كيف يمكن مواجهة التضليل في قضايا النساء؟

Feb 20, 2025 في مكافحة التضليل والمعلومات الخاطئة
صورة

في عصر تتسارع فيه وتيرة نشر الأخبار والمعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، تجد النساء في المنطقة العربية أنفسهن في مواجهة حملات تضليل إعلامي تتنوع بين التشويه والتشهير بهن، سواء بدوافع سياسية أو اجتماعية أو لتحقيق الانتشار. هذه الحملات لا تقتصر على انتهاك حقوقهن الفردية فحسب، بل تمتد لتكرس صورًا نمطية ومعايير مجتمعية تحدّ من تمكين المرأة ودورها في المجال العام.

وفي ظل هذا الواقع، تبرز أهمية المبادرات المتخصصة في مكافحة التضليل الإعلامي، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على تأثير الشائعات على النساء، وتوفير أدوات التحقق التي تحميهن من استغلال الإعلام المغلوط. من الجزائر إلى سوريا والسودان ومصر، تتوالى الأمثلة التي تكشف كيف يُمكن أن تكون المرأة ضحية رئيسية للأخبار المُضللة، خاصة في بيئات تتسم بالحساسية المجتمعية والاضطرابات السياسية.

في هذا السياق، أشارت رويدا العربي مؤسسة "هي تتحقق"-وهي منصة رقمية تعمل على مكافحة الأخبار المُضللة وخطاب الكراهية والعنف الرقمي المُوجه ضد النساء في ليبيا والمغرب العربي- إلى أنّها قد انطلقت لمواجهة التحديات المتعلقة بانتشار المعلومات المغلوطة التي تُستخدم بشكل ممنهج لاستهداف النساء وسمعتهن. وفي حديثها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين"، ذكرت: "كمشاركة في برنامج مركز التوجيه، لاحظتُ عن كثب مدى تأثير المعلومات المضللة على النساء، ما دفعني إلى إطلاق منصة تدقيق معلومات بمنظور نسوي لمواجهة هذا الاستهداف المتزايد، خصوصًا مع التطور السريع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي". 

وأضافت رويدا أن المشاورات مع صحفيات وناشطات حقوقيات كشفت عن الحاجة المُلحة إلى مبادرة تحقق نسائية لتحقيق هدفين رئيسيين: أولهما حماية النساء، خصوصًا الصحفيات والناشطات الحقوقيات والمؤثرات، من المعلومات المُضللة، وثانيهما تعزيز ثقافة التحقق من المعلومات لدى النساء المتأثرات بها، وأوضحت أن المنظمة، المسجلة قانونيًا في ليبيا، بدأت كمبادرة محلية، لكنها توسعت لاحقًا لتشمل دولاً أخرى على رأسها تونس والجزائر والمغرب وفي بعض الأحيان يتم إعداد تقارير من مناطق أخرى في في المنطقة العربية، مع عضوات ومساهمات من مختلف الدول.

كما أشارت رويدا إلى أن المنصة تُعِدّ تقارير تدقيق معلومات تركّز على المحتوى المُضلل الذي يستهدف النساء، وتُنظم جلسات تدريبية تهدف إلى تعزيز مهارات النساء في مجال تدقيق المعلومات، بالإضافة إلى إنتاج محتوى توعوي لتعريف الجمهور بآليات مواجهة الأخبار الكاذبة، لافتة إلى أنه بالرغم من التحديات المتعلقة بالاستدامة المالية والضغط الناجم عن الكم الهائل من المعلومات المُضللة، وأكدت العربي: "نواصل عملنا بإصرار، مستندين إلى دعم شركائنا - الشبكة العربية لمدققي المعلومات، والشبكة الافريقية لمدققي المعلومات، والشبكة العربية للمجتمع المدني النسوي".

ووفقًا "للمعهد الوطني للديمقراطية" فإن التضليل القائم على النوع الاجتماعي هو شكل من أشكال العنف ضد المرأة على الإنترنت، كما أن ليست كل حالات خطاب الكراهية أو التهديدات أو الهجمات القائمة على النوع الاجتماعي ضد النساء والأفراد المتنوعين جنسيًا حالات من التضليل القائم على النوع الاجتماعي، ولكنها تندرج تحت مظلة العنف ضد المرأة عبر شبكة الإنترنت، حيث يُمكن للجهات الفاعلة سيئة النية استخدام أشكال العنف ضد المرأة على الإنترنت لأغراض التضليل التي تُؤثر على كيفية نظر الرجال والنساء إلى قضايا معينة والانخراط في الخطابات والعمليات السياسية من أجل تغيير النتائج السياسية.

