صحافة المواطن في سوريا.. من الحاجة إلى الاحتراف

Oct 30, 2018 في موضوعات متخصصة

فرضت صحافة المواطن نفسها في مناطق النزاع وبشكلٍ خاص المناطق العربيّة كوسيلةً أساسيّة، إذ أنّ الطوق الأمني المفروض من قبل الأنظمة العربيّة التي شهدت بلدانها نزاعات والرد القاسي على جميع الوسائل الإعلاميّة التي حاولت نقل الأحداث سواء بإغلاق مكاتب القنوات والصحف أو باعتقال المراسلين والصحفيين، دفع بالكثيرين لكي يكونوا مواطنين صحفيين، لا ينتظرون أوامر رئيس تحرير أو توجيهات لحدثٍ معيّن، بل ينقلون ما يجري حولهم كما هو . وقد أدّى طول أمد ظروف النزاع إلى تطوير الحاجة إلى صحافةٍ احترافيّة كونها لم تعد مجرد حالةٍ آنيّة.

نذير العلي من مدينة ديرالزور شرق سوريا والذي يقيم في ألمانيا حالياً يقول "درست الطب، ولكن مع بداية الأحداث في سوريا أصبحت الصحافة حاجة لنقل الأحداث" ويضيف: "قمت بإعداد ونشر كتاب "الثورة السورية :ثورة وسائل الإعلام؟" باللغة الألمانيّة ونقوم بتحضير نسخة باللغة العربيّة وهو كتاب اعدّته مجموعة من المواطنين الصحفيين والباحثين والصحفيين السوريين، بالإضافة إلى صحفيين ألمان نحاول فيه استعراض مشهد الواقع الصحفي والإعلامي في سوريا قبل الحرب والأسباب التي دعت إلى توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في النشاط الإعلامي والسياسي، كما أننا نسلط الضوء على محاولة المواطنين لكسر قسريّة التعتيم الإعلامي المفروض عليهم".

وتحدّث العلي عن الدوافع التي شجعته لإعداد الكتاب ونشره  قائلاً: "حاولنا توثيق مرحلة كبيرة من النضال الصحفي ونقل تجربةٍ تستحق الدراسة والتمحيص والاستعراض كونها كانت النافذة الحقيقية الوحيدة للمشهد السوري إلى العالم، ولا ننسى أنّ كلّ ما وصلنا إليه كان بعد تضحية مئات المواطنين الصحفيين والنشطاء".

ويصف العلي سوريا بأنها "من أخطر المناطق على الصحفيين"، ويكمل: "من خلال التجارب الذاتيّة التي كتبها لنا صحفيون وإعلاميون من داخل سوريا، نجد كمًا هائلاً من الصعوبات التي تواجه العمل الصحفي هناك، ليس فقط بسبب الاستهداف المباشر أو الاغتيال أو الأسر، بل أيضاً صعوبات في تأمين المتطلبات التقنيّة والدعم الكافي من أجل الاستمرار في هذا العمل، وظروفٌ مثل الحصار، والتي تستدعي من الصحفي أنّ يكون صحفياً وإعلامياً ومسعفاً وقادراً على الحفاظ على حياته في نفس الوقت".

وتقول ليلى الرفاعي من ريف دمشق والتي كانت من المشاركين في الكتاب إنها لم تدرس الصحافة ولم تختر بدء ممارستها أيضاً "ولكنّها لمّا كانت ترتكز أساساً على اللغة - وقد درست اللغة العربيّة - وأصبحت سبيلاً مؤثراً وطريقاً مساهماً في صنع الرأي وحفظ التاريخ، ولمّا أتيح لها منبر مسموع، أصبح العمل الصحفي فيما يخص الحرب واجباً".

أما عبيدة عامر وهو صحفي سوري مُقيم في تركيا وأيضاً احد المشاركين في الكتاب، فقال: "جاءت فكرة نشر الكتاب بالدرجة الرئيسيّة كفرصة بحثيّة، لكنها بالفعل فتحت البصيرة فكرة التفرغ لكتابة شيء مطوّل ما، خصوصاً أنني كنت أفكّر بشكلٍ عام بنشر كتاب رغم أنّه ليس ضمن هذا المجال".

عبيدة كان قد درس هندسة الميكاترونيكس ويتحدث عن اختيار مجال الصحافة "مثل الحرب، لا أظن أن مثل هذه الأمور تتم اختياراً، وإنّما يجد الإنسان نفسه ضمنها، وفي بعض الأحيان عندما لا يجد أحداً يقوم بما لا بد منه". وعن انتقاله من مرحلة صحافة المواطن إلى الصحافة يقول عبيدة "كنت في عامي الثاني في كلية الهندسة بالأردن عندما بدأت الأحداث في سوريا، كان الأمر أسهل عليّ لأن أكون مواطناً صحفياً، كون الإنترنت دائماً متاحاً، وكوني أستطيع استخدام اسمي الصريح وأجيد الانجليزية، وبدأت أنشر الاخبار على تويتر طيلة الوقت". ويكمل " مع الوقت وجدت نفسي أركز على العمل الصحفي بحد ذاته، بوجود لغة وعلاقات ولكن بدون أساسيات صحفيّة، جرّبت كتابة المقالات الصحفيّة والترجمة لمدّة عامٍ تقريباً، ساعدتني هذه الأمور على فهم المجتمع الصحفي عربياً وغربياً وشكّلت لدي قاعدة من شكل الكتابة الصحفيّة أسسها، عند ذلك بدأت تجربتي التحريريّة الصحفيّة لتشكّل ما أنا عليه اليوم".

