"لن أبقى صامتة".. الإبلاغ عن التحرّش والسياسات الداخلية للمؤسسات الإعلامية

Jul 9, 2021 في موضوعات متخصصة
صورة

يتزايد العنف وحملات الكراهية ضد الصحفيات عبر الإنترنت، بسبب العنصرية والتعصب الديني والتحيّز السياسي وغيره من أشكال التمييز، بحسب ما خلصت إليه دراسة بعنوان "الاتجاهات العالمية للعنف عبر الإنترنت ضد الصحفيات"، التي قادتها مديرة الأبحاث العالميّة في المركز الدولي للصحفيين، الدكتورة جولي بوسيتي لصالح منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

وخلال الدراسة، قالت أكثر من نصف الصحفيات العربيات اللواتي شاركنَ باستطلاع للرأي إنهن واجهنَ هجمات غير متصلة بالإنترنت، لكنهنّ يعتقدن أنها نشأت عبر الإنترنت.

وفي السياق نفسه، دقّت شبكة "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج)، ناقوس الخطر حول هذه المسألة وخصّصت ندوات للتوعية والتدريب والدعم ضمن مشروع "لن أبقى صامتة"، وهو الأول من نوعه في المنطقة العربية الذي تستضيف فيه الشبكة خبراء وخبيرات للحديث عن أنواع جديدة من الإنتهاكات والتحرشات التي يواجهها الصحفيون والصحفيات، ومحاولات إسكاتهم/ن وإخراجهم/ن من العمل في الحيز العام، وذلك بالشراكة مع برنامج فيسبوك للصحافة، وبرنامج النساء في الأخبار من منظمة وان ايفرا، والمؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة، ومؤسسة أيركس  وبرعاية وزارة الخارجية الألمانية.

وتهدف المنظمات الراعية للمشروع إلى خلق بيئة إعلامية آمنة وجامعة من دون إقصاء أو تمييز بناء على الجنس أو الجندر أو اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو غير ذلك، كما تُشجّع على كسر حاجز الصمت تجاه كل أشكال إساءة استخدام السلطة من الاحتيال والفساد إلى التحرش الإلكتروني، وكل أشكال التحرش والتنمر والتمييز وخطاب الكراهية.

وفيما يلي تعرض لكم شبكة الصحفيين الدوليين أبرز ما قدّمه الخبراء والخبيرات في سلسلة الندوات التي تُنظّمها "أريج" منذ أربعة أشهر:

تعريف التحرش الجنسي

عرّفت ميرا عبدالله، وهي صحفية ومديرة الاتصال ببرنامج "النساء في الأخبار" في منظمة وان ايفرا "التحرّش الجنسي" بأنه: "سلوك ذو طابع جنسي غير مرغوب به لأنه ينتهك كرامة الشخص، ويجعله يشعر بالإهانة والخوف والتهديد"، وأشارت إلى أنّ "التحرش الجنسي هو شكل من أشكال فرض السلطة ولا علاقة له بالجنس".

توازيًا، قالت المذيعة ومقدمة البرامج والمدرّبة الإعلاميّة منى سلمان التي تدرّس الصحافة في الجامعة الأميركية بالقاهرة: "إنّ مؤشرات التوازن الجندري في المؤسسات الإعلامية تؤكد أن التحرش الجنسي هو جريمة عنف سببها اختلال موازين القوى داخل المؤسسات لصالح الرجال وغياب النساء عن المناصب القيادية، بهدف إقصائهن عن المجال العام".

كما أشارت الصحفية المختصة بالتحرش الجنسي ومديرة برنامج النساء في الأخبار- أفريقيا، جين غوديا إلى أنّ "التحرش الجنسي هو مشكلة عالمية غير مقيدة بمنطقة جغرافية أو حالة اجتماعية أو غيرها".

إقرأوا أيضًا: دراسة جديدة تكشف العنف الذي تعرّضت له ماريا ريسا عبر الإنترنت

التحيّزات الضمنية

في إحدى الندوات، شرحت الإعلاميّة منى سلمان كيف تؤثر التحيزات الضمنية والأحكام المسبقة على رؤية العالم وممارسة العمل، موضحةً أنّ "أنواع التحيز الشائعة تتمثّل بالتماثل، والتأكيد، والإسناد، وغيرها". وتحدثت عن أهمية التعامل مع التحيزات اللاواعية لخلق بيئة عمل شاملة ومواجهتها عن طريق الوعي.