ويعتبر المعهد أن التضليل القائم على النوع الاجتماعي، والذي يعكس مدى نفاذية بيئاتنا الإعلامية، يُمكن أن يستخدم بدوره إما من قبل جهات غير تابعة للدولة لملاحقة العنف ضد المرأة عبر الإنترنت لتحقيق غاياتها الخاصة أو يمكن تضخيمه عن غير قصد من قبل الإعلاميين والمواطنين الذين لا يستطيعون تمييز افتقاره إلى النزاهة. ولذلك فإن التضليل القائم على النوع الاجتماعي يعد من أشكال العنف ضد المرأة عبر الإنترنت.  

في السياق ذاته، أكدت الدكتورة ميرال صبري رئيسة برنامج الإعلام والاتصال بفرع جامعة إيست لندن (القاهرة) ومساعدة مدير مركز حرية الإعلام بجامعة شيفيلد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أهمية المبادرات الهادفة إلى مكافحة المعلومات المُضللة، مشيرة إلى أن النساء في العديد من المجتمعات العربية يواجهن تحديات نتيجة للمعلومات المُضللة ضدهن، موضحة أن هذه الظاهرة تتفاقم بفعل الظروف الاجتماعية والثقافية التي تُسهل استهداف النساء وتشويه صورتهن.

وأشارت د. ميرال لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إلى أن مكافحة الشائعات المتعلقة بالنساء من شأنها تعزيز حقوقهن وتمكينهن من مواجهة الضغوط الإعلامية والاجتماعية، لافتة إلى أن تعزيز الوعي بمخاطر التضليل الإعلامي يُسهم في خلق بيئة أكثر شفافية وعدالة، تتيح للجميع الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة بعيدًا عن التلاعب والاستغلال.

ووجهت نصائح للنساء والصحفيات بشأن التحقق من المعلومات:

- كوني حذرة من كل ما يُنشر: إذا واجهتِ معلومات مشوهة أو شائعات عنكِ أو عن نساء وصحفيات أخريات، وتحققي من صحة المعلومات قبل التصديق بها أو مشاركتها.

- استخدمي التفكير النقدي: عند تعرضكِ لأخبار، توقفي للحظة وفكري بشكل نقدي: "هل تبدو هذه المعلومات منطقية؟ هل مصدرها موثوق؟".

- في حالات التضليل، يُفضل الرد على المعلومات المُضللة بشكل مهني باستخدام الأدوات العامة المناسبة لإثبات الحقيقة.

-الوعي الإعلامي: احرصي على المشاركة في تدريبات حول تقنيات وأدوات التحقق من المعلومات، خاصة أن تلك الأدوات تتطور باستمرار، ويجب التعرف على كيفية استخدامها في جميع المجالات. 

وكشفت دراسة أجرتها منظمة "بلان إنترناشونال" بعنوان "فجوة الحقيقة" أن المعلومات الخاطئة والمُضللة عبر الإنترنت تُلقي بظلال سلبية على حياة الفتيات والشابات، مما يؤثر بشكل مباشر على صحتهن النفسية. وشاركت في الدراسة التي صدرت عام 2021 أكثر من 26 ألف فتاة وشابة من 26 دولة، تناولت تجاربهن مع المعلومات المُضللة عند مناقشة قضايا سياسية أو مدنية أو اجتماعية عبر الإنترنت.

وأوضحت الدراسة أن الأخبار الكاذبة والمضللة تركت أثرًا عميقًا على مواقف الفتيات تجاه القضايا المختلفة، حيث أعربت 91٪ من المشاركات عن قلقهن من انتشار المعلومات المُضللة على الإنترنت، ووصفت 40٪ منهن هذا القلق بأنه شديد. كما أشارت النتائج إلى أن 46٪ من الفتيات يعانين من مشاعر الحزن والاكتئاب والقلق بسبب المعلومات المُضللة، وأظهرت الدراسة أن 96٪ من المشاركات يعتقدن أن منصات التواصل الاجتماعي مليئة بالمعلومات المضللة، حيث تصدر "فيسبوك" القائمة بنسبة 65٪ كأكثر المنصات التي تعتبرها الفتيات غير موثوقة.