ويضيف نذير العلي "أحد أهمّ الأمور التي يوضحها الكتاب هي مصطلح الإعلام البديل أو المسمّى أحياناً "الثوري" فهو مصطلح غير مفهوم في كل السياقات، ففي الدول التي يوجد فيها مساحة جيدة لحريّة التعبير ووسائل الإعلام، تكون الحاجة إلى الإعلام البديل قليلة، وهذا ما نودّ شرحه في الكتاب، بأنّ السياقات السياسيّة والاجتماعيّة والحالة السوريّة بشكلٍ خاص كانت سبباً مهمّاً لنشوء صحافة المواطن والإعلام البديل". ويقول عن سبب اختياره للغة الألمانيّة "أنا أقيم في ألمانيا وهو ما سهّل التواصل مع دار نشرٍ ألمانيّة أولاً، كما أنّ حصر المشكلة في سوريا على أنّها حرب اهليّة وأزمة إنسانيّة وأزمة لاجئين دفعتنا لتسليط الضوء على كفاح السوريين من أجل الحريّة والعدالة والديمقراطيّة، وتسليط الضوء على فئةٍ تناضل لنقل الحقيقة ونشرح سبب نشوء هذا النوع من الصحافة وهو ما قد يعطي لمحةً مغايرة للمشاهد الألماني عن سوريا".

وفي ذات السياق يتحدث ملاذ الزعبي عن سلسلة "شهادات سوريّة" وهو صحفي من مدينة درعا يُقيم في المملكة المتحدة ويقول "تتألف السلسلة حتى الآن من 24 كتاباً صادرة عن بيت المواطن وهي دار نشر تابعة للرابطة السوريّة للمواطنة، ويتنوّع الكُتّاب بين أصحاب خلفياتٍ أدبيّة أو صحفيين أو سياسيين". ويحمل كتابه اسم "خالي الذي في قبضتهم" وعن الدافع لكتابة هذا الكتاب يقول الزعبي "هو نصوص ومقالات نشرتها من خلال عملي كصحفي، بعضها ساخر وبعضها تحقيقات صحفيّة، أو تقارير وقصص إخباريّة، وتم تجميعها في كتابٍ لاّن فكرة السلسلة - أي سلسلة شهادات سوريّة - تقوم على نشر شهاداتٍ لفاعلين سوريين خلال الفترة الأخيرة، سواء دواوين شعر أو مذكرات، أو مجموعات قصصية وغيرها". ويشرح الزعبي عن تغيير الظروف الصحفيّة في سوريا خلال السنوات الاخيرة "الخبرة وظروف العمل تغيرت بشكلٍ جذري طبعاً، القدرة على مقاربة الكثير من الأمور اختلفت، سقف الكتابة ارتفع بعد مغادرة سوريّة، ولم يعد هناك أي محاذير أو رقابة ذاتيّة".

كما أنّ العديد من المواطنيين الصحفيين والصحفيين السوريين قد نشروا كتباً في السنوات الأخيرة يكاد يكون مجملها من دور نشرٍ خارج سوريا، ومن الكتب التي تطرّقت لمواضيع غير التي سبق ذكرها ، كتاب "الكناعيص" للمواطن الصحفي خليفة الخضر والذي يروي فيه خليفة شهادات سجناء كانوا في سجون تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" منهم من استطاع الهروب ومنهم من تم إعدامه، بالإضافة لشهادته كمعتقلٍ سابقٍ لدى التنظيم بالإضافة إلى رواية مضر عدس والذي درس هندسة الالكترونيات والاتصالات ولكنّه اتجه إلى الكتابة ونشر روايته الأولى "رحلة إلى اسطنبول" والتي يروي فيها هجرة شابّين من سوريا إلى اسطنبول وما يحصل معهما أثناء هذه الرحلة بالإضافة إلى خوضه تجربة كتابة السيناريو لبرنامجٍ اجتماعي ينقل بعض المواقف التي تحصل في الغوطة.

وكما يُقال "النار تهشّم البلّور وتصقل الحديد"، فقد صقلت الظروف والمصاعب حياة الكثير من المواطنين ليتحولوا إلى صحفيين وكتّاب ينافسون في هذا المجال.

الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة المشاع الإبداعي على فليكر بواسطة توماس لوتار.