رصد مؤتمر "الإعلاميات يتحدثن5" هذا العام، تداعيات جائحة كوفيد-19 على الصحفيات العربيات عموماً والفلسطينيات خصوصاً، والذي أقامته مؤسسة فلسطينيات الإعلامية للعام الخامس على التوالي، على مدار يومين 27 و28 أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري.
كشف استطلاع قامت به المؤسسة أنّ أغلبية من 84% من الصحفيات العربيات اضطررن للعمل من البيت بشكل كامل ولمدة شهر على الأقل، وقالت 70% من العربيات إن الجائحة فرضت عليهن ساعات عمل أكثر من المعتاد. ونتيجة لذلك فإن 93% من الصحفيات المستطلعات قلن إنهن تعرضن لضغوط نفسية بسبب زيادة أعباء العمل والعمل من البيت.
افتتحت وفاء عبدالرحمن مديرة مؤسسة فلسطينيات، الجلسة الأولى وقالت إنها تدرك أنه من المبكر رصد آثار أزمة كورونا على الصحفيات، ولكن هذا المؤتمر بما فيه من أوراق عمل واستطلاعات ومقابلات هو بمثابة تحديد لمؤشرات الآثار المحتملة للجائحة، ومحاولة لوضع تصورات لتجاوزها.
صورة من المؤتمر
الصحفيات العربيات ..انتهاكات مع صفر شكاوي
كان هذا عنوان عريض في قلب الاستطلاع، يصف ويختصر واقع الإعلاميات العربيات منذ بداية الأزمة، اللواتي تعرضن وما زلن لانتهاكات متعلقة بزيادة أعباء العمل أو الخصم من رواتبهن أو التحرش أو منع الحركة للتغطية أو العنصرية في التعامل معهن كإناث خلال العمل أو بحرمانهن من رعاية أطفالهن.
مع ذلك واحدة منهن لم تُقدِّم شكوى لدى أي مؤسسة رسمية صحفية أو نقابية، معللات ذلك بأنهن يعملن بلا عقود أو لأنها مشكلة عامة، أو خوفاً من بعض الجهات المسلحة، أو لأن مؤسساتهن طلبت منهن الانتظار بحجة الأوضاع المؤقتة.
إقرأوا أيضًا: توصيات ونقاشات خاصة بالعمل الصحفي في مؤتمر "الإعلاميات يتحدثن 4"
واقع عربي هش
توازياً، أكدت الكاتبة والإعلامية دنيا الأمل اسماعيل في قراءة نسوية لها للمشهد السياسي والإعلامي العربي مع أزمة كورونا، أن غالبية الدول العربية كالعراق ولبنان ومصر تتفق على هشاشة نظامها الاقتصادي لأسباب قد تختلف، ولكنها بالمحصلة جعلت واقعها الصحي ضعيف، وإعلامياً تواجه انتهاكات على مستوى الصحفيات تحديداً، جميع القوانين والمعاهدات الدولية لحماية المرأة في ظل الأزمات، بما فيها قرار 1325 لم يتصدّ لها ويوقفها.
تحديات التغطية الإعلامية
من جانبها، قالت الصحفية الأردنية داما الكردي "إنّ أبرز تحديات التغطية تكمن في الخوف من نقل العدوى من شخص لآخر، ومنهن لعائلاتهن وأطفالهن، واستغناء أصحاب المؤسسات عن العديد من الصحفيات، وتقليص الرواتب، تأخر النشر للتأكد من صحتها ومن مصادر موثوقة، وكذلك التأكد من أنها لا تُروِّع المواطنين ولا تؤثر على الصالح العام". وعلى صعيد شخصي كان خوف داما مضاعفاً لأنها ناجية من السرطان مؤخراً مما يجعل مناعتها أقل ومعرضة للعدوى بصورة أكبر.