من جانبها، أبرزت سلمى الغيطاني المحاضرة في قسم الصحافة والإعلام والمساعدة التنفيذية بـ"مركز كمال أدهم للصحافة التليفزيونية والرقمية بالجامعة الأميركية" بالقاهرة، أهمية المبادرات التي تستهدف معالجة قضايا النساء باستخدام أدوات التحقق الدقيقة، موضحة أن هذه الجهود ليست فقط لمواجهة المعلومات المُضللة التي تستهدف النساء بشكل خاص، ولكن لدورهن المحوري في مجال التربية الإعلامية، حيث يشكلن الفئة الأكبر من العاملين في هذه المجالات، ويقمن بدور رئيسي في تنشئة الأجيال التي تعتمد بشكل متزايد على الأجهزة الذكية. 

وتطرقت سلمى خلال حديثها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" إلى أن النساء في العالم العربي غالبًا ما يكن الأكثر عرضة للتضليل، خاصة في ظل الفجوة الكبيرة بين الجنسين في معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، والتي تؤثر بشكل مباشر على الوعي بمفاهيم التربية الإعلامية والتحليل النقدي. كما أن التضليل المعلوماتي يستهدف في العادة الفئات الأقل خبرة بالمنصات الرقمية وآليات عملها، وغالبًا ما تكون هذه الفئات من خلفيات تعليمية متدنية. 

وأكدت سلمى أن الإعلام يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في تسليط الضوء على قضايا النساء بموضوعية وشفافية، بما يُسهم في مواجهة التضليل ودعم دورهن في بناء مجتمعات أكثر وعيًا، مشيرة إلى ضرورة استخدام أدوات التحقق بفاعلية عند تناول قضايا النساء لضمان الدقة والمصداقية، عبر عدة محاور، منها:

- التحقق من مصادر المعلومات بالاعتماد على جهات موثوقة. 

- التدقيق في الإحصائيات والتصريحات المتعلقة بالنساء لضمان تقديم معلومات صحيحة ودقيقة. 

- حماية البيانات الشخصية، خصوصًا عند التعامل مع المواضيع الحساسة. 

- التعاون مع شبكات داعمة، لتعزيز تبادل الخبرات وبناء القدرات الإعلامية. 

في السياق ذاته، أوضحت مها صلاح الدين رئيسة قسم تدقيق المعلومات وصحافة البيانات بجريدة المصري اليوم، ومحررة البيانات بـ"مجتمع التحقق العربي"، أن المبادرات الخاصة بمكافحة التضليل الإعلامي تجاه النساء تلعب دورًا مهمًا في التطرق لقضايا الجندر ومواجهة المعلومات المُضللة التي تستهدف المرأة في الوطن العربي، مشيرة إلى أن الأخبار المتعلقة بالنساء تحقق انتشارًا كبيرًا نظرًا لحساسيتها واهتمام الجمهور بها. 

وأوضحت مها لـ"شبكة الصحفيين الدوليين" أن قسم تدقيق المعلومات وصحافة البيانات في المصري اليوم يضم 3 صحفيات، أنتجن العديد من القصص المتعلقة بالنساء، بينها «ميرولا ماجد أول كابتن طيار صعيدية».. ما حقيقة المنشورات التي تهاجمها؟، وغيرها من القصص، موضحة أن القسم يعمل بشكل عام في كل المجالات وليست قضايا النساء فقط. وأشارت إلى أن التحدي الأكبر للمدققات أو العاملات في هذا مجال التحقق يتمثل في  صعوبة الوصول للفرص في مجال التحقق خاصة في المنطقة العربية.

وأكدت مها أن أدوات التحقق من المعلومات لا تفرق بين رجل وامرأة، لكنها شددت على أهمية وجود فرق متخصصة لرصد المحتوى المُضلل وخطاب الكراهية ضد النساء، بهدف الحد من التشهير وحماية المرأة من التلاعب الإعلامي.

الصورة الرئيسية منشأة بواسطة ChatGPT.