وفيما خلصت دراسة أجرتها المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة إلى أنّ النساء يمثّلن 33.3% من إجمالي العاملين والعاملات في مجال الصحافة فى 522 مؤسسة على مستوى 59 دولة، عرضت ندوة نظّمتها "أريج" أشكال التحيز في التغطية الاعلامية والمتمثلة بالتركيز على الأدوار المجتمعية التقليدية، التنميط في اللغة والأسلوب، السمات المرتبطة بالنوع، التقليل من شأن المرأة أو الرجل، الأدوار والوظائف، الصور المستخدمة والعناوين، اقتصار الاهتمام بالمرأة على موضوعات/مجالات محددة (الكيفية)، موسمية التغطيات وإهمال التغطية.

التحرش ولوم الناجيات
من جانبها، أوضحت المدربة المتخصصة في الجندر ومكافحة التحرش الجنسي ميرا عبد الله أنّ سبب انتشار التحرش الجنسي في المنطقة العربية هو عدم وجود قوانين رادعة تحمي النساء من العنف الجنسي، وشدّدت على أن "التحريض على التحرش لا يقل جرمًا عن فعل التحرش نفسه".  

وتطرّقت عبدالله إلى إشكالية لوم الناجيات في العالم العربي بسبب العادات والتقاليد التي تحمي سلطة الأقوى وتدعمها، فتعجز النساء عن الكلام والشكوى تجنبًا لما سيواجهنه من لوم من قبل العائلة والأصدقاء. ولفتت إلى أنّ نتائج لوم الناجيات لا تقتصر فقط على إحجام النساء عن الشكوى والإبلاغ عن التحرش الجنسي، بل تؤثر سلبًا على صحتهن النفسية، مما يستدعي العمل بالتوازي على تشجيع النساء على الحكي من ناحية، والعمل على توعية الآخرين الذين يوجهون اللوم لهن سواء حكين أم لم يحكين من ناحية أخرى.

السياسات الداخلية في المؤسسات لمواجهة التحرش

 في سياقٍ متصل، شدّد الصحفي المصري والخبير في الإعلام الرقمي، خالد البرماوي على ضرورة تطوير سياسات داخل المؤسسات لمواجهة ومنع التحرش الجنسي، واعتبر أنّ السبب الرئيسي في التحرش داخل بيئة العمل هو الخلل في موازين القوى، والذي يمكن تجنبه من خلال تحقيق التوازن الجندري داخل المؤسسة وتوزيع مراكز السلطة بشكل متساوٍ بين الجنسين.

ورأى البرماوي أنّ سياسات الحماية من التحرش يجب أن تشمل بيئة العمل بأكملها، والتي لا تقتصر فقط على المكتب، بل تمتد إلى كل المساحات التي يمارس فيها العمل، على سبيل المثال العمل الميداني في حالة المراسلين/ات الصحفيين/ات.

وهذا ما أكّدته أيضًا ميرا عبدالله التي لفتت إلى أنّ سياسات حماية النساء من التحرش داخل المؤسسات يجب أن تمتد إلى خارجها أيضًا، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء إلى النقابات الصحفية التي يجب عليها تفعيل سياسات لحماية النساء من التحرش الجنسي، أو حتى اللجوء لقوانين الدولة. ورأت أنّ تحقيق التوازن بين الجنسين داخل المؤسسة، تعدّ وسيلة فعالة لمنع وإنهاء التحرش الجنسي في مكان العمل وخلق بيئة عمل آمنة للنساء خالية من العدائية والتمييز.

وتطرق البرماوي إلى سياسات التعامل مع وقائع التحرش الجنسي داخل المؤسسات، والتي شملت كل من: القواعد المكتوبة، والتوعية والمتابعة، ومنظومة الشكاوى، والتحقيق والتوثيق، والنتائج والقرارات، وصولًا إلى المتابعة والتقييم. وشدد البرماوي على ضرورة الالتزام بمبدأ السرية أثناء سير التحقيقات في شكاوى التحرش الجنسي داخل المؤسسات من أجل حماية الأشخاص المعنيين والمعلومات التي يفصحون عنها، بالإضافة إلى أن السرية تساهم في بناء الثقة وتشجع على التبليغ عن التحرش.

