لمشروع إعلامي أكثر استدامة.. فكر كتاجر

بواسطة فادي الحسني
Jul 12, 2023 في استدامة وسائل الإعلام
صورة

تمّ نشر هذه المقالة ضمن سلسلة تبحث في تطوير المشاريع الإعلامية الناشئة.

تستحوذ دراسة الجدوى غالباً على المشاريع الربحية وهذا الأمر هو من المسلمات في عالم الأعمال، غير أنّ الكثير من المشاريع الإعلامية الناشئة في المنطقة العربية تسعى وراء القيمة الإنسانية والمسؤولية الاجتماعية، وهذا في الحقيقة أمر ليس معيباً لكنه مكلف إلى حد كبير على المستويين المادي والمعنوي، لأنه سيشكل تحديًا للقائمين على المشروع أو للمؤمنين بالفكرة سواء كانوا مبادرين أو شركات.  

يتقدم مفهوم الربحية لدى الشركات على القيمة، لكنها في جميع الأحوال لا تنفيها ولا يجب أن تتعارض معها. في واقع الأمر غالبية الأفكار الخلاقة التي لم تكن تستند إلى مفهوم الربحية لم تصمد طويلاً، وهذا بطبيعة الحال عائد إلى أن الربحية تضمن الديمومة والاستمرارية للمشروع ولو بالحد الأدنى.      

الكثير من مدراء المشاريع الإعلامية الناشئة في المنطقة العربية لاسيما من الصحفيين، يفكرون في الغالب بنمط الصحفي الذي يبحث دائمًا عن فكرة قصة جديدة بهدف تقديم محتوى له رسالة مهنية بدافع تنمية المجتمع المحيط وتحسين ظروف الآخرين. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا النمط في التفكير على السلوك الإداري، فتطغى القيمة المعنوية على الجدوى الاقتصادية للمشروع، وبالتالي قد تتعرض بعض المشاريع الإعلامية للفشل. 

لنضرب مثالاً: لو كنت صحفياً وتسعى وراء التأسيس لمشروع إعلامي بدافع أن البيئة الإعلامية المحيطة محبطة ولم تعد مجدية في التأثير في حياة الناس، وتريد أن تصغي أكثر لصوت الفئات المجتمعية المهمشة، فليس معنى ذلك أن تنسى أن هذا المشروع ينطوي على تكلفة مهما كان شكل قالب المعالجة الذي تسعى إلى تقديمه اعتماداً على خبرتك (مقروء، مسموع، مرئي، سوشيال ميديا).  

صحيحٌ أنه مطلوب في البداية بذل الكثير من الجهد الطوعي المجاني في سبيل إنجاح المشروع، لكن ذلك لا يعني أنك ستعمل بمفردك، فكل رسالة بحاجة إلى فريق مشترك وهذا لن يكون بالمجان، حتى لو كان الفريق مؤمنًا بالفكرة، فالفكرة لن تدوم طويلاً طالما أنها لم تحقق منفعة مادية إلى جانب كونها تؤدي رسالة معنوية.  

ما تقدم يقودنا إلى السؤال: كيف أفكر كتاجر وليس كصحفي؟ 

  1. تعامل مع المنتج الإعلامي على أنه سلعة:  

حتى تفكر بنمط التاجر عليك أن تتعامل مع المنتج الإعلامي الذي تقدمه على أنه سلعة، والسلعة إذا تكدست فمعنى ذلك إما أنك تقدم سلعة مستهلكة أو أنك لا تستطيع الترويج والتسويق لها من أجل الوصول إلى عملائك الحقيقيين. 

  1. قدم سلعةً جديدة للسوق:  

تحتكم قواعد السوق إلى القيمة المضافة التي تحملها السلعة الجديدة، جميعنا يعمل على تقديم الكثير من المحتوى الإعلامي في قوالب متعددة وبخاصة عبر قنوات التواصل الاجتماعي، لكن السؤال هل ما نقدمه هو محاكاة لأفكار مستهلكة، أم أنها أفكار خلاقة؟

    

  1. خاطب مشاعر الجمهور:  

إذا كانت الغاية من المشروع الإعلامي هو تقديم محتوى، فمن الأولى أن يلامس هذا المحتوى مشاعر الجمهور حتى يُقبل على متابعة هذا المحتوى سواء كان اخبارياً أو ترفيهياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو علمياً أو سياسياً أو صحياً.. إلخ.  

