سائح القرى.. مبادرة لجمع الأرشيف السوري

Sep 5, 2023 في تغطية الأزمات
ًصورة

في الوقت الذي ارتبط اسم سوريا بالأخبار العسكريّة والسياسيّة وأصبحت هذه العناوين المرغوبة لمتابعي الأخبار عن سوريا منذ أكثر من عشر سنوات، يحاول الصحفي خليفة الخضر تسليط الضوء على جانبٍ مُهمل رغم أهميّته، وهو الجانب الاجتماعي، وذلك من خلال مبادرته "سائح القرى"، التي يسعى فيها عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى تغطية الجانب الاجتماعي من القرى والبلدات السوريّة.

ويحاول خليفة وهو طالب الماجستير في التسويق الإعلامي، وسبق أن تخصّص بعلم النفس، الاستفادة من دراسته الأكاديميّة في تنمية مبادرته التي أطلقها منذ ثلاث سنوات، عندما بدأ بزيارة القرى والبلدات في شمال سوريا والتعرّف على مجتمعاتها، ويقول خليفة: "بسبب آرائي السياسيّة أصبحت محصوراً ببقعة جغرافيّة تمتد في شمال غرب سوريا، وهذا ما أجبرني على زيارة هذه القرى فقط، ولكنني أحاول التواصل عبر الإنترنت مع سكّان من بلدات وقرى باقي مناطق سوريا، وأتمنى زيارتها لتغطيتها عندما تتحسّن الظروف".

بدأ خليفة مبادرته بفكرةٍ غير مبلورة حسبما يصفها، إذ إنّ كل صحفي هو رهن الحدث، يصوّر ويكتب عمّا يجري حوله، وفي الظروف السوريّة كان الصحفيّون ناقلين للأخبار، أما خليفة فيقول: "كان الإعلاميون والصحفيون يتجهون إلى تغطية الأخبار سواء القصف أو المعارك، أما أنا فقد كنت أترك ما يجري لتصوير المنازل والحارات في كل قريّة أزورها، وفي البداية لم يكن هناك تفاعل مع ما أنشره، إذ إنّ الناس يبحثون عن الأخبار السياسيّة أو العسكريّة، ولكن بشكل تدريجي تبلورت رسالة سائح القرى وعرفت هدفي، وهو أن أقوم بتعريف السوريين على بعضهم البعض".

مبادرة سائح القرى هي مبادرة شخص واحد، وليس مجموعة، خليفة الخضر هو المصوّر، وهو السوري ابن هذه القرى الذي يحاول أيضاً أن يكون عين السائح التي تزورها، حيث يقوم بتصوير الصور ومقاطع الفيديو وحتى استخدام طائرة الدرون الشخصية التي يمتلكها وكاميرا التصوير بـ360 درجة محاولاً أن ينقل أكبر قدرٍ من الصورة لهذه القرى والبلدات، سواء للأشخاص الذين لم يزوروا هذه المناطق من قبل، أو الأشخاص المغتربين عنها.

في السابق عَرَف أبناء هذه المناطق تاريخ بلداتهم أو قراهم عبر التاريخ الشفوي، والذي يؤخذ من قصص كبار السن أو حكايات التجّار الذين مرّوا بها أو عبر مقالات السيّاح الذين زاروها، وهو ما يحاول خليفة تغييره بأدواته الإعلاميّة التي يمتلكها من كاميرات وعدسات وقلم، ويقول: "أحاول توثيق حاضر القرية وتاريخها، كي يستطيع المشاهد أو القارئ أن يتعرّف على القرى والبلدات من لسان أهلها".

ويتحدث خليفة عن بداية سائح القرى، أن الناس كانوا يحتجّون على مبادرته، منهم من ينتظر منه تصوير حالة إنسانيّة أو مخيّم نازحين، أو نقل خبر آني، ولكن حالياً وبعد ثلاث سنوات أصبحوا مهتمين أكثر بالحديث عن تاريخهم وحاضرهم، حتى أنّهم أصبحوا يرسلون الصور لبريد الصفحة سعياً منهم أن تنتشر ويتم الحديث عنها.

ولم تكن مبادرة سائح القرى ذات فائدة للناس بنشر قصصهم وتاريخهم فحسب، بل كانت منفعتها أيضاً لخليفة الذي يقول: "تعلمت أكثر من خلال مغامراتي، وغذّت هذه التجربة شخصيتي الصحفيّة وتحسنت مهارات التواصل لدي، وشجعتني أكثر أن أكون فضوليّاً اتجاه المجتمعات".

بحسب تقارير الأمم المتحدة، تعاني سوريا من أضخم أزمة نزوح في العالم، حيث اضطر أكثر من 13 مليون شخص للهجرة خارج البلاد أو النزوح داخلها، منهم أكثر من 2 مليون شخص في الشمال السوري، ويقول خليفة بهذا الخصوص "يوجد سمة عامّة مشتركة لدى المهجّرين، وهو الخوف من نسيان تاريخهم، يحبون دائماً الحديث عن تاريخهم، عن قصصهم، عن كلّ ما يستطيعون نقله، يخافون أن يندثر تاريخهم مع بعدهم عن مناطقهم، وجميعهم لديهم الكثير من القصص ويستطيعون وصف بلداتهم وقراهم بأدق التفاصيل".

ومن أهداف مبادرة سائح القرى كما يصف خليفة "إزالة الوصمة عن القرى والبلدات السوريّة التي ارتبطت أسماؤها بمجزرة أو خبر"، لذلك قرر مثلاً أن يتحدث عن أشجار الفستق التي تشتهر بها خان شيخون كي يعرف الناس عنها عوضاً عن ارتباط اسم البلدة بالمجزرة التي حدثت فيها، أو الحديث عن بساتين الرمّان وبساتين التمر في الباغوز عوضاً عن ارتباطها بالمعارك، وهذا النوع من التوثيق الاجتماعي يُعتبر نادراً في الفضاء الإعلامي السوري، على حدّ قول خليفة.

ويشير خليفة إلى أنّه رغم اقتصار زياراته بسائح القرى على البلدات والقرى في شمال سوريا، ولكنهم يحاول التواصل مع الأهالي والسكّان من المناطق الأخرى، ويتلقى الصور منهم لينشرها، ويحاول تغطيّة مناطق مثل دمشق والرقة وغيرها من المحافظات التي لا يمكنه زيارتها، ويستعين أحيانًا بصورٍ قديمة لهذه المناطق كي لا تقتصر المبادرة على منطقة الشمال السوري فقط.

وفيما يخص نشر المحتوى، يذكر خليفة: "ليس كل محتوى أقوم بتغطيته قابلاً للنشر، بدايةً من مرحلة التصوير والتغطية التي تختلف من منطقةٍ لأخرى، وذلك تبعاً للعادات والتقاليد". أما ما بعد النشر، يذكر خليفة متابعته للمحتوى بشكلٍ دائم للحرص على عدم انتشار خطابٍ يحض على الكراهيّة أو العنصريّة في التعليقات، ويقول: "أتابع التعليقات والنقاشات الدائرة بشكلٍ مستمر، ولا سيما مع نشري من مناطق مختلفة يسكنها مختلف المجتمعات والعشائر، وأحرص على بقاء الصفحة مساحة آمنة للنقاشات بين الناس".

الصورة الرئيسية من مبادرة "سائح القرى".