترتيب: 1- حدد من هو جمهورك. 2- حدد ما هي احتياجاتهم من المعلومات. 3- حدد الأنواع المُمكنة من القصص التي يُمكن كتابتها. 4- قدّم 3 أفكار لكل نوع من هذه القصص"، وهكذا.
Meta-prompting
إذا كنت تواجه صعوبة في بدء المحادثة ووجدت نفسك أمام "صفحة فارغة"، يمكنك ببساطة أن تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يقترح عليك بعض أوامر التوجيه، وهذا ما يُعرف باسم Meta-prompting.
وعندما تستخدم التوجيه بالميتا meta prompt، فأنت تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يلعب دور الخبير في تصميم أوامر التوجيه، ويقوم بإنشاء طلب لمساعدتك في حل مشكلة أو الإجابة عن سؤال معين.
ومن الأفضل أن تشرح شكل الأمر التوجيهي الجيد، ويُمكنك أيضًا تقديم أمثلة. وبعد ذلك، يُمكنك استخدام التوجيه التكراري لتحسين النتائج. لكن كما هو الحال مع التوجيه التكراري، فإنّ التوجيه الميتا قد يكون أكثر استهلاكًا للطاقة مقارنة بكتابة الأوامر بشكل مستقل.
في صورته المتقدمة، يُمكن أن يتضمن التوجيه بالميتا جعل أداة الذكاء الاصطناعي تُقيّم عدة أوامر توجيهية مختلفة قبل اختيار الأنسب من بينها. ومع ذلك، غالبًا ما يكون التوجيه بالميتا مفيدًا كبداية سريعة للعمل، على أن يتم لاحقًا تحسين النتائج باستخدام التوجيه التكراري. لكن، وكما هو الحال مع التوجيه التكراري، فإن التوجيه بالميتا قد يستهلك قدرًا أكبر من الطاقة مقارنة بكتابة الأوامر بشكل مباشر ومستقل.
التوجيه السلبي

ولكي تحصل على أفضل النتائج من أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، عليك كبح بعض نزعاته السلبية. فإلى جانب ما هو معروف عنه من تحيزاته وميوله لاختلاق المعلومات، فإنه كثيرًا ما يُظهر حماسًا زائدًا، ويضفي النبرة الإيجابية على الأمور بشكل مبالغ فيه، ويميل أيضًا إلى الإطالة في الكلام.
ويشير التوجيه السلبي إلى كل ما نرغب في أن تمتنع أدوات الذكاء الاصطناعي عن فعله أثناء تنفيذ المهام.
وإليكم بعض الأمثلة التوضيحية:
- طوال مدة المحادثة، لا تُقدّم أي ردود خارج نطاق الطلب المحدد.
- لا تُحاول إرضاء الطرف الآخر.
- لا تُقدّم أي اقتراحات لإجراءات أو خطوات لاحقة.
- تجنَّب المبالغة في المدح أو الترويج. كن متشككًا وناقدًا.
- لا تُكثر من الكلام - كن مُوجزًا.
- لا تُقدّم إجابة عن أي سؤال ما لم تكن متأكدًا من صحتها، واذكر مستوى اليقين أو الشك في ردّك بوضوح.
- لا تكن متحيزًا. اتخذ الخطوات اللازمة لمعالجة احتمالية تأثر معرفتك بتحيّزات البيانات التي تم تدريبك عليها.
- لا تختلق المعلومات. اتخذ الخطوات اللازمة للحد من ميلك إلى اختراع محتوى غير صحيح.
- إنّ إضافة هذه التعليمات في بداية المحادثة له فوائد عديدة. أبرزها على الإطلاق أن الردود تصبح أكثر إيجازًا وسهولة في القراءة، كما أنها تقلل من ميل الأداة للمبالغة. وإذا كنت تطمح في الحصول على رد عالي الجودة، فجرب استخدام هذا الطلب الإضافي:
قم بتحديث الرد السابق وكأن من يكتبه محرّر صحفي متشكّك، ولديه سنوات من الخبرة في التعامل مع الأخبار المُضللة، والكذابين، والمحتالين.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على موقع Pexels بواسطة Google DeepMind.
نُشرت هذه المقالة في الأصل على مدونة الصحافة الإلكترونية Online Journalism Blog وأُعيد نشرها على موقع شبكة الصحفيين الدوليين بعد الحصول على الإذن.