وهنا يتناهى إلى مسامعنا سؤال: كيف تخاطب السلعة مشاعر الجمهور؟  

في الحقيقة، يميل الكثير من الناس لتناول شطائر الجبن كعادة صباحية في أوروبا على سبيل المثال، وربما في منطقة الشرق الأوسط يميل الناس لتناول شطائر الزعتر، لذلك إذا فكر عربي يقيم في أوروبا في تأسيس مطعم، فهو في الغالب سيقدم شطائر الزعتر لأنها تلامس مشاعر المغتربين العرب.   

بمعنى آخر، ليس بإمكانك مخاطبة المجتمعات العربية التي ترزح تحت الحرب بسلعة ترفيهية، فيما أن السلعة الاجتماعية والاقتصادية التي تلامس واقعها ستكون أكثر تأثيرًا في الجمهور.  

  1. القيمتان المعنوية والمادية ضروريتان لأي مشروع إعلامي ناشئ: 

نتفهم أحيانًا الدوافع الإنسانية للمشروع الإعلامي وقيمته المعنوية للجمهور ولأصحاب الفكرة على حدٍ سواء، لكن ذلك يجب أن يتقاطع مع القيمة المادية، فكما أسلفنا كلاهما ضروري وهام لمشروع ناشئ. وحتى يتحقق هذا الأمر علينا أن نفكر فيما لو كنا فعليًا نريد أن نقدم محتوى اجتماعيًا أو اقتصاديًا يلامس واقع الفئات الاجتماعية التي تعاني من الحروب والصراعات، فكيف يمكن أن تجتمع القيمتان (المعنوية والمادية) في مثل هذا المشروع؟ 

بلا شك يعد تقديم محتوى أو سلعة اجتماعية أو اقتصادية تلامس احتياجات الناس، قيمة معنوية، لكنها تحقق قيمة اقتصادية عندما أعرف لمن سأقوم ببيعها.


  1. المشروع الإعلامي ليس وظيفة بساعات عمل محددة أو مهمة تنتهي بتحقيق الهدف

اعتاد مزودو الخدمات والسلع على مدّ السوق بتلك اللازمة حسب حاجة الجمهور، وتكديس الأخرى الفائضة في المخازن. بيد أنه في المشاريع الإعلامية الناشئة، لا يمكن أن نتعامل مع السلع حسب اكتفاء السوق، وليس بمقدورنا أن نقوم بتخزين أخرى، لأنها غالبًا ما تكون آنية وبالتالي فإنّ تأخر تقديمها يعني إتلافها وهذا يشكل نوعًا من الخسارة.  

في الإعلام علينا ألا نتعامل مع العمل كوظيفة، بأن أقوم بتسليم القصة التي أعمل على إنتاجها وينتهي الأمر، لأنه بمجرد أن يتحقق ذلك علينا أن نفكر في القصة الجديدة. القاعدة السوقية تقول إن تأخرك عن تقديم سلعة، يعطي فرصة لمنافسك على تقديمها، لذا عليك أن تبادر دائمًا لطرح سلع جديدة لم يسبقك إليها أحد.  

كل من سبقك وأقام مشروعاً إعلامياً ناجحاً، سرقه الوقت كثيراً وقضى الليالي قلقاً يفكر كيف سيطور مشروعه، وكيف سيعمل على تحقيق الموارد، لذا لا تتعامل مع المشروع الإعلامي على الأقل في بدايته كمهمة عمل محددة تنتهي بتحقيق الهدف. 

  1. تنمية الموارد الداخلية لا تقل أهمية عن السعي نحو تحقيق التنمية المجتمعية

قبل أن ينشغل رواد المشاريع الإعلامية بما يمكن أن يعود به المشروع بالنفع على الجمهور، عليهم أن يتذكروا أن هناك فريقاً يقف خلف هذا المشروع، وأن تنمية الموارد البشرية وتطويرها وتحفيزها مسؤولية لا تقل أهمية عن تحقيق التنمية الاجتماعية التي يسعى إلى تحقيقها من وراء المشروع.  

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة داريا نيبرياخينا.