أولويات التغطية الإخبارية في فلسطين
توازيًا، قدمت نائلة خليل مديرة مكتب صحيفة الغد العربي الجديد نموذجاً حول كيفية تحديد أولويات التغطية الإخبارية وكيف تأثرت بكورونا، حيث أكدت على أن كورونا اتخذت المرتبة الأولى على رأس الأخبار، وفي أحيان أخرى اتخذت كغطاء لرجال الأعمال لتخفيض نفقاتهم وزيادة ثروتهم، وللسياسيين عبر تمرير قراراتهم؛ كقرار الرئاسة في فرض قانون جديد، يجعل من ديوان الرئاسة حكومة موازية، والذي يؤسس لحكومة قائمة بحد ذاتها من دون رقابة.
تسييس الجائحة وأثره على الحريات العامة والإعلامية
من جهتها، قالت الدكتورة والباحثة ورئيسة قسم في الجامعة العربية الأمريكية هنادي دويكات: " أكدت الحكومة في أكثر من مناسبة على أن استمرار حالة الطوارىء يهدف فقط إلى مواجهة فايروس كورونا، إلا أن الواقع على الأرض يُشير إلى استمرار وتصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وبخاصة الاعتقالات التعسفية على خلفية حرية التعبير عن الرأي وبخاصة التي تستهدف نشطاء السوشيال ميديا، وعلى خلفية الاحتجاجات السلمية المطالبة بمحاربة الفساد وتحسين أوضاع الناس".
وبحسب استطلاعات أخيرة، فإن ثقة الناس بالقضاء والمجلس القضائي الانتقالي في فلسطين باتت لا تتجاوز 5% يرجع ذلك لغياب المحاسبة على الانتهاكات خاصةً في ظل حالة الطوارئ وغياب الإنصاف.
وعالمياً، الأمر لا يبعد عن الواقع الفلسطيني، حيث تم استهداف الصحفيين والصحفيات، ومن يقومون بتغطية استراتيجيات مجابهة وباء كوفيد-19. ففي فنزويلا مثلاً، أُلقي القبض على صحفيين بسبب تقاريرهم عن الوباء، والتهديد بسبب انتقاداتهم لتعامل الحكومات مع فيروس كورونا في عدد من الدول كالصين والسلفادور والعراق وتركيا وصربيا، مصر وإيران وبلاروسيا وفيتنام، وكذلك الدول العربية.
أثر جائحة كورونا على الصحفيات الفلسطينيات
أكدت الباحثة والإعلامية هداية شمعون أن جائحة كورونا ساهمت برفع مستوى التعقيدات أمام عمل الصحفيات وتمثل ذلك في عدد من النقاط التي توصلت لها من خلال دراسة بحثية استكشافية:
- أثرت جائحة كورونا سلباً على مستوى طموحات ومطالب الإعلاميات في زيادة المشاركة السياسية وتواجدهن في العمل النقابي بفاعلية وقوة أكبر.
- التشظي الجغرافي للإعلاميات الفلسطينيات بلد واحد وآثار مختلفة ما بين الضفة الغربية بمدنها وقطاع غزة، تبعاً للانقسام السياسي والصراع مع الجانب الآخر.
- أزمات متلاحقة ومتداخلة للصحفيات في قطاع غزة، معاناة فقدان فرص العمل نتيجة تقليص التمويل وإغلاق مؤسسات إعلامية، تغول السلطة الحاكمة وتقييد الحريات وزادت الصعوبات مع انتشار جائحة كورونا، كعدم إمكانية الحصول على تصريح للتنقل ما بين المحافظات الغزية، فيما كان هناك تسهيل للمهام عند الإعلاميات التابعات لفصيل سياسي من دون غيرهن.
- ضغوط نفسية خارجة عن التحمل خلال الفترات الأولى من انتشار كورونا، أثرت على عملهن وحياتهن الأسرية والشخصية، وجعل هناك فجوة في الأولويات والتشخيص والاحتياجات.
- الخوف من كل شيء حد الهوس، فقد أصيبت بعض الإعلاميات بهوس شديد بالنظافة والتعقيم في كل مهمة لهن خارج المنازل، وتأثر جلد بعضهن بالحساسية نتيجة ذلك.