كما عرض بعض الأمثلة على السياسات التأديبية التي يمكن أن تتخذها المؤسسة ضد المتحرش مثل: الإنذار اللفظي أو الخطي، والتقييم السلبي للأداء، وتخفيض الرتبة المهنية، والإيقاف المؤقت عن العمل، أو الفصل، مضيفًا أنه على المؤسسة الالتزام بتسليم وثائق التحقيق بالكامل إلى الناجية في حال أرادت الإبلاغ عن الواقعة في قسم الشرطة.

إقرأوا أيضًا: دراسة تكشف العنف الذي تتعرّض له الصحفيات عبر الإنترنت

الإبلاغ عن التحرّش

من جانبها، أشارت المدرّبة جين غوديا إلى أن التحدي الأول الذي تواجهه الناجيات من التحرش الجنسي في أفريقيا هو عدم القدرة على إثبات الواقعة، ما يؤدي إلى أن تطبع الضحية مع التحرش الجنسي. وعرضت نسب التحرش الجنسي التي توصلت إليها دراسة بحثية من إعداد برنامج النساء في الأخبار تقارن بين التحرش الجنسي في أفريقيا وبين منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2017، والتي أشارت إلى أن 29% فقط من النساء اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي في أفريقيا قد أبلغن عن الواقعة.

وعدّدت غوديا المسؤوليات التي تقع على عاتق أصحاب الأعمال لمواجهة التحرش الجنسي، والتي تشمل الالتزام بخلق بيئة عمل خالية من التحرش وإدراك حجم المشكلة والعوائق التي تمنع الناجيات من الإبلاغ، بالإضافة إلى ضرورة تبني سياسة معلنة لمناهضة التحرش الجنسي وتدريب المديرين على مسؤولياتهم تجاه الأمر.   
 وتحدّثت المدرّبة الإعلاميّة منى سلمان عن العقبات التي تحول دون الإبلاغ عن حوادث التحرش الجنسي التي تتم داخل المؤسسات الإعلامية، والتي شملت الحرج والخوف من الوصم، والخوف من فقدان الوظيفة، واستهداف الناجية وإلقاء اللوم عليها. وأشارت سلمان إلى أن أصعب ما في قضايا التحرش الجنسي هو إثباتها، وأن هناك العديد من المؤسسات التي تتجنب التعامل مع وقائع التحرش من أجل الحفاظ على "سمعة المؤسسة" أو لأسباب  تتعلق بمنصب المعتدي داخل المؤسسة وسلطته.
وردًا على المؤسسات التي تنكر وجود حوادث تحرش بداخلها، قالت إنه يمكن مواجهتها بالأرقام والإحصائيات التي تفيد بأن 48% من الصحفيات قد تعرضن لأحد أشكال التحرش الجنسي أثناء أداء عملهن، بالإضافة إلى أن 83% لم يبلغن عن هذه الوقائع، مشيرة إلى أن بيئة العمل الإعلامي واسعة جدًا ولا تقتصر فقد على غرف الأخبار بل تمتد لتشمل: العمل الميداني، واستديوهات التصوير، والمناسبات، والجلسات مع المصادر، والدورات التدريبية.

إقرأوا أيضًا: إرشادات لتحسين تمثيل النساء والإستعانة بخبيرات في التغطيات الإخباريّة

تحديد المصطلحات

انصبّ تركيز د. ربى الحلو، أستاذة التواصل السياسي والجندر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة اللويزة اللبنانية في الندوة التي قدّمتها على طرق استخدام المصطلحات المتعلقة بالنوع الاجتماعي في سياق لغوي مناسب، وأهمية ترجمة هذه المصطلحات من لغة إلى أخرى من دون فقدانها لدقّة معانيها وذلك عبر إعادة قراءة كيفية بناء معاني اللغة بمفهومها التواصلي.

وشدّدت على أهميّة التفريق بين الجندر والهوية البيولوجية؛ فالأول يعرف عبر الأدوار الاجتماعية المركبة غالبا بفعل المجتمع والعادات والتقاليد، فالهوية الجندرية تحدد للمرأة كما الرجل. أما الهوية البيولوجية فتعرف حسب ما تستخدم عادة في التعريفات على أنها الجنس.
 سارة عبدالله هي مديرة برنامج مركز التوجيه للمبادرات الإعلاميّة الناشئة وموقع شبكة الصحفيين الدوليين بالنسخة العربية

الصورة الرئيسية لمشروع "لن أبقى صامتة" من موقع أكاديمية أريج