من أتمتة إنتاج المحتوى إلى المساعدة في جهود التحقق من الحقائق، أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر استخدامًا في الصحافة خلال السنوات الأخيرة، فالفرص التي تقدمها الخوارزميات للمنظمات الإعلامية أصبحت أكثر وضوحًا.
ومن بين هذه الفرص، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي لعب دور في تحسين تمثيل النساء في الأخبار، وكان بوت صحيفة فاينانشال تايمز "هي قالت – هو قال" أحد الأمثلة الأولى على ذلك. فالبوت، الذي تم تقديمه في 2018، ساعد غرفة الأخبار التي يقع مقرها في العاصمة البريطانية لندن، على تحديد تنوع المصادر في تقاريرها.
وبالمثل، استفادت المنظمات الإخبارية حول العالم من تقنيات الذكاء الاصطناعي بطرق متنوعة في تحليل وتحديد التحيز في التقارير، وكشف خطاب الكراهية ضد النساء، وغيرها من الأمور.
إليك بعض الأمثلة.
تحليل التحيز في الإعلام
ساهيتي سارفا، مهندسة متخصصة في استخدام علم البيانات لفهم السياسة، ومؤلفة مشاركة مع ليوناردو نيكوليتي في مقال مرئي عنوانه "عندما تتصدر النساء عناوين الأخبار"، ويدرس المقال، المنشور في 2021، طبيعة تمثيل النساء في التقارير الإخبارية. وحلل فريق سارفا ونيكوليتي أكثر من 10 سنوات من العناوين الإخبارية في 50 موقع في الهند، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وجنوب أفريقيا؛ لإعداد هذا المشروع.
وشرحت سارفا النهج المعتمد في ورشة عبر الإنترنت استضافتها مبادرة صحافة الذكاء الاصطناعي JournalismAI لمدرسة لندن للاقتصاد في وقت سابق من هذا العام، قائلةً: "لقد جمعنا جميع عناوين الأخبار الموسومة بـ 20 كلمة رئيسية مترادفة مع كلمات نساء وفتاة وأنثى وغيرها، وهذا أعطانا نحو 382,139 عنوانًا إخباريًا باللغة الإنجليزية".
وبما أنّه كان يوجد الكثير من البيانات، قالت سارفا: "الذكاء الاصطناعي سيسهل الأمر". ولكن قبل البدء في تطبيق أي خوارزمية، يجب القيام بالكثير من الأمور، وهي تنظيف وإزالة الكلمات غير المفيدة، وإيجاد حزم الأكواد المناسبة للاستخدام. وبحسب سارفا: "في أغلب الأوقات، تحتاج أن تكون مبدعًا بشأن ماهية البيانات التي ستستخدمها".
وشرحت سارفا في ورشة صحافة الذكاء الاصطناعي: "أنشأنا قواميسنا الخاصة التي تحسب ما يُسمى بالتحيز القائم على النوع في عناوين الأخبار، وتضّمن ذلك مزيجًا من اللغة الجنسانية مثل ممثلة، وابنة، وزوجة، جنبًا إلى جنب مع الصورة النمطية السلوكية والاجتماعية حول النوع، مثل الدعم العاطفي والرعاية".
وبمجرد وجود هذه القواميس، استخدم الفريق طريقة التعلم الآلي "تحليل المشاعر"؛ لفهم كيف يبدو الأمر عندما تتصدر النساء عناوين الأخبار. تقول سارفا: "وجدنا أن القصة غالبًا ما تكون مثيرة جدًا - عندنا تتصدر النساء عناوين الأخبار - وتصبح القصة أكثر إثارة من عناوين الأخبار العادية التي نقرأها، وبمرور الوقت ازداد الرقم"، موضحةً: "ربما يكون ذلك لأنه عندما تتصدر النساء عناوين الأخبار تتضاعف احتمالية أن تكون القصة عنيفة أكثر من كونها تمكينية".
مراقبة الخطاب الكاره للنساء
كشخصيات عامة، كثيرًا ما تكون النساء هدفًا للهجمات على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن من هم الجناة؟ لجأ الصحفيون في موقع AzMina البرازيلي، وصحيفة La Nación الأرجنتينية، وCLIP وDataCrítica من أميركا اللاتينية، للذكاء الاصطناعي لاكتشاف الأمر. وطوروا معًا أحد تطبيقات الويب لكشف خطاب الكراهية ضد النساء على "تويتر".
وقالت باربرا ليبوريو من AzMina في ورشة صحافة الذكاء الاصطناعي: "إدراكًا منا بزيادة خطاب الكراهية، خاصة ضد النساء، يريد مشروعنا أن يكون قادرًا على المراقبة السريعة والجازمة عندما يبدأ أي سياسي أيًا بهذه الهجمات الكارهة للنساء".
وجد التطبيق أنّ الهجمات جاءت من سياسيين على وجه الخصوص، من بين شخصيات عامة أخرى، وتوضح ليبوريو: "لقد بدأت هذه الموجات الحقيقية لخطاب الكراهية؛ لأن مؤيديهم قرروا مهاجمة النساء بمعدل أعلى".
وتشير ليبوريو إلى أنه لإيجاد نموذج لكشف الرسائل الكارهة للنساء، يجب أن تتعلم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ما هو خطاب الكراهية ضد النساء. وكخطوة أولى في العملية، أنشأ فريق ليبوريو قاعدة بيانات لأمثلة، عبر تمييز التغريدات على أنها كارهة للنساء أم لا.
وبمجرد تعلم الذكاء الاصطناعي لهذه العملية، قيّم فريق ليبوريو مدى فعاليته في تحديد خطاب الكراهية ضد النساء، وأنشأوا نظام تسجيل للنقاط، واختبروه في اللغتين البرتغالية والإسبانية.
وعندما أصبح النموذج جاهزًا، أنشأوا تطبيق ويب لمساعدة المستخدمين على تحليل النص والملفات. وتأمل ليبوريو أن يتمكنوا من مشاركة نموذجهم المبدئي مع مبادرات أخرى ترغب في رسم خريطة للعنف القائم على النوع على وسائل التواصل الاجتماعي.
نقطة الانطلاق
تقول سابرينا عرقوب، مديرة برامج في مبادرة صحافة الذكاء الاصطناعي، إن "تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تساعد كثيرًا في دعم الصحفيين لأداء وظائفهم بشكل أفضل"، موضحة أنه عندما يتعلق الأمر بتمثيل النساء في الأخبار، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الشفافية والمساءلة ورفع الوعي. ويُعد مشروع AIJO أحد الأمثلة على ذلك، فهو يقارن معدل الاستشهاد بالرجال والنساء، على التوالي، في المقالات أو تصويرهم في الأخبار المرئية.
وتشير عرقوب إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس علاجًا لجميع المشكلات، فهناك ضرورة لوجود دعم من الغرف الإخبارية والصحفيين على حد سواء لتحقيق تقدم حقيقي في هذا الشأن.
تقول عرقوب: "من الجيد أن نضع في الاعتبار أنه بإمكان الآلة تقديم البيانات والمساعدة في مراجعة مدى نجاح أو فشل أدائنا"، مضيفة أنه "لاتخاذ الإجراءات الازمة، يجب أن تأتي نقطة الانطلاق والنية لمكافحة نقص تمثيل النساء في الأخبار من غرف الأخبار والصحفيين أنفسهم".
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ألكسيس براون.