وفي شهادة لإحدى الصحفيات قالت: "كنت بحاجة ماسة لاحتضان أطفالي لكني كنت أحجم عن ذلك تماما رغم اشتياقي خوفاً عليهم ولم يفهم الأطفال لماذا أبدو جافة وأبتعد وأتهرب منهم في مساحتي التي خصصتها وقت عودتي من العمل الميداني".
- عدم وجود مساحات آمنة للتفريغ النفسي للإعلاميات والحصول على التوازن، حيث لا يوجد استهداف لهن في أي من المؤسسات المتخصصة، ومن جانب آخر لم تتوجه الإعلاميات لطلب الدعم النفسي، وبعضهن قمن بذلك بجهد ذاتي فردي.
- صعوبات الحصول على زي للوقاية من كورونا كامل للصحفيات، فالتوزيع غالبا ما يتم للمؤسسات الإعلامية بعدد محدود لا يشمل الجميع، والعاملات بنظام القطعة لا جهة تدعمها بزي الوقاية.
- العلاقات الأسرية ما بين الحميمية الطاغية وما بين مؤشرات التنافر، في بداية الأزمة كان الأمر يبدو كإجازة من العمل وفرصة لالتقاء الأهل والأسرة، ولكن بعد ذلك تحول لكابوس من الضغوطات واستنزاف الطاقات للإعلاميات.
- التماهي مع الدور الإنجابي والمجتمعي وتقليص إنجازات الإعلاميات خارج هذه الدوائر المجتمعية التي فرضت عليهن.
- تقييد الوصول للمعلومات بسبب عدم إمكانية الوصول للمسؤولين بشكل سهل وسريع، خاصة الإعلاميات العاملات في المجال الاستقصائي.
- الإحساس العالي لدى الإعلاميات بالمسؤولية الاجتماعية، رغم التحديات والأعباء، لشعورهن بالانتماء لرسالتهن الصحفية.
- الأمن والأمان الرقمي أصبح أمراً مُلحاً وأكثر أولوية من السابق، في ظل تواجدهن المضاعف على الانترنت للعمل والتواصل مع الآخرين، فهن بحاجة لأدوات الحماية من الابتزاز والتحرش الالكتروني.
على الرغم من ذلك هناك شق إيجابي للأزمة، فبعض الإعلاميات استغلتها بتعلم شيء جديد، منهن من كتبت قصص إنسانية للمرة الأولى، وبعضهن فقدن عملهن إلا أنهن اخترت مجالا آخر، وبعضهم حصلن على تدريبات متخصصة.
أشارت الإسكوا إلى أن المرأة ستخسر ضعف خسارة الرجل من الوظائف وذلك بسبب جائحة كورونا، بينما يؤثر فايروس كورونا على الجميع من دون تمييز.
البدائل التطويرية لمواءمة العمل للتحولات التي فرضتها كورونا
في دراسة قدمتها الصحفية ومديرة مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت نيبال ثوابتة، طرحت عددًا من النصائح لتسهيل العمل من المنزل:
- تخصيص مكان ما في البيت للعمل وعدم تغييره.
- الحفاظ على ساعات محددة للعمل وتخصيص مواعيد للراحة.
- وضع قواعد أساسية لأفراد الأسرة حول الأماكن المسموح لهم التجوّل فيها والمواعيد.
- الحرص على حضور الاجتماعات الافتراضية حتى لو لم تكن إجبارية مع المشاركة الفعلية بإدلاء الرأي والتعبير عن المشكلات، والإبقاء على اتصال مستمر مع المدير أمر ضروري.
- الشعور بالعزلة سيحدث بشكل أو بآخر، تأخيره أو التخفيف من حدته أو التعامل معه أولاً بأول مطلوب.
مصادر التمويل وجائحة كورونا
تراجعت مصادر تمويل المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي تأثراً بالجائحة، وذلك بسبب قلة الإعلانات التجارية التي تشكل في العديد من الدول أهم الموارد المالية لوسائل الإعلام كما في لبنان ومصر حيث تراجع فيها دخل الإعلانات بنسبة 75%. بحسب بحث للإعلامية والأكاديمية رولا عليان.
