منذ إعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيف فيروس "كورونا" كجائحة عالميّة، اندفع الكثير من الصحفيين حول العالم لإعداد التقارير الميدانيّة لنقل وقائع ومستجدات هذه الأزمة العالمية، وبدأوا يبحثون عن أصول الفيروس ومناطق انتشاره وكيفية استجابة الحكومات والأفراد له. لكنّ من المهمّ أيضًا إلتزام الصحفيين بالمبادئ الأخلاقية، لمعرفة كيفية تقديم تقارير متوازنة وعادلة وتتضمّن معلومات دقيقة.
الأخبار العاجلة حول الوفيات
بحال وجود خبر عاجل حول تسجيل حالة وفاة جديدة نتيجة الإصابة بـ"كوفيد 19"، لا سيما إن كانت شخصية معروفة قد توفيت، على الصحفيين ترك موضوع الإثارة والسبق الصحفي وأخذ الوقت الكافي للتأكد بالتنسيق مع الشرطة أو السلطات المحلية إذا ما كانت عائلة المتوفي قد علمت بالأمر، وعليهم أن يكونوا حذرين تجاه الأشخاص الذين سيتأثرون بخبر الوفاة وعدم إغضاب الجمهور الذين يحبون الشخصية، بحال كانت مشهورة.
وفي هذا السياق، أوضحت الصحفية إنجولا أكينكوتو التي تعدّ التقارير حول "كوفيد 19" لصحيفة "بنش" النيجيرية أنّ أرقام الضحايا هي حقائق والحقائق هي أمر أساسي في العمل الصحفي، وشدّدت على ضرورة استخدام الكلمات الصحيحة عند نشر الحقائق، لإظهار الإحترام للناس والمتابعين.
من جهتها، تطرّقت مديرة العلاقات العامة والإعلام في موقع ساماريتانس سال لالجي، إلى النهج الأخلاقي في إعداد التقارير عن الموت، موضحةً أنّ على الصحفيين استشارة عائلات الموتى قبل استخدام صورهم الموجودة على وسائل التواصل الإجتماعي في أي تقرير. وأضافت: "عندما يموت شخص ما، ويكون محور مقال إخباري، ستنزعج عائلته بحال رأت صوره التي كان قد نشرها على وسائل التواصل الإجتماعي، انتقلت إلى الصحفيين وتستخدمها وسائل الإعلام".
احترام سرية المصادر
يعتمد الصحفيون على المصادر للمضي قدمًا والوصول للمعلومات، وخلال تغطية "كوفيد 19"، يعتبر الأشخاص العاملون في الخطوط الأمامية لمواجهة الجائحة من أبرز المصادر لتقصي المعلومات، ولذلك على الصحفيين أن يسألوا كل مصدر إذا ما كان يرغب بذكر إسمه في المقال، لا سيما المصادر التي يمكن أن تكون حسّاسة تجاه نشر المعلومات، وتشمل هذه المصادر الممرضات، الأطباء، العاملين في المستشفيات والمؤسسات الحكومية، بعض الموظفين، المصادر التي تنقل معلومات حول إدارة وعلاج المرضى، والأشخاص الذين لديهم اطلاع على تغطية أرقام الضحايا ومعدلات الإصابة.
ويتعيّن على الصحفيين عدم الإعتقاد أنّ مصادرهم يرغبون بذكر أسمائهم، وعليهم طلب موافقتهم عند نقل المعلومة وذكر أي إذن يعطونه في المقال، ومن المهم أيضًا تحديد المصادر في سياق التقرير.
ويمكن ذكر مثل هنا ممّا نُشر في The News Manual "قد تكون حصلت على معلومات سرية من أمانة مجلس الوزراء، فإذا قمت بكتابة التقرير ونسبت التفاصيل إلى "مصادرمن الفريق الشخصي لرئيس الوزراء" فإنك تخاطر بكشف المصدر الخاص بك، لا سيما إذا كان الفريق مؤلّفًا من شخص أو شخصين فقط، لذلك قد يكون من الأفضل نسب المعلومات إلى "مصادر في رئاسة مجلس الوزراء" بحال كان هناك عدد من الأشخاص، وتحتاج كصحفي إلى الموازنة بين الحاجة لإظهار أن مصادرك قريبة من مركز المعلومات (وبالتالي موثوقة) وبين حماية هوية المصدر السري في الوقت نفسه".
وبناءً على ما تقدّم، يجب الحفاظ على سرية المصادر، من أجل الحصول على المزيد من المعلومات منها في المستقبل.
التحقق من البيانات
في ظلّ تفشي جائحة "كوفيد 19"، كثيرًا ما يُسأل الصحفيون إن كان بإمكانهم التحقق من بياناتهم، لا سيما وأنّ هناك الكثير من البيانات الصادرة عن دول ومنظمات تظهر أرقام الضحايا والتمويل المخصص للإمدادات الطبية وتأثير الجائحة على الحياة بشكل عام. لكنّ البيانات يمكن أن تكون غير دقيقة في تمثيل الحالات ونقل الأرقام، لذلك يحتاج الصحفيون إلى القيام بعملية تحقق ومتابعة الأسئلة للتوصل إلى إجابات بشكل واسع وشامل.
وفي هذا السياق، أوضح جويل سيلانيكيو الذي كان يجري تحقيقات مسبقًا في مركز السيطرة على الأمراض في مقال له كيف تحرّف بعض الخرائط التي تنشرها وسائل إعلامية، البيانات. وأوضح أنّ تصميم خريطة واحدة نُشرت في شباط/فبراير، أظهر أنّ "كورونا" قد تفشّى في الصين، في الوقت الذي كان عدد المصابين 35 ألف حالة من أصل عدد السكان البالغ 1.4 مليار شخص، ما يعني أنّ الفيروس يؤثر على 0.002٪ فقط من سكان الصين، وليس كما أظهر تصميم الخريطة أنّه يسيطر على كلّ الصين. ويظهر مثل آخر خريطة نشرتها CNN حول الانتشار العالمي لـ"كورونا"، وفيها أنّ هناك إصابات كثيرة في أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا وروسيا والصين، علمًا أنّه لم يكن هناك سوى 12 حالة في الولايات المتحدة في وقت نشر الخريطة.
والجدير ذكره أنّ يمكن للصحفيين استخدام العدد التراكمي للحالات من أجل إجراء مقارنة، مع فيروسات سابقة مثل السارس، ولكن لا يمكنهم الاعتماد على هذا العدد في الوقت الحالي لتقديم بيانات ثابتة وأرقام دقيقة وتتبع مسار الفيروس لأنّ تسجيل الإصابات مستمرّ، في وقتٍ تعافى فيه كثيرون وأسفر الفيروس عن وفاة آخرين، ولا يزال بعض المرضى يتلقون العلاج.
التقارير عن العنصرية وخطاب الكراهية
يواجه الصحفيون منذ تفشي فيروس "كورونا" تحديات متمثلة بكيفية نقل خطاب الكراهية والعنصرية من قبل قادة ومسؤولين حول العالم. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب "كوفيد 19" بأنّه "فيروس صيني".
من جهته، كشف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أنّه تعرض لتعليقات عنصرية وتهديدات بالقتل منذ أشهر بسبب عمله في الإشراف على الاستجابة العالمية للجائحة.
وفي الختام، لا بدّ من التذكير أنّه يجب على الصحفيين إعداد التقارير حول "كوفيد 19" مع الإلتزام التام باحترام الناس وحياتهم وخصوصياتهم، لا سيما في وقتٍ تنتشر فيه الأخبار الخاطئة بشكل كبير.
الصورة الرئيسية من إعداد روسيل تايت من دعوة الأمم المتحدة العالمية للأفكار الإبداعية في العالم.