وطرحت عليان في بحثها، طبقاً للرؤية التي قدمتها مجلة Press Gazette البريطانية لتمويل المشاريع الإعلامية المتمثلة في:
- إنشاء مواقع وتطبيقات ممولة بواسطة الإعلانات.
- إنشاء مواقع وتطبيقات ممولة بواسطة اشتراكات خاصة.
- المساهمات المالية للقراء.
- التبرعات المالية الصغيرة.
- تمويل الحكومات.
ورصدت كذلك عليان بعض المشاهد العربية لإيجاد حلول للتمويل في الإعلام، منها:
- توفير بعض محطات التلفزة الخليجية دخلاً بديلاً عن المفقود من الإعلانات التجارية، مثل مجموعة MBC التي توجهت لمنصتها الإلكترونية "شاهد" ولتها لخدمة مدفوعة، وحققت هذه الاستراتيجية ارتفاعاً في نسب المحتوى المدفوع لـ18%.
- لجأت بعض الصحف لطباعة أعدادها للمشتركين فقط، مع مواصلة تقديم خدماتها عبر الموقع الإلكتروني الخاص بها.
تجربة شبكة أريج في ظل الجائحة
أفردت المديرة العامة لشبكة أريج روان الضامن، ملفاً خاص عبر موقعها لنشر تحقيقات استقصائية عربية حول جائحة كورونا، باسم كورونا والعالم العربي، يشرف عليها فريق من أكثر من 17 صحافياً وسبعة مشرفين، وتنشر مع عدد من الشركاء من صحف ومواقع الكترونية، يكشف كل تحقيق من هذه التحقيقات جانباً من جوانب تقصير الحكومات تجاه مواطنيها وعدم الإيفاء بالتزاماتها الدستورية بحمايتهم في ظروف الأوبئة والأمراض.
ما الذي يتم تقديمه للصحافيين/ات في ظل الجائحة؟
حسب مادونا خفاجة مسؤولة برامج وجهود المركز الدولي للصحفيين (ICFJ)، فإن المركز الدولي يهتم بتطوير قدرات ومهارات الصحفيين على مستوى العالم، خاصةً فيما يختص بالإعلام الرقمي وأدواته، وكذلك تقديم المتابعة والتوجيه للمبادرات الإعلامية والمشاريع الإعلامية الناشئة. وفي ظل الجائحة تم تخصيص نشرات أسبوعية للتوعية حول كورونا، وكل ما يتعلق بالأزمة من مصادر موثوقة وكيفية مواجهة الأخبار المضللة، والأمان الرقمي وإجراءات الحماية والوقاية التي يجب على الصحفيين اتباعها أثناء العمل والتحرك، وكذلك تغطيات إعلامية وقصص حول الجائحة من كافة الدول العربية.
صورة من المؤتمر تبدو فيها مادونا خفاجة خلال مشاركتها في المؤتمر
أهم توصيات المؤتمر:
- إبراز صوت النساء وأدوارهن الفعالة في مواجهة أزمة كورونا.
- دعمهن في تحدي الأنماط الثقافية السائدة.
- مساءلة أصحاب القرار بشأن حقوق المرأة وخاصة وقت الأزمات.
- إشراك النساء في التدابير المطلوبة لتجاوز الأزمة كصانعات قرار، والمساواة بين الجنسين داخل العمل الإعلامي.
- افساح المجال أمام المزيد من المحتوى الصحفي للإعلاميات خاصة وقت الأزمات، واستضافة ذوي وذوات الاختصاص في البرامج الحوارية والتقارير والتحقيقات، في نشرات الأخبار والمواقع وغيرها.
- تطوير استراتيجيات إعلامية للمؤسسات العامة وبناء قدراتها، وتأسيس صندوق مالي لدعم وسائل الإعلام المستقلة.
- الحاجة لدراسات متخصصة كمية وكيفية تتناول واقع الإعلاميات بعد جائحة كورونا.
الصورة الرئيسية من مؤتمر الإعلاميات يتحدثن5